السياسي

هل نحن أمام سيناريو جينيف ( 2 ) ؟

هل نحن أمام سيناريو جينيف ( 2 ) ؟

هل نحن أمام سيناريو جينيف ( 2 ) ؟

 

في مارس 2020؛ أعلن غسان سلامة، رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا سابقا عن استقالته من مهامه بسبب مشاكل صحية، حسبما ذكر، لتتولى خلافته نائبته الأمريكية آنذاك، ستيفاني ويليامز، التي قادت عملية سلام بين أطراف النزاع آنذاك انتهت باتفاقية لتقاسم السلطة في جينيف في أواخر عام 2020.

هل يتكرر المشهد من جديد مع أمريكية أخرى، بل وستيفاني أخرى هي الأمريكية من أصل لبناني ستيفاني خوري التي ستتولى قيادة البعثة الأممية بعد استقالة المبعوث السابق السنغالي عبد الله باتيلي.

استقالة رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، عبد الله باتيلي، لم تكن متوقعة لكونه قد بدأ للتو العمل على تنفيذ مبادرته القائمة على فكرة طاولة خماسية تجمع من يصفهم باللاعبين الأساسيين في المشهد السياسي الليبي، ورغم أنها لم تكن متوقعة؛ إلا أنها أيضا لم تكن مفاجئة؛ فالرجل لم ينجح منذ توليه مهام منصبه في سبتمبر 2022 في تحقيق أي تقدم باتجاه الهدف الرئيسي لمهمته ألا وهو الانتخابات.

كما أن استقالة باتيلي لا تعتبر تطورا مهما على الساحة المحلية، لأسباب عدة، أهمها عدم قدرته على إحراز أي تقدم في الأزمة كما ذكرنا، إضافة إلى تراجع دور بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بشكل عام في جميع الملفات تقريبا، إلا أن الاستقالة تعتبر حدثا مهما على الساحة الدولية، حيث أنه يوحي برغبة الولايات المتحدة الأمريكية في استعادة دورها القيادي في الأزمة الليبية، خاصة بعد التراجع الكبير الذي يشهده الدور الأمريكي في ليبيا وفي أفريقيا بشكل عام، حيث نشهد بوادر تأخر كبير لأمريكا في أفريقيا على حساب تقدم روسي لافت في عدة دول من بينها ليبيا طبعا ، ويتزامن تولي الدبلوماسية الأمريكية ستيفاني خوري لقيادة البعثة الأممية في ليبيا خلفا لباتيلي، مع جهود حثيثة يقودها ساسة ودبلوماسيون أمريكيون لعودة عمل سفارة بلادهم من داخل ليبيا، بعد مغادرتها البلاد منذ نحو عشر سنوات، ومع تحقق هذه العودة ستتلقى خوري دعما دبلوماسيا قويا لتنفيذ خطتها، بعد أن تتولى رسميًا المسؤولية وتمارس مهامها في شهر يونيو.

ولكن ما هي خطة خوري في ليبيا؟ أو بالأحرى؛ ما هي خطة الولايات المتحدة في ليبيا؟ وهل ستتضمن مؤتمرا جديدا على غرار مؤتمر جينيف يتقاسم فيه الفرقاء الجدد مقاعد السلطة؟ أم أن خطتها فقط إبعاد الخطر الروسي الداهم عن قواعدها الأساسية في جنوب أوروبا بعد أن بدأت بالفعل في فقدان نفوذها في أفريقيا؟

الإعلان عن قرب عودة السفارة الأمريكية للعمل من طرابلس، وموافقة الكونجرس الأمريكي على تخصيص ميزانية مالية لتحقيق هذه العودة، ثم تعيين الدبلوماسية الأمريكية ستيفاني خوري في منصب نائب رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، ثم استقالة باتيلي (المفاجئة والمتوقعة) لتتولى بعدها خوري رئاسة البعثة، هي دلائل قوية على رغبة أمريكية ملحة في استعادة النفوذ في الأزمة الليبية والعودة إلى الكرسي الأمامي الذي فقدته بعض الشيء بتعيين باتيلي لقيادة البعثة في ليبيا خلفا لستيفاني ويليامز.

والحقيقة أن الملف الليبي لم يكن يوما ذا أهمية بالغة للولايات المتحدة الأمريكية في ذاتها، بقدر أهميته لحلفائها الأوروبيين، إلا أن التزايد الواسع للنفوذ الروسي في أفريقيا عامة وليبيا خاصة، والإعلان عن نية موسكو في تشكيل قوة عسكرية سمتها الفيلق الأفريقي لتحل محل مجموعة فاجنر سيئة السمعة التي كانت تمثل الذراع العسكري لروسيا في منطقة الساحل والصحراء والتي نفذت عدة انقلابات ناجحة في عدة دول أفريقيا كانت نتيجتها المباشرة تقلص نفوذ أمريكا وحلفائها الأوروبيين على رأسهم فرنسا، كل هذه التحولات أعادت الملف الليبي إلى الواجهة بالنسبة للولايات المتحدة، لتقرر إعادة سفارتها بعد عشر سنوات من الغياب، وتعيين أمريكية لقيادة جهود البعثة الأممية للوصول إلى انتخابات برلمانية ورئاسية في البلاد.

لم تعلن تسيفاني خوري عن خطتها فهي لم تستلم مهامها بشكل رسمي بعد، ولكن المؤكد أن خطة خوري لن تبتعد كثيرا عن مبادرة الطاولة الخماسية التي سوق لها باتيلي، الفرق بينهما أن طاولة خوري قد تكون أثبت لأنها ستتمتع بثقل الدعم الأمريكي المطلق لها، ولكن هل تنجح في قيادة جهود توصل البلاد إلى الانتخابات أما أنها ستكون عرابة لصفقة جديدة لتقاسم السلطة بين الموجودين؟ هل ستكون طاولة ستيفاني خوري عبارة عن جينيف 2 فتتشكل حكومة لا رأي للشعب الليبي فيها إنما يتقاسم مناصبها فرقاء السلطة الحاليين؟ أم تنجح حيث فشل برناردينو ليون في الصخيرات وستيفاني ويليامز في جينيف؛ فتقود لطاولة أشبه بطاولة لجنة فبراير الليبية الخالصة التي وإن فشلت في نتائج مرضية على المدى البعيد؛ إلا أنها نجحت في إقامة انتخابات تمتعت بالحد الأدنى من المصداقية؟

فرقاء السلطة في ليبيا لا يريدون الانتخابات لأنهم يعلمون أنها ستقصيهم، كما أن الوضع الراهن هو أصلح لهم ولأبنائهم وعائلاتهم، وبالتالي فلن يهتموا بما يريد الليبيون، والمجتمع الدولي منقسم على القضية الليبية وكل يسعى لمصالحه، والولايات المتحدة لم تكن لتهم أبدا بالقضية الليبية لولا زحف الدب الروسي باتجاهها، ولكن الاهتمام الأمريكي بالقضية الليبية وتعيين مواطنة أمريكية لقيادة البعثة الأممية وإن كان لمواجهة نفوذ روسي مؤكد وتشكيل محتمل لقوة عسكرية روسية قد تؤرق أمريكا وحلفاءها؛ إلا أنه سيخلق بلا شك زخما سياسيا دوليا وإقليميا قد تستفيد منه القضية الليبية، حيث من شأن مبادرة ستيفاني خوري أن تخلط الأوراق المحلية، وربما تسقط بعض الوجوه القديمة وتأتي بأخرى جديدة تعيد لفكرة الانتخابات الزخم المفقود.

بالرغم من التفاؤل الذي يتبناه طيف من الليبيين بإمكانية الخروج بمعادلة سياسية أفضل من الموجودة حاليا في حال الدخول في مفاوضات شاملة بدون شروط مسبقة، وبالرغم من الأمل الذي يحذو هؤلاء وغيرهم في أن يفضي ذلك إلى انتخابات عامة تسقط كل الأصنام الموجودة حاليا؛ إلا أن الأمر مزعج جدا إذا علمنا أننا أصبحنا نمثل دور الكومبارس في قضيتنا! روسيا تريد السيطرة على أفريقيا للحد من نفوذ أمريكا، وأمريكا تريد العودة للملف الليبي للحد من نفوذ روسيا، وبين النفوذين قد يتقابل حلفاء المعسكرين فيخرجوا بصفقة تعيد الأمل لإحياء دولتنا، أو على الأقل تؤجل سقوطها المحتم.