من سلب الناظوري أركانه؟ وأين ذهب رجل الرجمة الثاني؟
لم يخرج عبد الرحمن الداخل الأموي من دمشق وحده، حيث كان معه خادمه (بدر) وخاض معه كل المراحل الخطيرة التي مر بها وهو يحاول الهرب من بني العباس، وكان رسوله لموالي بني أمية في الجزيرة الخضراء التي تعرفها أنت اليوم بالأندلس، وكان يتوقع بدر أن يُكرم بعد كل هذه الجهود، وقد أكرمه عبد الرحمن الداخل بعد أن استطاع أن يسيطر على الأندلس بالكامل وتأسيس دولته، إلا أن بدر أصبح يعتقد أنه شريك فيما وصل إليه الداخل، وقد جعله هذا الاعتقاد يتجرأ وينصح الداخل، الذي لم يقبل منه، فجرده من كل مناصبه، ونفاه خارج قرطبة حاضرة الأندلس في ذلك الوقت .
رغم أن هذه القصة تعتبر من الروايات الشعبية، ولا يوجد نص تاريخي يمكن الاستناد إليه لإثباتها، إلا أن مضمونها يحكي حقيقة، الطغاة لا يكرهون شيئاً في الوجود أكثر من كرههم لمن له أفضال عليهم، يشعرهم ذلك بالعجز والنقص في الوقت نفسه.
لا يستطيع أي كاتب للتاريخ أن يُغفل الدور المفصلي الذي لعبه الفريق عبد الرزاق الناظوري في مشروع الكرامة، حيث كان هو والمرج الحاضنة الأولى لانطلاق العملية، وساهم في كل مراحلها دون توقف، حتى تمكنت من السيطرة على برقة وفزان اليوم.
بل يعتبره اليوم العديد من المتابعين أنه كان العباءة التي غطى بها الجنرال حفتر نفسه ليُقبل في برقة بصفته قائدها، حيث الجميع يعلم أن الجنرال حفتر ابن قبيلة الفرجان التي تقطن المنطقة الغربية في ليبيا، بالتالي لعب الفريق عبد الرزاق الناظوري دورا مفصليا في هذا السياق.
كُلف الفريق عبد الرزاق الناظوري برئاسة الأركان، وأصبح يمثل ثقلاً كبيراً في قبة الرجمة، إلى أن بدأ مشروع العائلة يظهر في برقة، حيث بدأ الأخوان النجيبان صدام حفتر وخالد حفتر، تجهيز كتائبهم التي أصبحت اليوم قوة داخل قوة الرجمة نفسها، والطموح لم يقف هنا، حيث استغل اللواء صدام حفتر الجفاء الذي حدث بين الفريق عبد الرزاق والجنرال حفتر حول رفض الأول الحرب على طرابلس، الذي لم يشارك فيها ولو بكلمة واحدة، ليطلب من والده أن يعينه رئيس أركان خلفاً للناظوري .
الجنرال حفتر يعلم جيداً أن خطوة مثل هذه قد تؤثر في ثقة مجلس أمن برقة والمتمثل في القبائل الكبيرة التي تملك حق الفيتو وهم (العبيدات – البراعصة - العواقير - المغاربة - الزوي ) وفي الوقت نفسه يريد أن يسحب من الفريق الناظوري قوته حسب ما يرى البعض، بالتالي أنشأ للواء صدام حفتر إدارة العمليات البرية التي ضم لها كل الكتائب العسكرية البرية التي تمتد من بنغازي وصولاً لطبرق، باستثناء كتيبة المرج العسكرية.
كما أنشأ للّواء خالد حفتر أركان الوحدات الأمنية، التي ضمت ما تبقى من أجهزة أمنية عسكرية، والتي كُلفت باستلام كتيبة المرج التي يقودها نجل الفريق الناظوري، لتكون هذه الخطوة الأخيرة لسلب الفريق الناظوري كل ما يمثله من قوة عسكرية تأتمر بأمره.
يرى العديد من المتابعين أن غياب الناظوري كان متعمداً، حيث لم يلبِ حتى الدعوة التي جاءت له وللفريق محمد الحداد، لحضور معرض عسكري في دولة السعودية، حيث ظهر الحداد وغاب الناظوري، ولم يعد يظهر في أي مناورات عسكرية تجري من حين إلى آخر، ويبرز هنا سؤال مهم ؟
كيف يغيب رئيس أركان عن عرض أو مناورة عسكرية لقواته؟
إن تململ القبائل الكبيرة التي تملك حق الفيتو من تصرفات أبناء الجنرال حفتر، مازال يُعزز مكانة الفريق الناظوري في قبة الرجمة في حال غياب الجنرال فجأة، لأن الكابوس الذي يحلم به كل من يقود هذه القبائل هو أن يرث اللواء صدام حفتر تركت الجنرال، ويبدوا أن قبائل برقة قد أعلنتها في أكثر من مناسبة وآخرها في منطقة الابرق، حيث ذكر أحد مشائخ العبيدات أننا نقبل أوامر الجنرال باعتباره قائد ملحمة خلاص برقة، لكن ما نقبله منه لا نقبله من أبنائه.
يقول لنا التاريخ أن القيادة في برقة تكون غالبا لمن ينتمي إلى القبائل الصغيرة، حيث الصراع هنا يقل بين أصحاب الفيتو (الخمس قبائل الكبيرة التي ذكرناها سلفا) ويحدث الإجماع حوله بشكل أسرع، وكون أن الفريق الناظوري ينتمي إلى قبيلة (العرفه) التي توجَد في مدينة المرج، وليست من القبائل الكبيرة، فسيكون له التأييد والقبول والخيار الأفضل لقبائل برقة لقيادة قبة الرجمة بعد غياب الجنرال بشكل مفاجئ.
كما يرى أيضا العديد من المتابعين، أن المحاولات المستمرة في إخفاء الفريق الناظوري من المشهد العسكري والسياسي اليوم لن تزيد إلا في شعبيته، في ظل الممارسات التي يقوم بها اللواءان داخل برقة، حيث لم يملكا حكمة وحنكة الجنرال في التعامل مع الحاضنة الشعبية، فقد استمدوا وجودهم من القوة العسكرية، والقوة العسكرية لا تنتصر على الحاضنة الشعبية في حال دخلوا في مواجهة مباشرة.
قد يكون بدر خادم عبد الرحمن الداخل شخصية أسطورية، لكن الفريق الناطوري شخصية حقيقية، وستقول لنا الأيام كيف سيكون شكل المشهد النهائي لمسيرة الناضوري، كما علمنا نهاية بدر الخادم.