السياسي

من يهزم المشير؟

من يهزم المشير؟

من يهزم المشير؟

 

أصدرت سلطات شرق ليبيا ممثلة في وكيل وزارة الداخلية –القديم الجديد- فرج اقعيم؛ يوم 29 يناير قرارا مثيرا للجدل وغير متوقع إطلاقا، القرار ينص على إقامة مباريات مرحلة الإياب للمجموعة الأولى (المنطقة الشرقية) من الدوري الممتاز بدون حضور جمهور،  معللا قراره بتعصب الجمهور ومشاحناته وخوفا من أن يؤثر ذلك على (النسيج الاجتماعي) وكأن منع حضور الجمهور خلال السنوات الماضية قد خفف من حدة المشاحنات والتعصب.

الداعي الحقيقي للقرار ليس سرا ويعلمه الجميع، هتاف تغنى به عدد من جماهير فريق النصر في إحدى مباريات فريقهم يتهمون فيها المسؤولين عن إعمار بنغازي (أولاد صاحب الجيش طبعا) تلميحا بسرقة أموال مخصصة لمشاريع إعادة الإعمار وتحويلها لتمويل صفقة مثيرة للجدل لغريمهم التقليدي –أهلي بنغازي- .

بعد انتشار مقاطع الفيديو التي تظهر جماهير النصر وهي تتغنى بهذا الهتاف الذي اعتبره وكيل وزارة الداخلية مهددا للنسيج الاجتماعي، يبدو أن عددا من جماهير الفريق أحست بالخطأ والخطر فقامت بتعليق صور ضخمة لأولاد صاحب الجيش؛ اللواء خالد واللواء صدام، وكأنها تريد أن تقول إننا لم نتهم هؤلاء بـ(سرقة فلوس الكوبريات) فهؤلاء لا يسرقون إنما نتهم غيرهم، ولكن هيهات فالكل يعلم أن هؤلاء وباقي إخوتهم من العائلة الكريمة هم وحدهم المسؤولون عن ملفات الإعمار والبناء والتطوير في شرق ليبيا، وإذا اتهمت مسؤولا بالتقصير فأنت ضمنيا تشير إليهم، وليس بعيدا عن هذا السياق قيام أحد أعضاء مجلس النواب بحذف منشور من حسابه على فيسبوك والاعتذار عن ما ورد فيه وفهم خطأ حسب تعبيره، وهو في الحقيقة بغض النظر عن مكانته كعضو في مجلس النواب لم يأت بما يستلزم الاعتذار، فقد انتقد طريقة بناء أحد الكباري واعتبر أنها تحول الازدحام من مكان إلى مكان آخر ولا تحل المشكلة، أحد (القفقافة) ربما اعتبر الموضوع تلميحا في حق أبناء صاحب الجيش فحدث شيء في الخفاء جعل العضو المحترم يحذف منشوره ويتهم الناس بإساءة فهمه.

وفي سياق آخر؛ تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي أخبارا في الأيام الماضية عن نية بعض الشخصيات الرياضية وغير الرياضية في بنغازي إشهار نادي رياضي تحت اسم (نادي المشير)، ويتزين شعار النادي بنجمة العبور الوهمية التي تشير إلى عبور مشيرهم لخط برليف في حرب العبور عام 1973، وتحت النجمة يكتب الرقم 73 في إشارة إلى السنة التي شهدت تحقيق مشيرهم لإنجازه التاريخي.

إذا حدث الأمر وأشهر النادي، هل يجوز أن يلعب الفريق (وهو يحمل هذا الاسم) في كرة القدم مثلا في الدوريات الدنيا كالدرجة الرابعة مثلا؟ هل سيصدر المشير قرارا بترقية النادي إلى درجات عليا أسوة بقرارات ترقية أبنائه الذي يحملون رتبة لواء ولما يبلغوا حتى الأربعين من أعمارهم؟ إذا أصدر المشير قرارا بترقية المشير من الدرجة التي يلعب فيها فريق حديث التأسيس إلى درجة أعلى هل يتجرأ اتحاد كرة القدم ويعترض؟ إذا أسس فريق المشير وظهر للعلن وبدأ في المنافسات فعليا ووصل –كما هو متوقع- في وقت قياسي إلى مصاف أندية الدوري الممتاز؛ هل تتجرأ جماهير الفرق الأخرى لتشجيع فرقها ضد المشير أم أنها ستشجع المشير؟ ألا يعتبر تمنيهم هزيمة المشير خيانة للوطن؟ وهل تتجرأ باقي الفرق التي ستلاعب المشير على هزيمته؟ من يهزم المشير؟

يعلم الجميع أن نية مؤسسي النادي الوهمي ليس المنافسة الرياضية الشريفة لأنهم لو أرادوا ذلك لما اختاروا له هذا الاسم، بل إننا متأكدون أن نيتهم ليست المنافسة أصلا، بل نيتهم هي الارتزاق من هذا النادي وتحويله إلى حنفية لضخ الأموال خاصة إذا اقتنع صاحب الجيش وأبناؤه وحاشيته بالأمر وهذا ليس مستبعدا.

فكرة القائد الرمز والصقر الوحيد والمفكر الأول والمهندس الأول والرياضي الأول وغيرها؛ ليست فكرة جديدة في ليبيا، ولكن الأحداث علمتنا أنها ليست فكرة مستهلكة، بل إن حنين الناس إليها لم يطل كثيرا بعد أن تخلصنا منها، فقد أظهرت الأحداث أن الناس ما أن وجدوا صورة ولو مشوهة لرجل أوحد أظهر ميولا استبدادية دكتاتورية تشبع حنينهم المرضي للماضي سارعوا في عبادتها وتقديم القرابين إليها وإغداقها بالأسماء والصفات وكأن حياتهم لا تستقيم بدون حماية الراعي الذي وإن أوجعتهم عصاه إلا أنه أغدق عليهم بالماء والكلأ ووفر لهم زريبة تحميهم من ذئاب الليل التي تريد أن تتخطفهم.

 

ما قام به وكيل وزارة داخلية صاحب الجيش ليل مستغربا، ففي الجيش يقولون إن الحسنة تخص والسيئة تعم، وهتاف جماهير نادي النصر الذي يلمح بإهانة أبناء صاحب الجيش تتحمله كل الأندية، وكذلك تأويل الأمر وتهويله وتحميله ما لا يحتمل من تفتيت النسيج الاجتماعي وغير ذلك من التهم ليس مستغربا، فالأمن عندهم هو أمن المشير وعائلته والناس ينعمون بأمان تابع لأمانهم فهم يعيشون في ظلهم، ولكن المستغرب هو النزول إلى حظيظ تسمية نادي باسم المشير – إذا تم الأمر- ففي العقلية الاستبدادية لا يستهينون أبدا بأي إساءة ولو رمزية للقائد الرمز، وتسمية نادي يشارك في لعبة باسم المشير قد يعرضه للهزيمة، وحينها قد يعي الناس أنه من الممكن هزيمة المشير؛ فمن يهزم المشير؟