السياسي

عقيلة فقط يُتقن لعبة (الاسكمبيل)

عقيلة فقط يُتقن لعبة (الاسكمبيل)

عقيلة فقط يُتقن لعبة (الاسكمبيل)  

 

اجتماع بين رئيس مجلس النواب عقيلة صالح ورئيس المجلس الأعلى للدولة محمد تكاله، يقول ناقلوا خبر الاجتماع –الذي دعت إليه مصر- إنه يأتي لمحاولة رأب الصدع وجسر الهوة بين الجانبين فيما يخص ملف الانتخابات المقبلة، الانتخابات التي أقر عقيلة ومجلسه قانونها من جانب واحد، بل ونشره في الجريدة الرسمية، بينما يرفضه تكاله ومجلسه، ويرفض الاعتراف به وبالتعديلات التي أدخلت على نص الاتفاق الأصلي للجنة 6+6 في المغرب. 

(ويأتي هذا اللقاء في إطار التشاور المستمر بين رئاسة المجلسين، حيث استعرضا خلال اللقاء تطورات الموقف الراهن في ليبيا، واتفقا على استمرار التشاور حول الأزمة الليبية للوصول إلى حل ليبي- ليبي يُحقق تطلعات ومصالح الشعب)؛ بهذه الكلمات المقتضبة عبر المكتب الإعلامي لمجلس النواب عما دار في الاجتماع، وبكلمات تكاد تكون متطابقة وصف مكتب الإعلام بالمجلس الأعلى للدولة ما جرى في اجتماع القاهرة.

(في إطار التشاور المستمر)!!! أي تشاور مستمر والمجلسان على طرفي نقيض في الملف الأهم على طاولتهما؛ ملف الانتخابات؛ وأي تطلعات شعب يسعى المجلسان لتحقيقها حين لم يستطيعا الاتفاق على قانون تجري الانتخابات على أساسه. 

هل سيأتي هذا الاجتماع بجديد أم أنه سيلحق بالاجتماعات التي سبقته بين عقيلة، وكل الذين سبقوا تكاله بداية بنوري بوسهمين ومرورا بعبدالرحمن السويحلي ونهاية بالمشري، ذهب الجميع وبقي عقيلة صامدا يجتمع بأخلافهم، ويلاعبهم نفس لعبة الاسكمبيل بنفس القواعد وبنفس الطريقة، ويكاد يلعب بنفس الأوراق، ثم يفوز عليهم ويرحلون ويبقى! فما الذي قد يتغير في الاجتماع الجديد؟ الجواب بكل بساطة لن يتغير شيء في هذه الاجتماع، وستتعدد الاجتماعات بعده، وستظل النتيجة واحدة! 

لا توجد انتخابات في الأفق المنظور لا بهذا القانون ولا بغيره، عقيلة سن قانونا لن يقبله خصومه خاصة المتمترسين في طرابلس، واشترط لتنفيذ قانونه تشكيل حكومة جديدة لتشرف عليه! يعني لعقد انتخابات بهذا القانون علينا أولا أن نزيح الدبيبة عن عرش طريق السكة، ثم نقنع بعد ذلك رافضي قانون عقيلة للقبول به، كلا الأمرين أشبه بالمستحيل، وجمعهما معا يبدو أكثر استحالة. 

يعلم عقيلة قبل غيره أن تغيير الحكومة يستلزم موافقة المجلس الأعلى للدولة، ومع موافقة المجلس الأعلى للدولة سيحتاج معجزة لإقناع عبد الحميد الدبيبة بتسليم السلطة، وفي حال إقناعه لحليف الدبيبة –محمد تكاله- بتشكيل حكومة يصفها بالموحدة؛ فإننا حتما سنجد أنفسنا أمام حكومة ثالثة، الدبيبة لن يسلم بالمعطيات الحالية وأسامة حماد رئيس الحكومة الموازية سيشترط تسليم الدبيبة ليسلم، الدبيبة لن يسلم ومن ثم لن يسلم حماد؛ وهكذا سيسلم عقيلة سلطة وهمية لرئيس الحكومة (الموحدة) ليبحث لنفسه عن مقر جديد، ويدخل في سياق النزاع الحالي، لنجد أنفسنا بعد فترة بسيطة نبحث عن قانون انتخابات جديد سيشترط عقيلة لتنفيذه إبعاد الحكومات الثلاث وتشكيل حكومة موحدة! وهكذا. 

كما يعلم عقيلة أنه لإقناع تكاله باللحاق به في ركب قانونه الذي أقره مؤخرا سيحتاج لتقديم بعض التنازلات في مسودة القوانين، والقبول برؤية المجلس الأعلى للدولة في منع ترشح العسكريين ومزدوجي الجنسية، وهذا التنازل لا يملك عقيلة تقديمه، لأنه بذلك يوافق على إقصاء خليفة حفتر، وهو ما سيعجل بالإطاحة به من رئاسة مجلس النواب، والدفع برئاسة جديدة، قد تكون أكثر تصلبا في مواقفها، وقد تجعلنا نترحم على أيام عقيلة صالح.

الدول الإقليمية تتمترس وراء حلفائها بكل قوة، وترفض إبعادهم عن المشهد بأي طريقة، لأنها تعلم أن خلو المشهد من حلفائها يعني فقدانها لأي مصالح حالية أو محتملة في ليبيا، وبالتالي فستتمسك هذه الدول ببقاء حلفائها حتى ولو كان ذلك يعني استبعاد خيار الانتخابات، قد تبدي بعض الليونة في التعامل مع الطرف الآخر مثل التقارب الذي نشهده الآن بين تركيا والمعسكر الشرقي، أو الذي شهدناه في وقت سابق بين مصر والإمارات مع المعسكر الغربي، ولكن هذه الدول استثمرت كل أوراقها ونفوذها مع أحد المعسكرين، وتعلم أنها بالموافقة على استبعاده تخاطر بفقدان كل مصالحها، وهو ما لن تقدم عليه أي من الدول الإقليمية. 

وعلى الجانب الآخر، فإن الدول الغربية، وفي المقدمة أمريكا، تظهر اهتماما بالملف الليبي، ولكنه ليس اهتماما كافيا لجعلها تضغط لحل نهائي للأزمة، فهي تدفع بنفسها إلى الاصطفاف وراء رؤية رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عبدالله باتيلي وموقفه في ملفي الانتخابات والحكومة، ولكنها لا تظهر الالتزام الكافي بدعم هذه الرؤية، وتكتفي بتغريدات على حسابات سفاراتها في منصة إكس تعيد فيها نشر تغريدات باتيلي والبعثة، وتؤكد دعمها لتوجه الأمم المتحدة الداعي لعقد انتخابات في أقرب الآجال في ظل حكومة موحدة دون أن تقوم بضغط كاف على الأطراف المتعنتة في مواقفها، أو على الدول الداعمة لها، بل وتظهر تماهيا في بعض الأحيان مع توجهات الدول الداعمة لأطراف الأزمة يظهرها في موقف الدعم لهذه الدول وهذه الأطراف. 

وبعثة الأمم المتحدة في ليبيا ورئيسها عبد الله باتيلي يظهران ردودا فعل تبدو غريبة وغير مفهومة في أحيان كثيرة، فهي من ناحية تدعم فكرة عقيلة صالح في اشتراط وجود حكومة موحدة لإجراء الانتخابات، وتدعو لسرعة تنفيذ ذلك لتنفيذ الانتخابات مع إظهارها الدعم لما تصفه بجهود مفوضية الانتخابات في هذا الصدد، ومن ناحية أخرى تعلن تحفظها على قانون الانتخابات، وتقر بوجود عيوب فيه قد تجعل تنفيذه بعيد المنال.

كما أنها ومع تماهيها الظاهر مع فكرة عقيلة صالح باشتراط حكومة موحدة لإجراء الانتخابات؛ لا تدعم فكرة إنتاج حكومة جديدة، بل هي تميل لفكرة دمج الحكومتين الحاليتين، متغافلة عن حقيقة أن فكرة عقيلة صالح في الحقيقة لا تهدف إلا لاستبعاد عبدالحميد الدبيبة، شخصيا، والتماهي مع فكرة كهذه لن ينتج في الحقيقة إلا حكومة ثالثة، هل تعلم البعثة ذلك أم أنها تساير الأمور لتنظر كيف تنتهي ثم تتخذ موقفا منها لاحقا؟ 

ومع شبه استحالة إقامة الانتخابات في ظل القوانين الحالية والمعطيات والظروف الحالية على الأقل؛ يتبادر إلى الذهن سؤال مهم، إذا ماذا؟ 

هل تبقى الأمور على ما هي عليه؟ وإلى متى يمكننا المحافظة على الوضع الحالي؟ هل بمقدور الدولة الصمود لوقت أطول في ظل استنزاف الأموال الذي يجري منذ سنوات بصورة غير مسبوقة؟ أم هل ستنزلق الأمور لحرب جديدة؟ لو انزلقت الأمور لحرب جديدة كيف سيكون شكل التحالفات بين أطرافها خاصة مع التغيرات التي طرأت في خريطة الأحلاف والتفاهمات في السنوات الأخيرة؟

الحرب تظل فرضية واردة، وإن كانت بعيدة الاحتمال في الوقت الحالي، لا أحد يريد حربا طاحنة لا يملك ضمانات الفوز فيها، كلا الطرفين جرب وفشل، بدون دعم دولي وإقليمي لن يستطيع أي طرف أن يقصي الآخر بقوة السلاح، ورغم كثرة المغامرين، إلا أن الاعتقاد السائد حاليا هو أن كل أطراف الأزمة قد وصلت لقناعة مفادها أنها غير قادرة على الحسم العسكري، كما أن صورة التلاحم الذي أظهرها الشعب الليبي في مواجهة تداعيات السيول الكارثية في درنة وغيرها من مدن الشرق قد أعطت زخما تاريخيا للحل السلمي وأبعدت –ولو إلى حين – شبح الحرب. 

إذا ما هو السبيل لتجاوز الأزمة؟ 

السبيل لتجاوز حالة الجمود الحالية، هو البحث عن مقاربة جديدة لإجراء انتخابات نيابية فقط في مرحلة أولى، حيث يتسلم السلطة جسم تشريعي جديد يزيل الأجسام المترهلة الجاثمة على صدورنا منذ سنوات، ويشكل حكومة موحدة تقود البلاد لمرحلة انتقالية أخيرة، يتم خلالها الاستفتاء على دستور ثم إجراء انتخابات رئاسية بناء على دستور مستفتى عليه من الشعب. 

والسبيل الوحيد لتحقيق هذه الفكرة هو تجاوز أطراف الصراع الحالية التي لن تقبل أي انتخابات، ولو قبلت الانتخابات، فإنها لن تقبل نتائجها إذا كان فيها نهاية لسلطتها.

في وقت سابق لوح مبعوث الأمم المتحدة في إحدى إحاطاته لمجلس الأمن الدولي بأنه سيمنح مهلة للمجلسين للخروج بقانون انتخابات جديد وإلا، فإنه سيبحث عن حل يتجاوزهما، وقبل نهاية المهلة أنتج المجلسان لجنة 6+6 التي أنتجت قانونيها المشوهين المعيبين ذرا للرماد في العيون، وبهذا سكتت البعثة عن اقتراحها بتجاوز المجلسين وسايرتهما في مخرجات لجنتهما وكأن ذلك أراحها من عبء مواجهتهما وتجاوزهما بمقترح سيغضبهما، ولكنه سيرضي الشعب.

مثل هذا الإجراء من باتيلي والبعثة الأممية سيحتاج زخما شعبيا وهو موجود إلى حد ما، كما سيحتاج أيضا إلى توافق دولي إقليمي، وهو ما لا يظهر للعيان الآن، ولكن تحقيقه ليس بالأمر المستحيل إذا صدقت النوايا لحل الأزمة، وحتى يتحقق ذلك سنبقى تحت رحمة عقيلة ومجلسه وتكالة، ومن سيحل محله لاحقا ومجلسه، وما ينتجان من قوانين غير قابلة للتطبيق، ومن حكومات لا تحكم.