هل هناك من يتذكر مهام حكومة عودة الحياة؟
لم يكن يعلم أبو مسلم الخرساني خادم بني العباس، وأحد دعاتهم الأقوياء في بلاد فارس، أنه سينتهي به المقام مقتولاً بأيادي من شيد لهم دولتهم، حيث اعتقد في مرحلة من المراحل أنه أصبح شريكاً في بناء دولة بني العباس، ولهو بذلك منزِلة يمتاز بها عن باقي الموالي، وهذا الوهم جعله يتحدث مع أبوجعفر المنصور عندما تولى الخلافة ببعض الندية، هذه الندية التي أرجعته من رجل الدولة القوي، إلى الخادم صاحب مهنة السرج، فالوهم هو من قتل أبا مسلم، وسيقتل بعده العديد من الناس كما أخبرنا التاريخ.
منذ سنة، ونحن نشاهد صراع الأرقام بين أفراد السلطة الحاكمة في ليبيا أرقام مالية ضخمة يبدوا أن تداولها أصبح عاديا على مسامع الليبيين، فلم يعد هناك هيبة للمليار فما بالك ببعض الملايين حيث كل طرف يحاول أن يرمي كتلة النار التي اشتعلت في مدخرات الليبيين نتيجة الصرف الهائل وغير المبرر خلال السنوات الماضية لتحرقه عوضا عن أن تحرقهم جميعا.
في ظل هذا كله، قفز سؤال نعتقد أنه مهم.
ما هي مهمة حكومة عودة الحياة أصلاً، ومن صرف لها كل هذه الأموال؟ وهل كانت هذه الأموال التي صُرفت لها متماهية مع مهامها؟
حكومة عودة الحياة جاءت بناء على اتفاق سياسي مثلها مثل أغلب الحكومات التي حكمت الليبيين خلال العشر سنوات الماضية، وهذه المرة حددت بشكل أكثر دقة مهام هذه الحكومة، المهمة الأولى (إعادة توحيد السلطة التنفيذية في ليبيا) بعد الانقسام الذي حدث في حكومة السراج، والمهمة الثانية (التجهيز لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في موعد متفق عليه سلفا).
ولأنكم تعلمون ما حدث فلن نطيل عليكم كثيرا، حيث بعد سنة فقط من وصول حكومة عودة الحياة، عاد الانقسام السياسي للسلطة التنفيذية مجددا، ولم تتمكن هذه الحكومة من إجراء الانتخابات في موعدها، حيث كان رئيسها (العفوي بسلامته) قد خالف التعهد الذي كان قد وقعه في أثناء تقلده منصب رئيس الحكومة بعدم الترشح للانتخابات التي ستكون حكومته مُشرفة عليها، إلا أنه قدم نفسه للترشح!!!!
بعد هذا الفشل كان من المنطق أن تُسلم هذه الحكومة مهامها، باعتبارها قد فشلت في ما هو مطلوب منها، إلا أنها استمرت وفُتح لها خزائن مصرف ليبيا المركزي لتصرف كيفما شاءت وبالطريقة التي تراها، ولم تبخل هذه الحكومة على أحد، فالكل تحصل على نصيبه، وقد تم ترضية الشعب بزيادة مرتباته، ليكتشف بعدها الشعب نفسه، أن ما أخذ منه باليسار، قد سُحب منه باليسار أيضا.
هذه الحالة خلقت عجزا في الموازنة العامة، وتآكل واضح في الاحتياطي النقدي، ودين عام، ناهيك عن الحكومة الموازية التي صرفت نصيبها من تركت هذا الشعب الميت حقيقة ويدعي الحياة، ليعجز في نهاية الأمر صاحب مصرف ليبيا المركزي من تغطية كل هذا إلا من خلال العودة إلى سحب ما تبقى من أموال الليبيين مجددا، ولكن قالوا للشعب هذه المرة أننا سنفرض ضريبة فقط على سعر الصرف، وسنقتطع من مدخراتك (إن كانت لديك) وراتبك، وكل فلس تملكه أو ستملكه في المستقبل 27% فقط، وذلك لأن رئيس الحكومة قد صرف الأموال كلها التي نملكها وتجاوز كل الخطوط الحمراء في الإنفاق، ونحن لم نعلم ذلك، لأننا كنا نحتسي الشاي في مدينة الضباب.
نحن نؤمن أن الذاكرة حصن، لهذا كان لزاماً علينا أن نذكر أنفسنا وغيرنا ومن سيأتي بما حدث، لن يحدث شيء ليغير هذا الواقع، ليس يأسا بل وعياً بأنفسنا، فهي لم تكن الأولى، ولن تكون الأخيرة.
ستمضي هذه الضريبة بسلام، ويتراكم الليبيون أمام المصارف لتقديم أموالهم مقابل شراء العملة الصعبة، وسيبقى الدبيبة في مكانه، وسيعم الرضاء أركان المقرات ذات الأسوار العالية، وسيغطي الشعب من قوت أبنائه مصروفات كل الطبقة الحاكمة في ليبيا، وسيهتف كل من يتحصل على فرصة للتقرب لهذه السلطة (علم ياقائد علمنا، كيف نحقق مستقبلنا) وسيجري أصحاب البِدل السوداء في أزقة ليبيا المكلومة ليبحثوا على أي شخص يسأل فقط، مجرد سؤال .
هل يتذكر أحد ما هي مهام حكومة عودة الحياة؟
وهل يعلم أحد من هو أبا مسلم الخرساني الليبي ؟