وسط التحالفات المؤقتة، طرابلس تنهار من الداخل!
في قلب إفريقيا، وُلد في عام 1987 جيشٌ يزعم الطُهر، ويرفع راية الرب، لكنه لا يعرف من السماء سوى اسمها. جيش الرب في أوغندا لم يكن سوى جماعة مسلّحة اغتالت الطفولة، واختطفت الأرواح، ومضت تعِظ بالوصايا العشر، بينما تلوّث يداها بدم الأبرياء. بين النبوءات المزعومة والبنادق، تجسّد الجنون حين يلبس ثوب القداسة، ويتحوّل القاتل إلى واعظ، والخطف إلى “خلاص”.
منذ فجر البشرية، والحرب إحدى أدوات السياسة، تبرز عندما تتعارض مصالح بني البشر، ولا يجدون حالة تفاهم تضمن مصالحهم. حينها، يلجؤون إلى العنف لفرض واقع جديد، يمكن أن يضمن لهم تلك المصالح التي لم يتحصلوا عليها بالنقاش، أعي جيّدًا أن هذا الكلام بديهي، لكنه مهم جدًّا هنا، تذكيرًا لأولئك المواطنين الليبيين القابعين في بيوتهم في انتظار ما سيحدث في حياتهم، علّهم يتخلصون من حالة الأمل الزائف في أن من يتقاتل اليوم هدفه الاستقرار أو الوطن.
لهذا، دعونا نسأل: ما جدوى هذه الحرب اليوم؟ وماذا ستُنتج عمليًّا؟
كل طرف اليوم له حسبته الخاصة، ولا توجد تحالفات حقيقية، إنما هو تقاطع مصالح يتغير بشكل أسبوعي، وأحيانًا يومي. يتضح ذلك بجلاء من خلال حكومة “عودة الحياة”، حين تمكن عبد الحميد الدبيبة من إقناع بعض التشكيلات المسلحة في مصراتة بأن خروج حكومته من السلطة سينهي معه التواجد الحقيقي لنفوذ المدينة داخل منطقة صنع القرار التنفيذي في العاصمة طرابلس، وأن الزوبي وحده (هو آمر لقوة عسكرية تسمى باللواء 111)، دون غطاء وزارة الدفاع الذي يرتديه الأن، لن يضمن مصالح المدينة وتواجدها في الفترة القادمة. بالتالي، فإن التحرك باتجاه العاصمة وإنهاء التشكيلات المسلحة الموجودة فيها، وتحديدًا جهاز دعم الاستقرار وجهاز الردع، يضمن السيطرة على منطقة صنع القرار في طرابلس.
الزنتان، وبعد زيارة وزير داخلية حكومة “عودة الحياة” إلى مدينة مصراتة على رأس وفد من أعيان المدينة، قُدّمت فكرة تحالف حقيقي بين المدينتين لإدارة تركة من سيسقط من التشكيلات المسلحة الموجودة في طرابلس، حدث هذا اللقاء قبل بدء العملية العسكرية التي قادها لواء 444 ولواء 111 على قوات غنيوة الككلي بعد قتله، ثم محاولة إنهاء قوة الردع، حيث تدرك الزنتان جيّدًا، ممثلة في الطرابلسي وأخيه، أن هذا التحالف مع التشكيلات المسلحة من مدينة مصراتة يضمن لها التواجد في طرابلس. هم ليسوا طموحين للتوسع، بل يريدون فقط الاستمرار في التواجد داخل طرابلس ليضمنوا بذلك مكانًا في أي صفقة سياسية قادمة لتشكيل السلطة التنفيذية في العاصمة. وهم، في الوقت نفسه، على وعي كامل بأن استمرار وجود الردع وجهاز دعم الاستقرار بعد انتهاء حكومة الدبيبة سيخرجهم من منطقة حي الأندلس والسياحية والسراج التي يسيطرون عليها الآن ، حيث لا توجد حاضنة شعبية لهم هناك، وأي عملية عسكرية منظمة ضدهم سترجعهم من جديد إلى (الحمادة الحمراء).
كما يرى العديد من المتابعين أن تحرّك لواء 444 ولواء 111 في هذه العملية للتخلص من الردع ودعم الاستقرار هو في إطار الترتيبات الأمريكية التي طُلبت منهما لتخفيف حالة الازدحام الأمني داخل العاصمة. فقد قدّما نفسيهما كقوتين عسكريتين شبه نظاميتين يمكن التعويل عليهما لترتيب الوضع الأمني في طرابلس.
من جهة أخرى، كانا يتمركزان في ضواحي طرابلس قبل هذه العملية العسكرية، ومن خلالها تمكنا الآن من الدخول إلى وسط العاصمة، مما وسّع حجم تأثيرهما على صُنّاع القرار التنفيذي، وامتدّت تبعًا لذلك المساحة الجغرافية الخاضعة لسيطرتهما.
قوة الردع الخاصة اليوم تخوض حرب وجود بكل معنى الكلمة، فبعد أن امتصت الصدمة الأولى بنجاح، إثر محاولة قوات 444 و111 التقدّم نحو مقراتها للقضاء عليها، تمكّنت خلال فترة الهدنة من ترتيب صفوفها من جديد، وإعادة تموضعها في كل الأماكن التي انسحبت منها سابقًا وسط العاصمة، وفرضت واقعًا جديدًا، مفاده أن من يريد إخراجها من وسط العاصمة، عليه أن يخوض حربًا طاحنة بين أحياء طرابلس ، وهذا – على ما يبدو – أن هناك “فيتو دولي” عليه. كما أنها نقلت الحرب من منطقة سوق الجمعة إلى خارجها، بالتالي، في حال طُلب منها الانسحاب بالقوة، فإن الحرب ستدور خارج معاقلها، وستكون في فسحة من أمرها لإدارتها بهدوء أكبر.
أما معارضوها الذين انسحبوا من كل مناطق وسط طرابلس، فسيحتاجون إلى كثير من الدماء والرصاص وهدم البيوت لإخراجها من قلب العاصمة.
يرى العديد من المتابعين أن قوات مصراتة المكلّفة بفض النزاع ليست سوى غطاء لحماية العملية العسكرية التي تقودها التشكيلات المسلحة المصراتية من الخلف، بينما قوات 444 و111 في الواجهة. فهي لا تملك القدرة على إيقاف الاعتداء لا من جانب القوات المتحالفة مع الحكومة، ولا من جهة قوة الردع. ويبدو أن طرابلس لن تتسع لهؤلاء جميعًا، وأن الحرب الحاسمة قادمة لا محالة، حتى وإن تأخرت.
في خضم كل هذا السياق، تقول عين المنطق المجردة من العاطفة: إن فكرة المليشيات لا تتجزأ. فحينما يُنعت جهاز دعم الاستقرار وجهاز الردع بأنهما مليشيات، فإن هذا بالضرورة يسري على لواء 444 ولواء 111، وقوات الجحاوي، والقوة المشتركة، وقوات الحصان، وباقي التشكيلات التي تتقاسم نفس سياق التأسيس والأنشطة. لا فرق بينها إلا في أسماء من يترأسها فقط، فغياب أي تشكيل منها لن يخلق استقرارًا، بل سيحل محله التشكيل المنتصر، ليعيد نفس السردية من جديد، بنفس التفاصيل، بنفس القذائف العمياء!
إن جيش الرب الذي بدأنا به هذا المقال، حافظ على اسمه إلى اليوم، وكل العالم كان يناديه بهذا الاسم. واستخدام اسمه لا يعني أن العالم يعترف بأنه “جيش الرب” كما تروّج سرديته، لكن من يطلق على نفسه اسمًا، يُلصق به، بكل ما يحمله من إيجابيات أو سلبيات.
لذلك، لا تغرّنّك أسماؤهم اليوم، ولا صفاتهم. في الحقيقة، هم لا يختلفون كثيرًا عن جيش الرب! لهذا عزيزي المواطن توشح بالصبر هذه الأيام، وحاول ان لا تعيد أخطائك من جديد.