هل يمكن مُعالجة جِين (القوادة) في الشخصية الليبية؟
يقول لنا التاريخ أن البشر وحدوا الملك الذي يسوسهم، قبل توحيدهم للإله، وهذا حدث قبل الميلاد، لكن في الوقت نفسه يبدو أنه حتى بعد توحيد الإله، استمر في جينات بعض بني البشر عبادة الملوك ومن يسوسهم، مع إدخال بعض التعديلات في طريقة العبادة، فقد حدثت طفرة جينية لجين عبادة البشر لأنفسهم على مستوى الطرق، وإضافات ذكية جدا عن الطرق التي كانت تستعمل من البشر القدماء.
رغم وصول الإنسان إلى مرحلة من مسيرته على هذا الكوكب يقدر فيها نفسه ويكرمها، حيث استمد هذا التكريم من الأديان والفلسفة، والتطور الطبيعي، الذي أصبح يسمو بالنفس البشرية من الدونية، ويُحيطها بدائرة من الأخلاق والقيم التي تسموا به عن باقي الكائنات الأخرى الموجودة على الكوكب، كون أن الإنسان يملك عقلاً تميز به، واستطاع من خلاله أن يحكم الكوكب، حتى وصل الإنسان إلى مجموعة من المعايير التي يجب أن تتوفر فيه كي يُطلق على نفسه لقب إنسان، من دون هذه المعايير هو مجرد كائن حي، قد يكون في آخر التسلسل الجيني للكائنات الحية على كوكب الأرض.
مثل أقراني من هذا الجيل العظيم فتحنا أعيننا على أغاني تُمجد في شخص لم نعلم في البداية أنه إنسان مثلنا من كم الأغاني والأناشيد التي تمجده وتسبح بحمده ليلا نهاراً، حيث ذكره بالخير نجاة وفوز، وكرامة ورِفعة، وحبه هو تعبير واضح عن حب الوطن، والوطن هو وهو الوطن، فكل من أحبه وطني، وكل من كرهه خائن، كما أن هذا الشخص يولد معك حبه وتمجيده، ويشاركك أبوك، وجدك، حيث هو الأب وكبير العائلة، وبعد فترة ليست بالكبيرة تعرف أنه يحمل ملامح وصفات إنسان، وهذه الملامح والصفات تنشئ في البداية داخلك سؤال مفاده (ألآ يبدو هذا الكائن إنساناً مثلي؟) وبعد مدة بسيطة تُقرر أن تُخرج هذا السؤال للعلن، وبمجرد أن تطرح سؤالك على أي إنسان مثلك، يأتيك (كِف) يقول لك صاحبه، أصمت لعنك الله، إنه ليس إنساناً مثلنا، إنه شيء لا يمكن وصفه؟؟!
شيئا فشيئا يُعلمونك أن النجاة في قربه، والرفعة تحت أقدامه، والأناقة في لباسه، والغنى في بطانته، والتفوق بعلمه، والتقدم في مسلكه، والخزي والعار في مخالفته، والخيانة للوطن هو القول إنه إنسان مثلنا، وكل شيء ملكه، وهو قطعاً يتحكم في حاضرك ومستقبلك، بالتالي أنت هو وهو أنت، لكنه لا يشبهك!!
تحاول أن تُقاوم كل هذا الواقع، مازالت هناك أسئلة تنغص عليك حياتك، إنه إنسان مثلي؟، كيف أخضع لإنسان مثلي؟ أولم يقولون لي في المدرسة والبيت أن العبودية لله وحده لا شريك له، وأن كل هذه الصفات هي له وحده، ولا يجوز أن يتمثل بها غيره؟، لا تجد إجابات لكل هذه الأسئلة غير المشروعة بالنسبة لمن تعيش معهم، وتحاول فطرتك السليمة أن تُحركك لاحترام نفسك، وتقول لك أنك مُكرم من عند خالقك، ومن حقك السؤال، والاعتراض، والتفكير، والكلام، تحاول أن تغير صيغة السؤال لعلك تحصل على إجابة، هل هذا الإنسان الذي لا يشبهني إنسان؟؟ يقولون لك إن شكله الخارجي إنسان، لكنه ليس إنساناً عادياً، هو إنسان غير عادي، فتقول بسذاجتك الممزوجة بفطرتك السليمة، كيف يكون الإنسان إنساناً غير عادي مثله؟ بعد طرحك لهذا السؤال ستجد اللجان الثورية والأمن الداخلي، والقوات الجوية والبحرية والبرية تُحاصر بيتك، وتقول هناك من يحاول أن يُفكر في هذا البيت، وبهذا السلوك قد خان الوطن، ويجب علينا أن نعزله عن باقي القطيع، حتى لا ينشر عدواه، فالخيانة مُعدية!!!!
تدخل بعدها لمكان سُمي بالسجن، وهو في الحقيقة المكان الوحيد الذي يُعبر عن الحرية، ستجد من يُشبهك في الداخل، حيث العديد منهم قد اتهم بكونه قد فكر وسأل، وستعرف في ذلك المكان أنك إنسان مثلك مثل الذي قيل لك أنه ليس إنساناً عادياً، ستعرف حينها أن التفكير والسؤال هو ما يجعلك إنساناً، وأنه ليس هناك من له الحق الأبدي في حكمك بالقوة، وأن الإله في السماء، وليس على الأرض، وأن القدسية له فقط، وأنه ليس هناك من يمشي على هذا الكوكب من بني البشر مُنزه، وأن الكل يُخطئ، وأن كرامتك محمية كونك إنساناً فقط، وإن الكرامة أهم من الأكل والشرب، لأنها التي تميزك عن باقي الكائنات، وأن الوطن هو ملكك أنت وأقرانك، وأن الرئيس هو موظف مخول من الشعب فقط ليدير شأنكم، وأنه ليس من المفترض عبادته، بل متابعته ومحاسبته عن أدائه، ستعرف أنك مصدر للسلطة، وأن السلطة ليست من الأشياء التي تورث مع الإنسان، بل تُكتسب بحكم نظام، والنظام تحدده أنت وأقرانك، ولا يفرض عليك من أي إنسان مثلك، ستعرف العديد من المعايير التي ستجعلك إنساناً لأول مرة.
لن تُطيل كثيرا في هذا المكان، حيث سيخرجونك، باعتبارك قد تخلصت من المرض، أو هكذا يعتقدون، لتعود إلى أقرانك، وتقص عليهم ما تعلمت داخل السجن، سينظرون إليك باستغراب، وفي الغالب سيطلبون لك (شيخ) لاشتباههم في كونك قد تلبسك الجان، حيث ما تقوله ليس من كلام البشر، وسيقرأ عليك هذا الشيخ أناشيد (علم يا قائد علمنا كيف نحقق مستقبلنا ) (حي خليفة حي خليفة بنغازي ماجابت كيفه) ترفض العلاج، وتُصر على رأيك، وتطلب بكل حب أن يعيدوك للسجن، فقد عرفت أنك تعيش بين بشر يحملون جين (القوادة) ولهذه اللحظة لم يتوصل العلم لكيفية نزع جين من إنسان، فتطلب أن يعيدوك إلى السجن، المكان الوحيد المملوء بالبشر!!!!