السياسي

خمس سنوات من 5+5 ، والرصاصة ما زالت جاهزة !

 خمس سنوات من 5+5 ، والرصاصة ما زالت جاهزة !

 خمس سنوات من 5+5 ، والرصاصة ما زالت جاهزة !

 

 

بعد مرور خمس سنوات على توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في 23 أكتوبر 2020، تظهر الحاجة الملحة لإعادة تقييم الوضع الراهن ودراسته دراسة وافية من خلال مراجعة مدى تنفيذ البنود الرئيسية لهذا الاتفاق الذي أنهى واحدة من أحلك الفترات في التاريخ المعاصر لهذا البلد. 

لقد شهدت البلاد تحقيقا جزئيا -ولكنه يبقى هشا- في وقف الأعمال العدائية، حيث تستمر الاشتباكات المتفرقة بين المليشيات والمجموعات المسلحة الرسمية وغير الرسمية في تهديد الاستقرار وإعادة شبح الحرب بين كل فترة وأخرى.

 أما فيما يتعلق بانسحاب المرتزقة والقوات الأجنبية، فقد كان هناك إخفاق كبير، إذ لا يزال وجود تلك القوات يتجلى في البلاد، مع تقارير تشير إلى استمرار تدفق الأسلحة والقوات الأجنبية، وعلى الرغم من أن بعض الإجراءات المتعلقة ببناء الثقة مثل فتح الطرق وتبادل المحتجزين قد شهدت تقدما محدودا أيضا، إلا أن ذلك لم يسفر عن اختراق سياسي حقيقي ينهي حالة الميوعة السياسة والأمنية، في حين يعاني ملف توحيد المؤسسة العسكرية من جمود كامل، على الرغم من وجود بعض المساعي الدولية لإيلاء هذا الملف مزيدا من الاهتمام، حيث لا تزال الانقسامات العميقة وتبعية الوحدات المسلحة لأطراف متعددة تلقي بظلالها على المشهد العسكري العام بين طرفي النزاع، وحتى بين القوات التي تتبع الحكومة في غرب ليبيا، فمعظم الاشتباكات الأخيرة –إن لم تكن كلها- كانت بين قوات تتبع جيش حكومة الدبيبة أو شرطتها. 

وفي السياق الحالي للأحداث؛ تعد اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) من أبرز الأسماء المتكررة، حيث أبدت اللجنة منذ تشكيلها في 2020 تصميما مستمرا على الحوار وأكدت في بيان أصدرته مؤخرا بمناسبة الذكرى الخامسة للاتفاق التزامها ببنوده، ومع ذلك، فإن تحول هذه اللجنة من هيئة مؤقتة لمراقبة تنفيذ الاتفاق في إطار لا يزيد عن أشهر، إلى كيان دائم لا زال يرافقنا باجتماعاته وبياناته حتى بعد خمس سنوات على الاتفاق، يعكس استمرار الأزمة وعدم وجود حلول جدية وجذرية لها، بحيث أصبح الحوار الفني بين أعضاء اللجنة العسكريين بديلا عن الحلول السياسية الفعالة، ونحن نعتقد أن الفجوة الواسعة بين الحوار والتنفيذ السياسي تمثل العائق الأكبر، إذ تفتقر اللجنة إلى القدرة الفعلية لإجبار الأطراف الإقليمية والدولية على سحب قواتها أو وقف الدعم العسكري، كما أن تبعية أعضائها لأحد فرق الصراع وضعفها أمام هذا الفريق أو ذاك؛ يضعف من مصداقيتها ويبعد فكرة الاعتماد على قدرتها على التصرف بحيادية وموضوعية. 

ومع استمرار هذه الحالة؛ تتزايد التساؤلات حول مستقبل ليبيا في ظل الوضع القائم، بين شفا الحرب ومسار السياسة، وتشير التقارير الأممية إلى هشاشة الهدنة، حيث يساهم وجود القوات الأجنبية وتراكم الأسلحة في خلق بيئة قابلة للاشتعال في أي لحظة، كما أن فشل المسار السياسي وتكرار تأجيل الانتخابات يغذي الإحباط، مما قد يدفع بعض الأطراف إلى البحث عن خيارات عسكرية مجددا، ومع ذلك، يبدو أن التعب العام من الحرب يشكل عاملا مهما لصالح استمرار وقف إطلاق النار، حيث لا يمتلك أي من الأطراف الطاقة أو الدعم للعودة إلى حرب شاملة، ويدرك المجتمع الدولي، على الرغم من انقساماته، مخاطر انهيار الوضع الحالي، رغم هشاشته. 

أما فيما يتعلق بالسؤال الجوهري حول الحل السياسي، فإن المؤشرات تشير بوضوح إلى أن الحل العسكري غير ممكن، وأن من هجم في 2019 لن يكرر فعلته، حاليا على الأقل، ومن دافع في 2019 غير قادر على لملمة بيته الداخلي فضلا عن الهجوم على خصمه، وأن السبيل الوحيد لا بد أن يكون سياسيا، وقد أثبتت الأحداث السابقة أن أي تقدم عسكري لأي طرف هو مؤقت وقابل للانقلاب والتحول، ومع ذلك فإن استمرار عنتريات بعض الدول المنغمسة في الشأن الليبي قد يهدد بانفجار الوضع خاصة مع تحول البلاد –في ظل ضعف حكامها واعتمادهم على حماية وكلائهم- إلى بؤرة للصراع بالوكالة بين عدة دول، وعلى المجتمع الدولي تحمل مسؤوليته في عدم الانقسام والجدية في حل الأزمة، إذ تستمر بعض الدول في خرق حظر الأسلحة، مما يطيل أمد المشكلة. 

خطوة أخرى لم نر فيها خلال السنوات الماضية إلا المزايدات، هي ملف المصالحة الوطنية، ففي شرق ليبيا توجد لجنة يقودها الصديق خليفة حفتر، وفي غرب ليبيا يقود ملف المصالحة عضو المجلس الرئاسي عبد الله اللافي، وفي الجنوب يغردون خارج السرب بشخصيات لا ترى في مستقبل البلاد إلا سيف القذافي، واقع مر يجعل لجان المصالحة تحتاج إلى مصالحة فيما بينها، ورغم كل ذلك؛ تكتسب المصالحة الوطنية أهمية قصوى كركيزة أساسية لأية تسوية سياسية، في ظل الحاجة لبناء الثقة وتحديد آليات محاسبة المنتهكين وإنهاء ثقافة الإفلات من العقاب التي تغذي دوامات العنف. 

 

ختاما، ورغم أن اتفاق وقف إطلاق النار يمثل إنجازا مهما، فإنه قد يتحول إلى باب للارتزاق بالنسبة لبعض الأطراف، حيث أن الخطر الأكبر لم يعد في حدوث حرب شاملة، بل في الجمود وتفشي حالة "لا حرب ولا سلم"، حيث تظل الميوعة العسكرية قائمة، وتتحول المؤسسات المؤقتة إلى هياكل دائمة، ويستمر اللصوص في استنزاف البلاد ومقدراتها، مما يبدد الفرص لبناء دولة مستقرة وآمنة في ليبيا.