الحكومة تصرف! والشعب يحاسب؟
خلال هذا الأسبوع قفز الدولار أمام الدينار الليبي قفزة كبيرة وبشكل مفاجئ، ولم يستقر على مستوى معين حتى كتابة هذه الكلمات، ودارت أسئلة طبيعية في الشارع الليبي حول أسباب هذا الارتفاع، ولم تخرج علينا السلطة المصرفية ولا السياسية في ليبيا لتوضيح ما حدث كالعادة؟!
وتُرك الأمر لتكهنات المواطنيين، بالتالي نحاول أن نطرح هنا بعض السيناريوهات التي قد تكون سبب ارتفاع الدولار أمام الدينار الغلبان.
منذ فترة هناك بعض الاقتصاديين يتحدثون على أن حجم الإنفاق الحكومي كبير جدا بالمقارنة بحجم الإرادات التي تدخل للدولة الليبية، وأن هناك عدم التزام بالأبواب المتعارف عليها في الموازنة العامة للدولة، واختراع بعض المصطلحات مثل (المتفرقات) وتوقيع التزامات على الدولة خارج إطار الموازنة العامة المقترحة أو المتوقعة، وقد استشرف الاقتصاديون في ليبيا أن مصرف ليبيا المركزي سيطر إلى زيادة قيمة الضريبة على سعر الدولار، حتى تستطيع الحكومة تغطية العجز في الموازنة، ونتحدث هنا بالدينار الليبي، حيث المتوقع حاليا أن الحكومة صرفت حسب بعض المصرفيين أكثر من 130 مليار دينار خلال هذه السنة 2023، وأنها تحتاج حتى تغطي مصاريفها خلال الشهرين القادمين إلى حوالي 50 مليار دينار، أي بمعنى أن مجموع القيم التي ستنفقها الحكومة لكامل السنة حوالي 180 مليار دينار.
وهذا ما يؤكد تقرير مصرف ليبيا المركزي الذي نُشر على الموقع الرسمي للمصرف بتاريخ (7 / أكتوبر / 2023) حيث ذكر في الفقرة الثالثة من ملاحظاته نصاً كالآتي (بلغت إيرادات النقد الأجنبي الموردة إلى مصرف ليبيا المركزي خلال الفترة من / يناير/ 2023 إلى 31 / أكتوبر / 2023 19.7 مليار دولار، بينما بلغ إجمالي الاستخدامات والالتزامات القائمة بالنقد الأجنبي حتى نهاية شهر أكتوبر 2023 مبلغ 30.6 مليار دولار) هذا يعني أن العجز المطلوب تغطيته هو 11 مليار دولار، هذا كله ولا ننسى أن هناك التزامات شهر نوفمبر وديسمبر لهذا العام لم يشملها التقرير.
وهنا نسأل؟ كيف ستغطي قيمة العجز؟ ومن أين؟ ولطالما أن إيراداتنا بالإمكان توقعها ولو تقديريا، لماذا لا ننفق على مستوى ما ندخل من أموال؟
ما سمعناه من أغلب الاقتصاديين والماليين الذين ناقشناهم قبل كتابة هذا الجهد البسيط، أنه في الغالب ستغطى قيمة العجز، من خلال الاحتياطي النقدي من العملة الصعبة الموجود في مصرف ليبيا المركزي، هذا الاحتياطي الذي يدخل في بنيان قوة الدينار الليبي أمام العملات الأجنبية، فكلما كان الاحتياطي أكبر من النقد الأجنبي، كلما كان وضع الدينار أفضل نسبيا، وهذا ما يسمونه (تآكل الاحتياطي النقدي من العملة الصعبة).
إن المجرى العادي للأمور في الإدارة المالية للدولة، أن الموازنة العامة تُقدم من قبل السلطة التنفيذية للسلطة التشريعية على هيئة أبواب صرف، مسببة من خلالها كل قيمة، وأين ستصرف؟ وكيف ستصرف؟ وتُعْتَمَد على هذا الأساس، وخلقت السلطة التشريعية مؤسسات تتبعها للمراقبة على صرف هذه الميزانية وسمتها (مؤسسات رقابية) ولا تستطيع السلطة التنفيذية أن نقوم يتجاوز القيم المالية المخصصة لكل باب من أبوابها، ولا أن تقوم بعملية مناقلة إلا بالرجوع إلى السلطة التشريعية، وتبرر أمامها أي عملية مناقلة وأسبابها والأخيرة تقبل أو ترفض، وهذه الآلية يا رعاك الله غير موجود في ليبيا!!!
ما هو موجود في ليبيا خاصة بعد بدعة (الترتيبات المالية) التي اخترعها فائز السراج نتيجة رفض مجلس النواب منح حكومته الثقة، رغم أن مجلس النواب كان جزءاً من اتفاق الصخيرات، أن هناك (كدس فلوس) والسلطة السياسية المتمثلة في الحكومة تصرف الأموال من هذا الكُدس الموجود داخل مصرف ليبيا المركزي، والذي نتحصل عليه من بقايا مخلفات الكائنات الحية على هذه الأرض من آلاف السنين، ونعرفه نحن اليوم بالنفط.
بالتالي كل ما يحدث أن الحكومة تضع هي الموازنة وتُقرها لنفسها، وتحدد أوجه الصرف، وتغطي المصاريف كلها غير المنطقية بمصطلح المتفرقات، وتحاول قدر الإمكان أن تحافظ على رضا (صاحب مصرف ليبيا المركزي) الذي يعتبر هو المتصرف في (كدس الفلوس) إن رضا على السلطة التنفيذية يطلق يدها في (كدس الفلوس) وإن غضب منها يقفل بمفتاحه الذهبي باب المصرف المركزي، ويعلن نهايتها.
لهذا دائما صاحب المصرف المركزي على حق؟!