حتى انتِ يا إيران؟
مثلنا مثل باقي المُرضى بالسياسة وبما يحدث في هذا العالم المجنون، تابعنا باهتمام تداعيات سقوط طائرة الرئيس الإيراني، كون أن إيران جزءاً من صراع كبير يشهده العالم والشرق الأوسط بشكل أدق، حيث سمعت في إحدى القنوات العربية لقاء مع شخصية أكاديمية إيرانية، اُسْتُضِيف قبل ساعة فقط من إعلان إيران موت رئيسها في تحطم الطائرة، وسأل المذيع الضيف عن مالذي قد يحدث في حالة كان الرئيس الإيراني قد مات، فرد الأكاديمي بكل ثقة وهدوء (يا سيدي نحن دولة دستورية، تحكمها هيئات مستقرة، والقرار فيها لايُتخد بشكل أحادي، لا من الرئيس، ولا من آية الله، لأن حتى الأخير لديه مجلس، وهذا المجلس يُنتخب، وخامنئي نفسه ينتخب من المجلس، لهذا لن تحدث أي فوضى في البلد، فالكل يعرف دوره وصلاحياته محددة وفقا لدوره).
بعد انتفاضة فبراير وما تابعتها من حالة فوضى لشعب لم يكن لديه (سطران متفق عليهما) كانت هناك أصوات خافتة أصبحت تتعالى كلما ساءت الأوضاع، تقول لقد أضعتم علينا دولة؟!
ما نعرفه أن الدولة في مفهومها الحديث لا تقوم على شخص أو اثنين أو قبيلة، الدولة تقف على أجهزة قارة ، ومستقرة، حيث عمر الأفراد مهما طال قصيراً، ولأن الدولة مرتبطة بحياة شعب، فيجب أن تقوم على شيء يتصف بالديمومة النسبية، هذه الديمومة يجب أن تقوم على حساب مفهوم الرضى من الشعب، حيث يتجسد مفهوم الرضى في مسألة اختيار الشعب بشكل حقيقي لا واهم لمن يمثل هذه السلطات أو المؤسسات، بحث يكون هؤلاء الأشخاص هم أصحاب أدوار فقط، حين ينتهون جسدية، ينتقل الدور لمن بعدهم بالآلية نفسها ، كل هذا الكلام يمثل مفهوم (النظام).
غياب هذه الحالة هو بمثابة عودة الناس إلى الحالة الإنسانية الأولى للبشر، والتي كانوا فيها يعتمدون على القوة لحكم بعضهم، حيث يتقاتل أصحاب القوة لكي ينتصر شخص في النهاية ليحكم، وبعد موته تحدث فوضى، والفوضى تخلق صراع قوى، والأقوى هو الذي يحكم، بالتالي لم تدم حالة استقرار من شأنها أن تُنشئ حالة يستطيع الناس أن يؤسسوا من خلالها ملامح دولة بمفهومها الحديث.
هذا تشخيص بسيط جدا لما نعتقد أننا كنا فيه، بمعنى أنه يا رعاك الله لم نقف كشعب على أي أسس طيلة الخمس مئة سنة الماضية، فمن احتلال تركي رأينا فيه المثل الشعبي الليبي يتجسد بحذافيره (حوت يأكل حوت وقليل الجهد يموت)، إلى احتلال إيطالي على مرحلتين، إلى حالة استقلال مشوبة بهيمنة كاملة للدول العظمى ، إلى زعيم ورئيس (إلا عشر دقائق) يحدد لك هو وأنصاره كيف تعيش في النهار، ويخرج عليك ابنه في الليل يقول لك بكل ثقة (إنا باتي خداها ببندقته، ويلي عنده جهد يجي ياخدها) إلى لحظة يأس فيها جزء كبير من هذا الشعب في إمكانية أن يعيش في دولة، فقرر أن يحاول أن يغير، ليكتشف أنه كان يعيش في (نجع) مرتبط فيه كل من يقطن هذا النجع بشيخ النجع، واختفاء الشيخ بأي طريقة كانت / موت / أو ثورة / أو مؤامرة، كفيلة أن تنهي معه كل ما هو قد يمثل شكل الدولة في الصورة الكبيرة التي كنت تعتقد أنها موجودة.
لم تكن غايتنا في هذا الجهد أن نمدح النظام الإيراني، حيث نعلم ونسمع أن هناك جزءاً كبير جدا من الشعب الإيراني يرفض ممارساته، بل نتحدث تحديداً عن شكل الدولة التي ذكرها السيد الأكاديمي الذي بدأنا به المقال، وتستطيع أن ترجع (لقوقل) لتعرف كيف يتشكل النظام الحاكم في إيران.
وتقارنه بما كان لدينا، وتسأل نفسك سؤال واحد منطقي ( هل طبيعي أن يموت رئيس أو زعيم أو قائد ثورة لدولة، فتنهار الدولة من بعده؟)
كل الإجابات المنطقية التي قد تجدها لهذا السؤال ستقول لك (أنها لو كانت دولة لما انهارت ) فكل يوم يفقد العالم رؤساء، ولا تسقط الدول بموتهم، فما هي شكل الدولة إذن التي يحكون عليها أصحاب الفكر الجماهيري الأبدي المنقد للبشر، والذي أكمل المطاف لنهايته؟ والتي ضاعت بعد فبراير؟
إنه ما يخيف اليوم حقيقة هو محاولتنا للعودة إلى المربع الأول، والتمسك بشخص مُنقذ بموته يضيع مستقبلنا ومستقبل أبنائنا، وإنه والله التمسك بالدستور وبمؤسسات تُنشئ وفقا لهذا الدستور بمهام واضحة، وآلية يمكن من خلالها تغيير من يقود هذه المؤسسات على نحو سلمي هو ما يستحق أن نعيش ونموت من أجله إن أردنا أن تكون لنا دولة في المستقبل.
لهذا كلما تسمع أحدهم يقول لك أن ليبيا كانت دولة، أو ان هناك شخص يملك أن يجعل ليبيا دولة بمفرده ، قل له هل سمعت بموت الرئيس الإيراني ؟