كيف سيكون شكل الحرب القادمة؟!
قلنا سابقا أن الحرب هي إحدى أدوات العمل السياسي، وأن تعارض المصالح وعدم وجود آلية واضحة لإنشاء توازن بينها يؤدي إلى الصدام.
ولو رجعنا إلى تاريخنا القصير خلال الاثنى عشرسنة الماضية سنجد أنه باستثناء حكومة الكيب، فالحكومات كلها التي مرت علينا خرجت بحرب، اختلفت هذه الحروب على مستوى أطرافها ونتائجها، والمساحة الجغرافية التي حدثت فيها، إلا أن الجميع خرج بحرب.
الجميع يعي اليوم أن هناك انسداداً في الوضع السياسي في البلد، فلم ننجح في إجراء الانتخابات في 24 / ديسمبر / 2021، وحتى بعد خلق توافق حول سلطة حاكمة توحد من خلالها السلطة التنفيذية، لم تدم هذه المحاولة طويلا، حيث سرعان ما سرت حالة الانقسام سريعا في الحكومة الوليدة، وعدنا إلى النقطة نفسها التي انطلقنا منها.
جيشان وحكومتان ومجلسان يمثلان السلطة التشريعية، سلاح في يد الجميع، تحالفات دولية ترتب على سكان هذه البلد نتائج سيدفع ثمناها هم وأبنائهم لسنوات، قواعد أجنبية في الشرق والغرب، وزيارات مكوكية لجميع الأطراف المتنازعة لطلب رضا أصحاب العصا الطويلة، وجرعة مُسكن تسمى بالانتخابات ترمى إلى عقول الناس كلما احتاج الأمر لذلك.
يرى العديد من المطلعين أن حكومة عودة الحياة ورئيسها لن يسلم السلطة إلى حكومة جديدة كما يطلب صاحب قبة الرجمة في إطار اتفاق مع مجلس الدولة سابقا، ولا يرى من جهة أخرى الجنرال حفتر أي إشكالية في تغيير الحكومة، إن استمرت فقد عرف كيف يدير معها البلد كما حدث في صفقة بن قذارة، وإن تغيرت فيعلم أنه سيكون جزءاً من الحكومة القادمة.
في الغرب الليبي كثُر أعداء حكومة عودة الحياة، فبعد إخراج التشكيلات المسلحة المناوئ لها من طرابلس مثل النواصي وقوات هيثم التاجوري وأيوب بوراس الذي استعرض قواته مؤخرا في جمع يبدوا أنه رسالة واضحة لمن أخرجه من مقراته في طرابلس، أضف على ذلك التشكيلات المسلحة في مدينة الزاوية التي قُصفت أكثر من مرة بالطيران المسير، والأمازيغ الذين كانو آخر من انضم إلى الحلف المعادي لحكومة عودة الحياة، ولا يختلف الأمر في مصراتة كثيرا، فمن يرى وجوب إنهاء حكم عائلة الدبيبة أكثر من أي وقت سبق، ولم يبق له إلا من تربطه علاقة وثيقة بالعائلة، أو تمكنت الأخيرة من شرائه بالمال كما يرى البعض .
المبعوث الأممي يبدوا أنه (تم تهكيره) كما يرى البعض، فالمحاولات كلها التي يقوم بها، وكل مقترحاته تصب في سياق إطالة أمد حكم عائلة الدبيبة قدر الإمكان، فيرى العديد من الأطراف اليوم أنه كلما يصل المجلسين (النواب والدولة) إلى صيغة اتفاق معينة، يتدخل بتيلي ليجري حوار الغاية منه فتح مسارات حوار لخلق حالة حوار لا متناهية، دائرة كبيرة تؤدي في نهايتها إلى استمرار الأمر كما هو عليه.
إذا هل سيبقى الأمر كما هو عليه؟
كما بدأنا مقالنا، تاريخنا القريب يقول عكس ذلك، والشخصية الليبية شخصية لا تصبر ولا تتحمل حالة السكون، لهذا لا علاج لهذه الحالة إلا الحرب.
نقول ذلك ونحن جزء من الناس المتضررين الأكبر منها، لكن يبدو أن المؤشرات كلها تقود إليها، والتي تعتمد على عدة سيناريوهات-
-استغلال الجنرال حفتر لحالة الانقلابات العسكرية في أفريقيا والدعم الروسي الكبير لها، حيث يعتبر الجنرال شريك إستراتيجياً للدب الروسي، وهناك حوالي ألف جندي من قوات الفاجنر في ليبيا، وفي ظل حالة الانسداد السياسي، قد يعطي للجنرال فرصة أخرى لمحاولة جديدة لبسط سيطرته على الغرب الليبي، لكن هذه المرة قد تكون بالتعاون مع شركاء له، يرون فيه بديلا يمكن مشاركته الحكم وإسقاط حكومة عودة الحياة.
-تحالف عسكري يربطه العداء لعائلة الدبيبة والمتضرر منها يتمثل في التشكيلات العسكرية في الزاوية وقوات الأمازيغ إضافة لقوات الجويلي، وكل التشكيلات المسلحة التي خرجت من طرابلس، هذا التحالف قادر على الدخول لطرابلس في حال حُيِّدَت قوات 444 التي تعتبر (مجروحة) من رئيس حكومة عودة الحياة بعد موافقته أن يلقى القبض على أمرها، ويتعرض (للكفوف) داخل قاعدة امعيتيقة العسكرية.
-صراع داخلي قد يحدث بين القوات العسكرية داخل العاصمة، خاصة تلك التي أصبحت تشعر أنها لم تعد ضمن المرضي عنهم من قبل حكومة عودة الحياة، بشرط حصولها على بديل لرئاسة الحكومة تكون معه وعلى أعدائه، ودعم من خارج طرابلس يوفر لها عنصر المفاجئة، ويضمن سقوط الحكومة في طريق السكة، لأن هذه الخطوة إن فشلت، فقد تؤدي إلى إنهاء وجود صاحب المبادرة.
قد تكون هناك سيناريوهات أخرى قد تحدث، لكن المتابعين كلهم يرون أن لا علاج لها إلا الحرب، وما لنا إلا أن نبتهل إلى الله أن يحمينا منها، أو أن تحدث معجزة مثلا ويتحرك الناس، دافعي الضريبة أولا وأخيراً.