الدكتور العميد صاحب الكورة ؟!
لطالما كانت الرياضة في ليبيا – بل كرة القدم على وجه الخصوص- أداة جذب للمسؤولين والمتنفذين في الدولة في العهد الحالي والسابق، بل إنها في عهد النظام السابق جذبت كل المسؤولين المقربين من العقيد بل وجذبت حتى أبناء العقيد، ولم ينفذ من جاذبيتها الساحرة إلا العقيد نفسه، تدخل هؤلاء المنجذبون، و(لخبطوا وكولسوا وتلاعبوا) بل وحتى قتلوا وخطفوا، ثم دار الزمان دورته عليهم وبقي الشعب وذهبوا.
توقفت الحياة في ليبيا بعد أحداث الثورة توقفا شبه تام، ثم عادت العجلات في بعض جوانبها للدوران مع مرور الوقت، ومن هذه العجلات؛ عجلة الرياضة وكرة القدم، عادت وعاد الدوري وعاد الشغف وتحفز الجماهير، ولكن عاد أيضا انجذاب المسؤولين، ولكن المسؤولين بعد 17 فبراير ما هم في الحقيقة إلا قادة التشكيلات المسلحة التي أسبغت عليها الدولة صفة الشرعية؛ إما لتنال حمايتها أو تأمن شرها.
ولأن انعدام المحاسبة وغياب ثقافة العقاب للمسؤول والمتنفذ من أهم شعارات مجتمعنا (المتخلف)، فإن الوضع أسوأ بكثير مع قادة التشكيلات ، فلا يردع هؤلاء قانون ولا نظام ولا نائب عام ولا دولة، فلا يفل الحديد إلا الحديد، ولا يخشى قادة التشكيلات إلا من قادة تشكيلات مسلحة أقوى منهم، أو يتمتعون بنفوذ أكبر منهم، فمن إذا سيردع قائد تشكيل متنفذا ويسبح في أموال الدولة من أن يفعل ما يشاء في دوري كرة القدم إذا كان من داعمي أحد فرقه –ناهيك عن كونه مسؤولا في هذا الفريق-، ومن يمنعه من قمع خصومه – الفرق الأخرى وجماهيرها- إذا كان قادة التشكيلات الأقوى غير مهتمين، أو أنهم يدعمون نفس الفريق؟
الداعي لهذا الحديث هو الفاجعة التي حلت بالرياضة الليبية يوم الجمعة الموافق 15 ديسمبر 2023 حين توجهت جماهير نادي الاتحاد لحضور مباراة فريقها أمام الملعب الليبي في الدوري العام، ولكنها قوبلت بالرصاص الحي، نعم بالرصاص الحي الذي أطلق في وجه الجماهير مباشرة وأدى إلى إصابة أحد الجماهير بإصابة خطيرة نقل على إثرها للمستشفى وأجريت له عدة عمليات عاجلة لإنقاذ حياته.
السبب الرئيس في هذه الأحداث هو توجه جماهير فريق الاتحاد لملعب النهر الصناعي لحضور المباراة رغم إبلاغهم بوضوح بعدم وجود تذاكر، أين ذهبت التذاكر؟ أعلن نادي الملعب الليبي قبل المباراة أن رئيس النادي الذي هو نفسه مدير كرة القدم في نادي أهلي طرابلس الذي هو أيضا رئيس جهاز أمن المرافق والمنشآت الدكتور العميد أسامة طليش قد اشترى كل التذاكر،
لماذا يفعل الدكتور العميد ذلك؟ هل لأنه مشجع لأهلي طرابلس ويريد النكاية في فريق الاتحاد؟ كيف يمكن لرئيس نادي أن يكون مسؤولا مهما في ناد آخر؟ لماذا يجمع الدكتور العميد بين منصبين قياديين في دوري واحد؟ ألا يؤدي ذلك إلى شبهة احتمال التواطؤ بين الفريقين الذين يقودهما نفس الرجل؟ ألا يضرب ذلك مبدأ اللعب النظيف واللعب العادل في مقتل ويمنح فريقا معينا فرصا أفضل من غيره للمنافسة؟
دعنا من كل ذلك ولنعد إلى حادثة إطلاق النار، رأينا الصور والمقاطع المصورة للحظة إطلاق النار، الجماهير كانت تزحف بهدوء من الطريق السريع باتجاه الملعب ولم تقم بأي أحداث شغب فلماذا احتاج من رمى الرصاص إلى رمي الرصاص الحي لإيقافهم؟ ثم لو أن الجمهور قام فعلا بأحداث شغب؛ ألا يوجد ترتيب للتعامل مع أحداث الشغب، حيث تستعمل قوات (مكافحة الشغب) خراطيم المياه ثم قنابل الغاز ثم الرصاص المطاطي؟ لماذا انتقل الأمر فورا إلى الرصاص الذي لا يفترض استعماله أصلا؟ بل إن السؤال الأكثر إلحاحا هو أين قوات مكافحة الشغب أصلا مما حدث؟ الذين أطلقوا النار هم شباب يرتدون ملابس مدنية؟ من هؤلاء؟ ومن كلفهم بقمع الجماهير ومن أصدر الأوامر بإطلاق النار؟ وجوه بعض هؤلاء الشباب واضحة في مقاطع الفيديو لم يتكلفوا حتى عناء إخفائها، هل هو سوء تقدير منهم أم هو ببساطة ثقة في مصدر الأوامر وأمن من العقاب؟
العام الماضي حصلت حادثة مشابهة نوعا ما؛ هذه المرة في مباراة لكرة السلة بين فريقي الاتحاد وأهلي بنغازي، بعد نهاية المباراة تدخلت مجموعة من جماهير أهلي طرابلس الذي لا علاقة لفريقهم بالمباراة واشتبكوا بالأيدي مع جماهير الاتحاد، تدخلت أجهزة يفترض أنها أمنية وتتبع جهات مرتبطة بالجهات التي أطلقت النار يوم الجمعة؛ وأطلقت النار أيضا وأصابت عدد من جماهير الاتحاد وقتلت أحدهم وهو شاب في مقتبل العمر كان يدعى عبد المؤمن الفلاح، رصاصة طائشة لعنصر تشكيل مسلح طائش أنهت حياة الشاب ووأدت أحلامه وأثكلت أمه ولم نسمع بأي عقاب للمسؤولين عن الحادثة، وعندما أقول المسؤولين لا أقصد الذي جذب الزناد وحده؛ بل الذي أصدر الأوامر، والذي جعل الأمر يبدو سهلا لأنه محصن من العقاب.
في دوري العام الماضي تدخلت جهات متنفذة وأثرت على مصير الدوري ووجهته في جهة معينة، وبأساليب مختلفة، وهذا هو مصير الدوري الحالي، قادة التشكيلات يتلاعبون بمصير الناس وحيواتهم فهل سيرتدعون عن التلاعب بمصير لعبة.
يخطفون ويهينون ويعذبون من ينتقدهم حتى على شبكات التواصل الاجتماعي، ويظهرون في مقاطع مصورة وهم يتفاخرون بإهانة الناس، ولا يتحرك للدولة ساكن لمحاسبتهم، وكيف تفعل وهم الدولة، هل سنتوقع من حكومة عودة الحياة أن تردع هؤلاء عن تلاعبهم بحياتنا وهي تدين لهم بحياتها؟ من لا يعلم أنه لولا التشكيلات المتمترسة في طرابلس لانتهت حكومة عودة الحياة منذ زمن بعيد، ولكن أن يصل بهؤلاء لأن يطلقوا النار على جمهور فريق كرة قدم ذنبه الوحيد أنه خصم الفريق الذي يدعمه التشكيل فهذا عودة بالزمن لعشرات السنين، واستعادة لذكريات توهم الليبيون (السذج أمثالنا) أنها انتهت إلى غير رجعة، ولكن في الحقيقة هي لم تنتهي ولن تنتهي، فالذي دعا قيادات النظام السابق لإطلاق النار على المشجعين الغاضبين الرافضين للانسحاب من مباراة منتخبنا أمام الجزائر في تصفيات كأس العالم 1990، والذي دعاهم لإطلاق النار على مشجعي فريقي الاتحاد وأهلي طرابلس عام 1996، هو نفسه الذي دعا قادة التشكيلات لإطلاق النار على جماهير الاتحاد عام 2023؛ إنه الأمن من المحاسبة والحصانة من العقاب، وما دامت موجودة فجرائمهم مستمرة، ورغباتهم وأهواؤهم محققة، وسيعيثون فسادا كم عاث الذين من قبلهم، ولكن هم أيضا سيذهبون ويبقى الشعب، فهل يعي هذه المرة درسه أم يستمر في غيه ويكرر نفس أخطائه ويسلم مصيره إلى من لا يهمهم أمره؟ سنرى.