علاش الدبيبة شكل جيش لرد دعاب؟ (غريان الإشارة)
منذ أقل من شهر نشب صراع داخل مدينة بنغازي، نتيجة محاول المهدي البرغثي وزير الدفاع السابق في حكومة الوفاق الوطني تجميع أنصاره، وزعزعة الأمن داخل المدينة، هكذا كان وصف قيادة الرجمة في بنغازي ما حدث في المدينة، وقد توجهت أصابع الاتهام لحكومة الدبيبة كونها وراء هذا التحرك العسكري، خاصة أن الأخيرة ادانت الصدام العسكري الذي حصل في بنغازي، وحملت قيادة الرجمة مسؤولية أمن واستقرار المدينة، وطالبت بإرجاع الاتصالات التي كانت قد انقطعت على المواطنين في المنطقة الشرقية بالكامل، الأمر الذي جعل العديد من الناس تعتقد أن ما حدث في غريان هو فقط رد فعل عن ما حدث في بنغازي، خاصة وأن عادل دعاب الذي انضم إلى قوات الرجمة عندما قادت هجومها على طرابلس في ( أبريل 2019 ) تمكن من السيطرة على المدينة خلال ثلاث ساعات فقط …
لكن السؤال هنا، هل ما حدث في غريان هو فقط رد فعل لما حدث في بنغازي؟ وإذا كان كذلك هل يستحق الأمر أن يشكل الدبيبة جيشاً لاسترجاع غريان من مجموعة مسلحة قوامها لا يتعدى العشرين آلية عسكرية؟
لكن قبل ذلك دعونا نتعرف على غريان من المسافة صفر …
تكمن أهمية غريان الاستراتيجية في قربها من العاصمة طرابلس وموقعها في شمال غرب ليبيا، ويوفر موقعها المرتفع على جبال نفوسة نقطة مراقبة وسيطرة على طرق النقل الرئيسية، وتسمح السيطرة على غريان بالتأثير في الطرق الرئيسية التي تربط طرابلس بأجزاء أخرى من البلاد، بما في ذلك المنطقة الجنوبية والحدود التونسية، وهذه الميزة الاستراتيجية تجعل من غريان رصيد قيم لأي فصيل يسعى إلى توسيع نطاق سيطرته في غرب البلاد.
كما يلعب الموقع الجغرافي لمدينة غريان دوراً حاسماً في أهميتها حيث تُطل على سهول ووديان، توفر هذه التضاريس المرتفعة ميزة دفاعية طبيعية، مما يجعل من الصعب على القوات المعارضة الاستيلاء على المدينة أو السيطرة عليها، وبشكل عام فإن موقع غريان الاستراتيجي وأهميته التاريخية ومزاياها الجغرافية تجعل منها مدينة مؤثرة في ليبيا يمكن أن تؤثر سيطرتها على توازن القوى في المنطقة ولها آثار على التجارة والأمن والديناميكيات السياسية داخل البلاد.
في الوقت نفسه يعتبر التوازن الأمني في مدينة غريان بعد حرب طرابلس الأخيرة غير مستقر نسبيا، حيث تمكن لواء غريان الموجود في معسكر (سحبان) في منطقة أبورشادة التي تعتبر أسفل غريان من السيطرة على المدينة، وشاركه في ذلك جهاز دعم الاستقرار، الذي تمكن من فتح فرع له في المدينة، كل المعلومات الواردة من أهالي غريان تقول بإن القوتان سيطرتا على كل مفاصل الدولة داخل المدينة، ومن ضمنها المجلس البلدي، ولم يقدموا نموذجاً أمنياً ملائما ليكوًن لهم تأييد شعبياً.
في الوقت ذاته بدأت مجموعات من أنصار عادل دعاب الذي غادر المدينة مع قوات الرجمة بعد هزيمتهم في طرابلس بالرجوع إلى المدينة بشكل تدريجي من مدة زمنية تقارب السنتين، الأمر الذي جعل لدعوة دعاب أنصار داخل المدينة، والذي بدوره سهل عملية السيطرة على المدينة خلال ساعات قليلة، وبأقل أضرار بشرية.
أيضا لم يكن قرار دعاب بالرجوع إلى المدينة والسيطرة عليها مجددا ليمر دون موافقة وقد يكون مباركة اللواء الرابع بقيادة أسامة جويلي، حيث تبسط قوة الجويلي سيطرتها على مساحة شاسعة تبدأ من منطقة الهيرة في باطن الجبل وصولا إلى الحدود الليبية التونسية قرب نالوت، الأمر الذي يجعل من المستحيل أن تتمكن قوة عسكرية من الدخول بسهولة لغريان دون مباركة أسامة جويلي.
الجويلي الذي يعرف غريان جيداً، حيث كان هو قائد معركة استرجاع غريان من قوات الجنرال حفتر في حرب طرابلس، وإسقاط غرفة عمليات الرجمة، وانسحابها هي ومؤيدوها من غريان، الأمر الذي شكل نقطة تحول في مسار المعركة بعد ذلك، أيضا الجويلي على قطيعة مع حكومة الدبيبة، وقد ذكرت مصادر كثيرة على حالة التقارب التي حصلت بينه وبين الجنرال حفتر، ووصلت المعلومات عن زيارة كانت قد رتبت بين الرجلين، لهذا مرجح جدا أن يكون الجويلي جزءاً من حركة دعاب الهوائية.
ويبدوا أن هذا ما جعل الدبيبة يُشكل جيشاً لاسترجاع غريان، حيث الرسالة لم تكن لدعاب، بل لمن سمح لدعاب أن يمر، وفرصة في الوقت نفسه لبسط السيطرة على الجبل بالكامل وصولا إلى مزدة، وهي آخر نقطة تماس مع قوات الرجمة المتمركزة في الشويرف، وهذا ما يؤكده الواقع، حيث وصلت قوات غرفة العمليات المشكلة بالقرار رقم (445) بقيادة المقدم؟ عبد السلام الزوبي، حيث ضم القرار كل التشكيلات العسكرية والغير عسكرية الموجودة في طرابلس وخارجها، أو بالأحرى كل التشكيلات الذي يستطيع الدبيبة أن يستعين بها، والتي خرجت بعتاد عسكري وعدد أفراد، وحركة طيران مسير، يعطي إيحاء أنها ستقابل جيشاً جرارا ، وليس دعاب ومعه 40 مقاتلاً، وبعض الآليات العسكرية البسيطة.
إن الدبيبة أراد بهذا المشهد أن يبين للجميع أنه مستعد للحرب إن وجبت ، كما حاول أن يبين إنجازه في توحيد كل هذه التشكيلات التي لم تتوحد إلا ضد الجنرال حفتر في حرب طرابلس تحت قراره وإمرته، كما استعرض أمام كل القوى المعارضة له مقدرته على إدارة الخلافات التي كانت وما زالت موجودة بين كل هذه التشكيلات، فرصة أيضا لتحصين نفسه من خطر الجويلي، وإدخال قوة له لحماية حكومته في طرابلس وتحصينها من أي اعتداء قد يحدث مستقبلا.
لهذا دعاب أول باب لنهاية حلم الانتخابات!!!