ماذا تعرف عن حجر الصوان؟ (السياسي الشفاف)
المتتبع العادي لحالة العمل السياسي الليبي يلاحظ أن حالة التنظيم السياسي على أساس الأديولوجيا، لم يكن له جذور كبيرة باستثناء الإخوان المسلمين والتيارات المنعوتة بالإسلاميين حيث خلقت لنفسها أرضية صلبة جزئيا، أو لنقول إننا كنا نحسبها صلبة، وقد تعرضت مثل باقي التيارات والأيدولوجيات الأخرى إلى حالة التجريف الذي قادها المعلم الأول خلال الخمسين سنة الماضية.
لم تكن لحظة فبراير إلا فرصة لكل هذه التيارات لتعيد طرح نفسها مجددا، وإنه لعمري لا تكن هناك تعددية حزبية وتنوع سياسي إلا بوجود الجميع، لهذا كان الإخوان المسلمين سباقين تنظيميا، وذلك يُعاز للقواعد التنظيم الأولي، وحالة النضال التي خلقها لهم النظام المستبد الذي حكم ليبيا لأكثر من نصف قرن، وهذه الحالة خلقت تعاطفاً كبيراً مع هذا التيار خلال السنوات الأولى بعد لحظة فبراير.
كنا نسمع باستمرار أن الإسلام السياسي وحزبهم العدالة والبناء متماسك جدا، كونه قد تأسس على قاعدة كبيرة من الإخوان المسلمين العارفين لما يريدون، وكيف يصلون إلى ما يريدون، كما كان كلما يتحدث أحد عن الانضباط المؤسسي الحزبي، كان يذكر العدالة والبناء كنموذج، وكانت كل الأحزاب الأخرى تُقذف بنيران الشخصنة، حيث لا يوجد في هذه الأحزاب سوى شخصيات تلتف حولهم كل الأفكار والمشاريع الخاصة بالحزب، وهي المصدر الوحيد للمواقف السياسية، والبيانات، والتشكيلات الوزارية، والكل كان متوقعاً أن بغياب هؤلاء الشخوص من هذه الأحزاب، سيختفي معها الحزب برمته، وسيصبح أطلال، وسيبقى حزب العدالة والبناء متماسكا مهما خرج منه أشخاص، وعلى أي مستوى كانوا
حتى قرر رئيس الحزب محمد صوان بعد خسارة منصبه كرئيس الحزب أمام عماد البناني الانفصال على العدالة والبناء، وأخرج معه كل الأموال والأشخاص والقنوات الإعلامية، ليشكل حزبا جديداً تحت عنوان (الحزب الديمقراطي)، حزب ذات طابع إسلامي وسطي مع (شوية مكسرات )
يبدو أن صوان كان له رؤيا جديدة في شكل التيار الإسلام السياسي وتعاطيه مع المتغيرات في ليبيا، حيث يتضح ذلك في تفاعلاته وتحالفاته مع بعض الشخصيات، وابتعاده هو وحزبه الجديد عن بعد التيارات الأخرى، نجد ذلك جليا مثلاً في ابتعاده عن خطاب التيار الإسلامي المحسوب على المفتي، ومحاولة تراجع حدة تصريحاته عن مشروع الكرامة، وبدأ في فتح خطوط اتصال مع قبة الرجمة كان ذروة هذا الاتصال عندما تم تعيين فتحي باشاغا رئيسا لحكومة موازية لحكومة عودة الحياة في طرابلس، وقد دعم صوان وحزبه باشاغا بشكل لامحدود، وسخر كل الإمكانيات له، لإنجاح الصفقة التي كانت معدة بشكل أو بآخر كما يرى البعض لحكم ليبيا بتحالف عسكري ثوري إسلامي، يتماهى مع متطلبات المرحلة، وتشكيل مثلث حكم يضم حفتر وباشاغا وصوان.
لم يكتب لحكومة باشاغا الاستمرار، ورجع من رحلته إلى الشرق مُقالا، وأدخل إلى السرداب ليعالج جروحه، ويحاول أن يزيل من عليه رائحة الفشل، ليعيد تقديم نفسه مجددا لمناصريه ومناصري الثورة؟!
لم يقف تواصل صوان وحزبه مع قبة الرجمة هنا، فقد أفاقت ليبيا على خبر مفاده إن هناك وفداً من الشخصيات المرتبطة بالحزب الديمقراطي ولها منصب رسمي في المجلس الأعلى للدولة، بزيارة بنغازي ولقاء أبناء الجنرال (حكام الشرق المستقبليين) محاولين التباحث من أجل لم الشمل،
حيث سأل بعض المغرضين والمشككين في النوايا وأصحاب القلوب المريضة مثلي (مالذي جمع الشامي على المغربي؟) وكيف استطاع هؤلاء الناس أن يذهبوا ويجلسوا مع من كانو يسبحون ليلا نهارا بشتمه ومعاداته هو ومشروعه؟ وكيف استطاع الجنرال حفتر وأبناؤه إقناع الجموع الغفيرة التي تؤيدهم بقبول استقبال إرهابيين في بنغازي (كما كانوا يصفونهم)؟
كل هذه الأسئلة المشروعة في نظرنا، ستقابل بوابل من الاتهامات أولها (كون من طرحها يريد الفتنة والتفرقة) وصولا إلى التخوين، المهم أن لا تكون هناك إجابة.
قد يرى البعض أن هذه هي أحكام السياسة، وأن لكل مرحلة وضعية معينة، وتحالفات معينة، إلا أن ما نتحدث عليه الآن لا يمكن تصوره، إلا في إطار قبولك بامتزاج الماء بالزيت، حيث كل تاريخ الإخوان المسلمين مرتبط بعداء بُنيوي مع العسكر في منطقتنا، ولا أعتقد أن صوان يملك وصفة جديدة لذلك، إلا إذا كان قد استطاع أن يقنع الجنرال وأبناءه بجدوى مشروع النهضة! أو استطاع الجنرال أن يقنع صوان أن العسكر ومشروع الرجمة لا يسعى إلى الحكم؟!
وحتى نعرف ذلك، تحصن بالصبر، وحاول أن لا تحكم على الأشياء من ظاهرها، وكن مثل حجر الصوان، غير شفاف، وصلب، ويُشعل في النار لغرض الدفيء والحرق في آن واحد.