هل تُحدث إيران تغييراً في الوضع السياسي في ليبيا؟
قلنا في السابق، ونقول الآن (الحرب هي إحدى أدوات العمل السياسي)، بالتالي حالة الحروب دائما ما تساهم بشكل أو بآخر في إحداث تغيير في أماكن أخرى بعيدا عن مسرح العمليات، حيث في الوقت الذي يُشغل فيه العالم والقوى الكبرى بما يحدث في منطقة الشرق الأوسط وتحديدا حرب الإبادة الجماعية التي يقوم بها (الكيان الهلامي) ضد أهلنا في غزة، ودخول إيران على ساحة المعركة بعد استهداف سفارتها في سوريا، الأمر الذي ينذر بنشوء حرب كبيرة في تلك المنطقة الحساسة، تتحرك الآليات العسكرية في شوارع طرابلس، وتحاول التشكيلات المسلحة فيها إعادة تموضعها وفقا لقواعد نفوذ جديدة يبدوا أنها بدأت تتشكل كما يرى بعض المتابعين، في ظل وضع سياسي جامد، وأزمات اقتصادية متتالية.
حيث خلال أيام عيد الفطر، وبينما يحاول الليبيون أن يسرقوا من الزمن دقائق يشعرون من خلالها بنوع من السعادة ولو كانت مؤقتة، تفاجئ الجميع بمناوشات عسكرية خفيفة بين جهاز دعم الاستقرار وبعض من قوات جهاز الشرطة القضائية، وأدت هذه المناوشات إلى نوع من الاستنفار العسكري داخل طرابلس من قبل جُل التشكيلات المسلحة الأخرى.
لم يستغرب سكان طرابلس هذه المناوشات، فقد كانت هناك مؤشرات واضحة خلال شهر رمضان والأشهر التي سبقته تقول إن هناك صداماً عسكرياً قد يحدث، خاصة بعد الخلاف الذي حدث بين صاحب مصرف ليبيا المركزي وبين رئيس حكومة عودة الحياة، حيث انقسمت التشكيلات المسلحة بينهم، وأصبح كل طرف يحاول أن يضمن استمرارية وُجود حليفه على الساحة السياسية في ليبيا.
لم يصبح سراً أن جهاز دعم استقرار وجهاز الأمن العام التابع لوزير الداخلية، وقوة اللواء (111) بقيادة الزوبي قد أصبحت جزءاً من درع حماية حكومة عودة الحياة، التي تحاول أن تستمر في الحكم، رغم أن كل المبررات القانونية وغير القانونية لوجودها قد انتهت كما يرى بعض المتابعين، خاصة في ظل التقارير المالية التي تخرج من مصرف ليبيا المركزي، والتي تتحدث على نسبة إنفاق كبيرة جدا قامت بها الحكومة خلال سنوات حكمها، الأمر الذي جعل صاحب مصرف ليبيا المركزي يقفل كل أبواب الميزانية على حكومة عودة الحياة باستثناء باب المرتبات.
كما لم يعد سرا أن قوة الردع الخاصة وبعض التشكيلات المسلحة الأخرى قد حسمت أمرها في مسألة عدم السماح لحكومة عودة الحياة بتنحية الصديق الكبير من منصبه، وقد خلقت هذه القوة توازن في هذه المسألة، حيث حضي صاحب مصرف ليبيا المركزي بحماية جعلته يستمر في عمله، ويتمكن من إظهار كل التقارير المالية الخاصة بالإنفاق الكبير الذي قامت به الحكومة وهو لا يبعد عن (طريق السكة) أكثر من ثلاثة كيلو متر، ناهيك عن الفيديوهات المصورة التي نشرتها قوة الردع الخاصة الأشهر الماضية، والتي يعترف من خلالها أحد المواطنيين كونه كان جزءاً من حملة إعلامية لتشويه القوة، وأن من وراء هذه الحملة شخصيات أمنية محسوبة على جهاز دعم الاستقرار، الأمر الذي أوضح مدى حدة الصراع بين هذه القوى داخل مدينة طرابلس.
في شرق البلاد رغم ان الصورة العامة تظهر ان كل الأمور مستقرة وبعيدة على أي صور عسكرية ، إلا انه هناك تحركات عسكرية تحاول قيادة الرجمة إخفاءها ، حيث على حسب رواية منصة فواصل التي نشرت فيديو يوثق نزول شحنات أسلحة عسكرية روسية في ميناء الحريقة بطبرق ، وتقول المنصة على لسان مصدرها أن هذه الدفعة الخامسة التي تدخل الميناء ، كما أكد المصدر أن هناك قوات روسية هي التي تُشرف على إنزال هذه المعدات من السفينة الروسية .
كنا قد قلنا في السابق أنه خلال الاثنتي عشرة سنة الماضية لم تسلم أي حكومة في ليبيا السلطة دون حرب باستثناء حكومة الكيب، ويرى العديد أن الصدام العسكري قادم لا محالة، لإحداث تغيير في الحياة السياسية في ليبيا التي تمر بحالة انسداد واضحة، وأصبح هذا الانسداد يُلقي بظلاله على حياة المواطن اليومية.
إلا أن اختيار موعد الصدام العسكري مهم جدا، حيث يرى بعض المتابعين للوضع في ليبيا ، أن هذه الأيام تعتبر ملائمة جدا لحدوث هذا الصدام ، بحكم أن القوى الكبرى في العالم مشغولة بما يحدث في الشرق الأوسط والخوف من نشوب حرب كبيرة هناك، ناهيك عن قرب موعد الانتخابات الأمريكية، الأمر الذي سيقلل بشكل مؤثر التدخل الخارجي في سير الأحداث في ليبيا، بالتالي يرى أصحاب هذا الرأي أن الأرضية أصبحت جاهزة بشكل أو بآخر لحدوث هذا الصدام.
قد لا يحدث هذا السيناريو، أو يحدث، لكن في الأحوال جميعهم لا يجب أن يكون طويلاً ، وهذه الفكرة يعيها كل الأطراف العسكرية في طرابلس وليبيا بشكل عام، لهذا يبدوا أن الجميع يحاول أن يدرس بعناية خطواته في هذا الاتجاه .
لسنا صناع قرار في هذا الموضوع، بل نحن الجمهور، ونحن من قررنا أن نكون كذلك، لكنه على الأقل لنحمي أنفسنا وأبناءنا من أن يكونوا وقوداً لهذا الصدام العسكري، وننتظر لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا …