السياسي

ما هو دستور الدولة الجائعة ؟

  ما هو دستور الدولة الجائعة ؟

   ما هو دستور الدولة الجائعة ؟

 

منذ الأزل، تمتلئ الكتب التاريخية بقصص تجويع الشعوب واستغلالھا من قبل الحكومات الفاشلة، ولكن ھل سبق لك أن تساءلت؟ كيف يمكن أن تتأسس دولة جائعة؟ أو كيف يكون شكل الحياة في دولة معتمدة على جوع وفقر شعبھا؟ وما ھي قوانين ھذه الدولة وسياستها أو حتى دستورھا؟

لنسرح بخيالنا قليلا، ونتخيل دولة مبنية على الجوع والفقر، بل ھو أسلوب حياة وقانون أساسي بين الشعب وحكام ھذه الدولة...!

أساليب غريبة ومبتكرة تستخدمھا حكومة ھذه الدولة لإيقاف معدلات النمو وتجويع شعبها، ولنسمي ھذه الأساليب "دستور الدولة الجائعة" أول مادة في ھذا الدستور ستكون كالآتي: -

أولا / الفقراء يحتاجون إلى "الداىت الإجباري": في عصرنا الحديث، أصبحت الحكومات المتنافسة تتباھى بتقديم برامج لمكافحة الفقر. وما هو أفضل برنامج لمكافحة الفقر من إجبار الفقراء على اتباع "الدایت الإجباري"؟ عوضا عن توفير الدعم اللازم للفقراء لكسب لقمة العيش، يُقَدَّم أطعمة محدودة، فمن يحتاج إلى اللحوم والفواكھ والخضروات عندما يمكنه أن يعيش على الخبز وماء فقط؟

ثانيا / جائزة "الجوع العالمي" للحكومة الأكثر تجويعا: من بين الأساليب المشجعة لتجويع الشعوب، تُقَدَّم جائزة سنوية للحكومة الأكثر تجويعاً في الدولة ھذه الجائزة تعتبر تكريما للحكومة التي تنجح في تفشي الجوع والفقر، وتجعل الشعب يعاني بشكل لا يصدق، تعتبر ھذه الجائزة تحفيزا للحكومات على بذل قصارى جھدھم في تفشي الفقر، حيث يعتبر الفقر أحد الإنجازات الكبرى للدولة!

ثالثا / العملة: لماذا نقتصر على الأساليب التقليدية لتجويع الشعوب مثل زيادة الضرائب وتقليص الإنفاق الاجتماعي؟ دعونا نبتكر شي جديدا وساخرا! لنصنع لھذه الدولة عملة فريدة، ونسمعها بأي اسم، عوضا عن طبع الأموال الورقية المعتمدة من العالم، يُطْبَع أوراق عادة بأشكال غريبة، تتغير على حسب السلطة الحاكمة، يمكن للشعب استخدام ھذه العملة لشراء أي شي بھا، حتى إن كان طعاما يتناولونه، فھذه العملة ھي مجرد سخرية وتذكير مستمر بالفقر الذي يعانونه.

رابعا / العروض الترفيهية: لا يمكننا نسيان الأفكار الابداعیة للترفيه عن الشعب، في ھذا النمط الفريد، تقدم الحكومات العروض الترفيهية للشعب، ولكن بشرط أن يكون الشخص جائعا، فقط الأشخاص الذين يعانون الفقر المستمر يحصلون على تذاكر للحضور.

وبالطبع، يشترط أن تكون العروض غنیة بالأطعمة اللذيذة والوجبات الفاخرة، ولكن فقط للفرجة وليست للأكل، مما يجعل الجائعين يعانون مشاعر الحنق والغيرة وسط الفخامة والرفاهية التي تتمتع بھا الطبقة الحاكمة.

خامسا / الفقر موضة العصر: في ھذا الدستور الملتوي، أصبح الجوع موضة عصرية، تمجد وسائل الإعلام، وتروج لـ "نظام التجويع الغذائي"، حيث تنظر إلى نقص التغذية على أنھ رمز للمكانة والجمال، وشُجِّع الناس على إظھار أضلعھا البارزة وأجسادھم الضعيفة، في حين يقوم مصممو الأزياء بإنشاء خطوط ملابس تناسب فقط أولئك الذين يعانون سوء التغذية الحاد.

سادسا / أولمبياد تخزين الطعام: تخيل حدثا تتنافس فيه البشر ضد بعضھا البعض لمعرفة من يمكنها  تخزين أكبر قدر من الطعام، بينما يتضور الخاسرون جوعا، ستتضمن أولمبياد فتح الحكومة لأنواع محددة من الطعام، والفائز من يستطيع تخزين الغذاء تخزينا ھائلاً، مما يترك باقي السكان بلا شيء، ستعرض الدولة الفائزة بكل فخر المستودع المكتظ بالطعام، وتعطي الفائز جزءا منھ فقط، بينما يظل يعاني ھو وباقي شعبھا الفقر.

سابعا /  الإعلان عن الطعام لمن لا يمكن أن يملكها: في عالم ينتشر فيه الجوع على نطاق واسع، تطلق الحكومات والشركات حملات إعلانية فخمة عن الطعام، تعرض اللوحات الإعلانية والإعلانات التلفزيونية والإعلانات عبر الإنترنت صورا مثيرة للأطباق الشهية والوجبات اللذيذة ، المھم ھو أن ھذه الإعلانات يتم وضعھا بشكل استراتيجي في المناطق الفقيرة حيث لا يمكن للناس إلا أن يحلموا بتوفير مثل ھذه الكماليات.

ثامنا /  وزارة المجاعة: في ھذا البند، تنشئ الحكومات وزارة للمجاعة، مكلفة بإيجاد طرق مبتكرة لإبقاء السكان جائعا ، إنھم يستثمرون في البحث والتطوير لإنتاج منتجات غذائية لا طعم لها، وتفتقر إلى العناصر الغذائية ویتم بعد ذلك تسويق ھذه المنتجات باعتبارھا ميسورة التكلفة ويمكن الوصول إليها بسھولة، بينما ينغمس المسؤولون الحكوميون في الولائم الفخمة خلف الأبواب المغلقة.

 

الخاتمة:

تجويع الشعوب ليس سوى استنزاف لكرامة الإنسان واستغلال أشد احتياجاته الأساسية ھو أسلوب حيواني ابتكره البشر لاستعباد بعضھم، ونزع التفكير والإرادة والحرية منھم فالفقر حتى وإن كان موضوعا للاستھزاء والسخرية والضحك، فھذا لا ينفي أنه واقعاً يجب معالجته بجدية ومسؤولية. 

هل هناك من يسمع؟