شؤون قانونية

مجلس نواب (العازة) يعيد ليبيا للقرون الوسطى!

مجلس نواب (العازة) يعيد ليبيا للقرون الوسطى!

مجلس نواب (العازة) يعيد ليبيا للقرون الوسطى!  

 

منذ سنتين كنت في حالة حركة بالسيارة، وصدف أن سمعت مداخلة لشيخ على موجة الراديو يتحدث عن السحر ومعالجة المسحورين، فقطع حديثة المذيع بسؤال مفاده (كيف يا شيخ من الممكن أن تفرق بين المسحور والشخص الذي لديه مرض نفسي؟) أجاب الشيخ، للأسف لا يوجد آلية واضحة ممكن أن تبين لنا ذلك؟ انتهى حديث الشيخ، لكن كلامنا لم ينته؟! 

صدر قانون منذ أشهر في ليبيا يعنى بمحاربة السحر، وقد حوى هذا القانون مجموعة من النصوص القانونية العقابية الشديدة التي تصل إلى الإعدام، وأقل عقوبة في هذا القانون هو السجن لمدة خمس سنوات الأمر الغريب والمقلق في هذا القانون هو مصطلحاته الفضفاضة ، وحمالة الأوجه التي تبني للمجهول، وتؤسس فرضيات الإدانة بناء على مؤشرات لا يمكن قياسها، على سبيل المثال لا الحصر المادة الخامسة تقول (يعاقب الساحر بالقتل إذا ثبت أن سحره تضمن كفرا، أو ترتب على سحره قتل نفس معصومة) 

السؤال هنا هل بإمكان أي طبيب أو أخصائي في مجال الطب أن يجزم وفاة إنسان بسبب مرض نتج عن سحر؟ بمعنى أنه إذا مات شخص نتيجة مرض عضال مثلا، من يستطيع الجزم أن هذا المرض نتيجة سحر؟ الإجابة، (لا يوجد أي طبيب في الكون يمكنه تأكيد ذلك)، في الوقت نفسه عرف القانون السحر على كونه (هو كل عمل مخالف للشريعة يقصد به التأثير في البدن أو القلب أو العقل، باستخدام رقي أو تمائم أو عقد أو طلاسم أو أدخنة)

في هذا السياق يمكن أن يُتهم أي شخص يستعمل في (البخور) على أنه يمارس في أعمال السحر، ويكفي من يدعي ذلك أن يجلب شاهدين يؤكدان ذلك ليتم تحويل هذا الشخص إلى التحقيق، وقد يدان وهو لا يعلم كيف أُدِين؟ وما هو الأساس الذي أدين به؟ خاصة وأن هذه الأحكام إن صدرت لا يجوز التنازل عنها ، ولا تدخل ضمن الأحكام التي يمكن أن يشملها العفو العام أو الخاص، وهذا ما تؤكده المادة السادسة عشر من القانون (لا يجوز الأمر بإيقاف تنفيذ أي عقوبة منصوص عليها في هذا القانون ولا استبدالها ولا تخفيفها ولا العفو عنها ) 

إننا هنا لا نتحدث عن الإقرار بوجود السحر من عدمه، ولكن ما نقدمه هنا هو فقط التساؤل حول كيفية إثبات هذا الأمر، كذلك إدخال هيئة الأوقاف لتصبح مشاركة في عملية تحديد السلوكيات على كونها سحراً من عدمه، وما هي خلفيات هذه اللجنة التي ستشكل؟ وما خبرتها القانونية للفصل في مثل هذه المسائل؟  

إن وسْمنا لهذا الجهد بالعودة إلى القرون الوسطى لم يكن ترفاً فكريا، أو استعارة مكنية، بل نعنيه بالنص والمعنى، وما جعلنا نقتنع بذلك هو هذا النص الذي إستحضرناه في أثناء كتابتنا لهذا المقال -

(عندما اجتاح الطاعون الأعظم العالم سنة 1348 الميلادي ظن أكثر الكهنة أنه عقاب من السماء، وظن أكثر الأطباء أنه ينتقل بالروائح الفاسدة، فعالج الناس الطاعون بالصلوات والتوابل، وبقي الطاعون يعود للناس خمسة قرون إلى أن عُرف سببه: بكتيريا تنتقل بالباعوض والفئران ثم بالملامسة بين الناس، غير أن بعض ذوي النظر والملاحظة، من أهل ذلك زمان أدركوا من الحقيقة بعضها، ونصحو الناس ، فقد كتب الشاعر والوزير والفقيه والطبيب الأندلسي الغرناطي لسان الدين ابن الخطيب، والذي تعرفه أنت بموشحته الشهيرة جادك الغيث إذا الغيث هما، يا زمان الوصل بالأندلس، لم يكن وصلك إلا حلم في الكرى أو خلسة المختلس ، مقالة اسمها مقنعة السائل عن المرض الهائل ، يقول فيها ما لو قاله اليوم في هذا الوباء الذي ضرب الأرض في زماننا لصدق، < قال وغير خفي عن نظرة في هذا الأمر، أو أدركه هلاك من يباشر المريض بهذا المرض غالبا وسلامة من لا يباشره كذلك ووقوع المرض في الجار والمحلة لثوب أو آنية، حتى إن القرطة أتلف من علق بأذنه، وأباد البيت بأسره، ووقوعه في المدينة في الدار الواحدة، ثم اشتعاله منها في أفذاذ المباشرين ثم في جيرانهم وأقاربه وزوارهم خاصة حتى يتسع الخرق، وفي مدن السواحل المسطصحبة حال السلامة، إلى أن يحل بها في البحر من عدوة أخرى قد شاع عنها خبر الوباء رجل متوفي، فيكون تاريخ ظهور المرض بها مقارناً بحلول، وسلامة الكثير ممن أغفى كزاهد ابن أبي مدينة ، بمدينة سلا، وكان من القائلين بالعدوى، وقد تزود لمدة، وبنا باب منزله على أهله وهم كثيرون، وفنيت المدينة، ولم يرزء نسمة واحدة بطول تلك المدة، وتواترت الأخبار بسلامة أماكن لا تطرق، ولا أعجب لهذا العهد من سجن الأسرى المسلمين انقضهم الله بدار الصناعة بإشبيلية وهم الوف، ولم يصبهم الطاعون، وكان يستأصل المدينة، وصح النقل بسلامة أهل العمود والرحالين من العرب في أفريقيا وغيرها > 

لهذا نجا من الناس من كان عاقلا، أو من وجد عاقلا ينصح وهلك من اعتمد على الحظ والخرافة، أو استهتر بالأمر.  

إن السلطة الحاكمة تحاول باستمرار أن تشغل الناس بالوهم، وتُأطر هذا الوهم في قوانين إن لزم الأمر، لتبين باستمرار أن ما يحدث اليوم من انتشار للأمراض وتدهور الحالة الصحية للمواطن الليبي ليس هو الفساد المستشري في القطاع الصحي والجمارك، وكل ما يدخل لبطون الليبيين، بل هو ذلك الجني الذي قرر أن يترك كل ما لديه، ويشغل نفسه بجلب الأمراض لأجساد هذا الشعب المكلوم العاجز. 

إن الدفاع عن المنطق والعقل في هذه الأرض ليس بالأمر اليسير، نعي ذلك جيدا، فالناس كل الناس تتعلق بالأوهام أكثر من الحقائق، لأنها مريحة، وتعطينا القدرة على تبرير ما نحن فيه، وترفع عنا ذلك الوخز الذي يثقل علينا صدورنا كلما فكرنا بعجزنا عن تغيير حالنا 

 لهذا نقول إننا لن نبحث عن الجان في بيوت الليبيين ومقابرهم، بل سنبحث عن أموالهم المنهوبة أين تذهب، فذلك جدير بالبحث،