مآلات غزوة رأس جدير (الامتحان الكبير)
بعد أن استطاع صلاح الدين أن يسترد القدس، وكل مدن فلسطين اليوم من الصليبيين، بعد قرابة المئة عام من احتلالها، قاد ريتشارد قلب الأسد ملك إنجلترا في ذلك الوقت الحملة الصليبية الثالثة، والتي حاول من خلالها أن يسترد القدس، ورغم تمكنه من السيطرة على الساحل بالكامل وصولاً إلى عسقلان، وصلاح الدين يسير بجيشه محاذيا للساحل، يورد لنا التاريخ أن هناك أبيات شعر تبادلها كل من ;كاتب صلاح الدين وأحد أصدقائه من بلاد الشام عن (المشمش) حيث كان أوانه في ذلك الوقت، الأمر الذي حير العديد من المؤرخين، ولكن هناك من يقول إن صلاح الدين ومن معه كانو مطمئنين، وكأنهم يقولون لريتشارد قلب الأسد هذه بلادنا، وحتى وإن تمكنت من احتلالها، فسنستردها بمجرد رجوعك إلى بلادك، وكان ملك إنجلترا يعلم ذلك، لذلك طلب من شركائه في الحملة أن يغزوا مصر والشام حتى يتمكنوا من إعادة القدس، فرفضوا وطلبوا مهاجمة القدس، وقد كان ملك إنجلترا يعلم أن هذا العمل عبثي، ولن ينتج ما يريدون.
منذ مدة واللواء عماد الطرابلسي وزير داخلية حكومة عودة الحياة يحاول أن يبسط سيطرة الحكومة على معبر رأس جدير بالكامل، حيث يقول إن المعبر يعتبر من أكثر المنافذ تهريبا للوقود في ليبيا؛ مما يؤثر في الاقتصاد، الأمر الذي حاول فيه أكثر من مرة إرسال قوات تتبع الداخلية للاستدامة.
ورغم أن المعبر تم تغيير من يديره أكثر من مرة، وفي كل مرة يكون المسؤول الأمني على المعبر ليس من مدينة زوارة المتهمة بالسيطرة على المعبر وإدارته، رغم أن كل الأجهزة الأمنية المعنية بالمنافذ في ليبيا موجودة والمتمثلة في جهاز الأمن الخارجي، والأمن الداخلي، لجمارك والجوازات ومديرية الأمن المسؤولة على المنطقة لجغرافية رأس جدير، إلا أن وزير الداخلية يقول إن أجهزة الدولة غير مُمكنة من المعبر، وإن تواجدها فقط صوري،
هذه السردية تقابلها سردية أخرى تقول، إن منذ اندلاع انتفاضة فبراير، كل منافذ الدولة ليست تحت سيطرة أجهزة الدولة الرسمية، وهذه حقيقية لا ينكرها إلا من لا يرى ولا يُبصر! وهذه السيطرة تعود إلى التشكيلات المسلحة التي يقع في نطاقها الجغرافي هذا المنفذ، بالتالي الأمر ليس متوقفاً على رأس جدير فقط.
كما تقول هذه السردية أن خلفية اللواء الطرابلسي وزير الداخلية القبلية باعتباره من مدينة الزنتان، تلك المدينة التي أدت دورا عسكريا طيلة الفترة الماضية، وحاولت أكثر من مرة بسط سيطرتها على معبر رأس جدير، حيث كانت المحاولة الأولى مع سيطرة الثائرين في ليبيا على الحكم سنة 2011 وفشلت، ثم عاود الكرة اللواء أسامة الجويلي في فترة حكم فائز السراج عندما استطاع اللواء الجويلي بسط سيطرته على منطقة ورشفانة وإخراج من كان يقطع الطريق في تلك الفترة العصيبة، حيث بادر إلى محاولة السيطرة على رأس جدير، وباءت بالفشل أيضا، وصولا إلى محاولة اللواء الطرابلسي مؤخرا، حيث يرى أصحاب هذه السردية أن الأمر ليس مرتبطاً فقط بمسألة التهريب، خاصة وأن هناك أطرافاً عديدة مسؤولة عن التهريب في المنطقة الغربية من جبل نفوسة وصول إلى شاطئ منطقة (الماية) والأمر غير مقتصر على رأس جدير فقط.
كما لا نستطيع أن نتجاوز السردية التي تقول إن ما تستطيع أن تتحصل عليه أجهزة الدولة من المنافذ والمعابر الرسمية في صالح الجميع، حيث من غير المنطقي أن يُرفع شعار إما أن تسلم جميع المنافذ والمعابر وإما لا، حيث هذا الكلام بعيدا عن المنطق، ويؤخرنا عن تأسيس دولتنا المنشودة، (فالذي لا يُدرك كله، لا يُترك جُله).
كل هذا الكلام والمؤشرات تقول إن الحرب قد تندلع في أي لحظة على تخوم معبر رأس جدير، حيث كُلِّفَت قوة عسكرية تتبع لرئاسة الأركان في حكومة عودة الحياة لبسط السيطرة على معبر رأس جدير حسب ما جاء في نص قرارها، الأمر الذي لن تقبله القوى العسكرية في مدينة زوارة ولا باقي مدن الأمازيغ، حيث يرون هذه الخطوة هي بداية فعلية لحرب ضد وجودهم واستقرارهم، وفيها نوع من الانحياز ضدهم، وذلك في سياق الإبقاء على باقي المعابر والمنافذ على حالها، فميناء مصراته لأهل مصراتة ومطار معيتيقة ل(……)، ومعبر الدبداب في مدينة غدامس للزنتان، وميناء الخمس لأهل الخمس، وفقط رأس جدير هي التي يجب أن تُقطع؟!
إن ما نؤمن به، ويؤمن به المنطق، أن كل المعابر والمنافذ الرسمية للدولة يجب أن تكون تحت سيطرة الأجهزة الأمنية للدولة، كلها دون استثناء ، وعندما نقول تحت سيطرتها تكون السيطرة حقيقية لا صورة، غير ذلك هو فقط كمن يقفز إلى الأمام وهو مغمض العينين، فلا يعرف أين قد تصل قدماه.
وأن إدارة مثل هذه الملفات في سياق الحالة الليبية يحتاج إلى نوع من الحكمة والتروي، والابتعاد قدر الإمكان على الصدام العسكري خاصة ذلك الذي قد ، ونقول قد يفسر على أساس مناطقي أو عرقي، فلا ننسى جميعنا، أن مهما كانت قوة ريتشارد قلب الأسد ملك إنجلترا كبيرة، فقط علم مسبقا أنه حتى وإن سيطر على مدينة القدس، فإن أهلها سيستردونها عاجلا أم آجلا، لهذا حقن دماء أهله، ورجع راشداً.
فهل نجد من يكون راشداً اليوم في ليبيا .