السياسي

إلى أصحاب النكبة الصادقين، بعد التحية والصبر!

  إلى أصحاب النكبة الصادقين، بعد التحية والصبر!

  إلى أصحاب النكبة الصادقين، بعد التحية والصبر!

 

لكم هذا  المشهد كما يرويه الطبري (في مكان ما بالعراق بعد عودة الناس من صفين، وبعد أن رفع الأمويون المصاحف على الرماح، وهم على حافة الهزيمة، وبعد أن أدرك علي بن أبي طالب أنهم يريدون كسب الوقت واستخدام الحيلة في المفاوضات، وشق صف جيشه، فنهى أنصاره عن الاستجابة، وبعد أن عصاه أنصاره فقبلوا التحكيم، ثم اكتشفوا أنها خدعة ولاموه وقف، وخاطبهم قائلاً " أنا أشهدكم بالله أتعلمون أنهم حيث رفعوا المصاحف، فقلتم نُجيبهم إلى كتاب الله قلت لكم إني أعلم بالقوم منكم إنهم ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن، إني صحبتهم وعرفتهم أطفالا ورجالا، فكانوا شر أطفال وشر رجال، امضوا على حقكم وصدقكم، فإنما رفع القوم هذه المصاحف خديعة ومكيدة، فردتم علي رأيي، وقلتم لا بل نقبل منهم، فقلت لكم اذكروا قولي لكم ومعصيتكم إياي، فلما أبيتم إلا الكتاب اشترطت على الحكمين أن يحيى ما أحيى القرآن، وأن يميتا ما أمات القرآن، فإن حكم بحكم القرآن، فليس لنا أن نخالف حكما في القرآن، وإن أبيا فنحن من حكمهما براء) . 

خذو أيضا المشهد الثاني كما يرويه الماوردي (قال وليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان الذي رفع قومه المصاحف على الرماح، واحتكموا إليها وزعموا أنها حكمت لهم في قصره بالشام يقرأ سورة إبراهيم، (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (13) وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ (14) وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (15)) [إبراهيم: آية 13،15]، فيدعو بالقوس والكنانة، ويرمي المصحف بالسهام، وهو يقول أَتَوُعِدُ كُلَّ جَبّارٍ عَنِيداً، فَها أَنا ذاكَ جَبّارٌ عَنِيدٌ، فَإِنْ لَقِيتُ رَبَّكَ يَوْمَ حَشَرٍ،  فَقُلْ يا رَبِّ مَزَّقْنِي الوَلِيدُ. 

ربما لم تقع هذه الأمور كما يروي الطبري والماوردي فهما عباسيان، وفيما يرويان عن بني أمية شك، ولكن لا أذكر الحادثتين تأريخا ،  بل لضرب المثل ، إن الأمويين حسب الروايتين كانوا يُحاكِمون عليا إلى المصحف الذي كان الأساس في ثورة ابن عمه على أبي سفيان الأموي سيد مكة يوم الفتح، وقبله كانوا يزعَمون أنهم يَغلِبونَه بالكتاب الذي جاءهم به ابن عمه، تماما كما يلوح المستبدون للناس اليوم بالحشود التي يجمعونها لتأييدهم، بينما كانت هذه الحشود هي أساس شرعية ثورة الناس عليهم ،  الحشود هنا هي المصحف، يتذرعون بها حتى يحكموا على رواية الطبري، ثم يرمونها لاحقا بالسِهام على رواية الماوردي). 

يا أصحاب النكبة الصادقين، إنهم اليوم يتسللون إلى حكمكم مجددا من الكتاب نفسه الذي نشرتموه في الناس بدعوى حقكم في اختيار من يدير شؤونكم ورفضكم لأن يكون هناك صنم يُعبد على الأرض من دون الله، فرفضوا منكم هذه الدعوى وحاربوكم، وعندما كَتب لكم الله النصر، طلبوا منكم أن يحتكموا لصندوق الانتخابات ، الذي كنتم قد دعوتم به في ثورتكم المرفوضة سابقا وحاضرا ومستقبلا،

يا أصحاب النكبة الصادقين إن السلطة الحاكمة اليوم في ليبيا بعد أن أفقرتكم، وراكمت الأموال ،  عندها تطالبكم بالاحتكام لصندوق الانتخابات الذي طالبتم به ، وقتلوكم نتيجة هذه المطالبة، لأنها تعلم جيدا أنها تستطيع أن تدير هذا الصندوق كيفما شاءت، حيث المال، والقرار السياسي، والأرض والسماء والبندقية لهم، ولكم فقط أصابع أيديكم ، وما تبقى لكم من عقل يرى ويُبصر،

يا أصحاب النكبة الصادقين، إن الطبقة الحاكمة التي كانت تحكم هذه الأرض لنصف قرن، وتؤمن أن التمثيل تدجيل، والمجالس النيابية حكم غيابي، وأن المؤتمرات الشعبية الأساسية التي كانت تُدار بالرز والعصا هي الآلية التاريخية للبشرية جمعاء لمناقشة أمورهم السياسية واتخاذ قراراتهم، تُسابقكم اليوم للاحتكام لصندوق الانتخابات، وتدفع بمن كان بالأمس يقتلكم بالبطيء ليقودكم، ويخيروكم بينه وبين من يقتلكم سريعا، فاحذروا فإنه على الوجهين قتل.  

يا أصحاب النكبة الصادقين، إن استمراركم بدعم تِلكم الأشخاص الذين رافقوكم في بداية الحلم، وأصبحوا اليوم مُتماترسين وراء أسوارهم العالية وجنودهم المخلصين ودباباتهم الموجه لصدوركم وصدور أبنائكم قد نكثوا العهد، وهم اليوم أصبحوا جزءاً من السلطة الحاكمة التي تبيع لكم الوهم في كل ذكرى لفبراير مغلفة بالأضواء والمنصات الفاخرة، لاتتعاطوا هذا الوهم، وأرجموا  المنصات ومن وضعها، وتمسكوا بحقكم في العيش بكرامة.  

يا أصحاب النكبة الصادقين، إن الحياة دُولْ، وإن الحلم لم ينتهي بعد، وإنكم والله ما زلتم رغم التحديات تملكون أن ترسمو دولتكم التي حلمتم بها، فلا تتفرقوا على شكل لباسكم، وتعديل لِحاكُمْ، وتحليل أفكاركم، إلتفتوا إلى ما خرجتم من أجله، دولة يحكمها القانون والدستور، فإنكم والله تؤكلون كل يوم بصمت، ويجروكم تحت أسواط الظروف المعيشية القاسية للقبول بالفتات، حتى ولوكانت ملطخاً بالطين على إعتبار أنه  الخيار الأمن، فلا يوجد مكان آمن على هذه الأرض إلا المكان الذي تجتمعون فيه متوحدين، فلا تثقوا بهم وثِقوا في خيالكم وأفكاركم ومافعلتوه ، فإنه لم يكن جنوناً ، ولم تكن نكبة …..