السياسي

علاش ماقدرناش إنديرو انتخابات ؟

علاش ماقدرناش إنديرو انتخابات ؟

علاش ماقدرناش إنديرو انتخابات ؟

(الدواعي والموانع وسقف التوقعات)

 

 

 

الدواعي

لا يخفى على أحد أهمية إقامة انتخابات في ليبيا خاصة في هذه الفترة بعد تآكل هياكل السلطة وتبخر رصيد الشرعية لدى كل من يدعيها، فلا توجد في البلاد حاليا سلطة تشريعية أو تنفيذية حقيقية تستمد أحقية وجودها من قواعد دستورية حاكمة تم التوافق عليها عن طريق الأدوات التقليدية لذلك، فكل ما هنالك الآن هو مجلس نواب انتخب في سنة 2014 على أن يبقى في السلطة حتى نوفمبر 2015 كحد أقصى لا يحق له أن يمدد لنفسه بعده إلا باستفتاء شعبي وهو ما لم يحدث، ناهيك عن صدور حكم من الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا يقضي ببطلان التعديل الدستوري السابع الذي أجراه المؤتمر الوطني العام على الإعلان الدستوري والقاضي بتبني مقترحات لجنة فبراير التي سبق للمؤتمر الوطني العام أن شكلها بناء على قراره رقم 12 لسنة 2014 وأسند إليها مهمة إعداد مقترح لتعديل دستوري وقانون انتخابات.

أضف إلى مجلس النواب متهالك الشرعية؛ جسم استشاري اتفق على تسميته المجلس الأعلى للدولة يتكون من أعضاء المؤتمر الوطني العام الذين سبق وأن انتخبوا في أول انتخابات عامة شهدتها البلاد بعد انتفاضة فبراير في يوليو 2012، وكان يفترض أن تنتهي مهامهم فور استلام مجلس النواب المنتخب مهامه في أغسطس 2014، إلا أن تعقيدات سياسية وعسكرية حالت دون ذلك لتدخل البلاد في مرحلة انقسام مؤسسي كامل بين معسكرين شرقي وغربي.

استنفذ هذان الجسمان رصيدهما من الشرعية منذ زمن سحيق وأصبحا يستمدان شرعية بقائهما من الاتفاق السياسي الذي وقع في ديسمبر سنة 2015، ورغم عدم اعتراف مجلس النواب الصريح بالاتفاق السياسي ورغم المخالفات المتكررة من كلا الطرفين لهذا الاتفاق؛ إلا أنه عمليا وواقعيا يبقى هو ورقة التوت الأخيرة التي تستر عورات هذين الجسمين.

وعلى المستوى التنفيذي؛ فقد أنتج الجسمان المتصارعان في ليبيا (مجلس النواب وخصمه المؤتمر الوطني العام وخلفه المجلس الأعلى للدولة) عدة حكومات لم تتمتع أي منها بسيطرة مطلقة على كل البلاد؛ بل ولم تتمتع بالسيطرة المطلقة حتى على مناطق نفوذها.

وحتى حكومة الوفاق الوطني التي انبثقت عن الاتفاق السياسي الذي يفترض أنه أنهى مرحلة الانقسام المؤسسي؛ حالت التعقيدات السياسية والعسكرية دون بسط نفوذها على كامل البلاد التي ظل جزء كبير منها تحت سيطرة سلطة أمر واقع الكل يعرفها ولا أحد يذكرها.

خلال هذه السنوات حاول المجتمع الدولي –أو ادعى- التوسط بين الخصوم وتسيير جهود المساعي الحميدة لخفض التوتر ونزع فتائل الأزمات المتعاقبة، غير أن كل الجهود منيت بفشل ذريع كان أبرز ملامحه الأحداث التي أعقبت أبريل 2019 ومحاولة أحد الأطراف السيطرة على العاصمة بقوة السلاح وهو ما أعاد شبح الانقسام وأودى بكل جهود الوساطة.

كل ما ذكر سابقا يجعل إقامة انتخابات عامة في البلاد مطلبا حتميا لا محيد عنه كونها الوسيلة الوحيدة لتجديد هياكل السلطة عن طريق تصويت شعبي مباشر يمنح تفويضا لأجسام جديدة بشرعية جديدة تنهي الأجسام السابقة وتضع حدا نهائيا لمرحلة انقسام المؤسسات التشريعية والتنفيذية والعسكرية والأمنية.

الموانع

غياب الإرادة الحقيقة من المجتمع الدولي وغياب الموقف الموحد يعتبر من أهم ملامح الأزمة الليبية، ففي ليبيا اجتمعت النقائض بشكل مثير للاستغراب حيث تدعم فرنسا وروسيا الخصمان اللدودان طرفا واحدا في الأزمة الليبية بينما تعدم بريطانيا وإيطاليا اللذان يفترض أنهما حليفتان لفرنسا الطرف الآخر، وفي ليبيا تقف تركيا وروسيا على طرفي نقيض بينما تلتقي مواقفهما في مواقع أخرى، وفي ليبيا تتخلى أمريكا عن دور القيادة وتترك مقعد السائق لغيرها رغم ادعائها الاهتمام بالملف الليبي، وفي ليبيا يظهر جليا عجز الأمم المتحدة ومجلس الأمن عن تبني موقف موحد من الأحداث العالمية ليفشل مجلس الأمن حتى في اعتماد مقترحات الأمين العام للأم المتحدة لاختيار مبعوثه الخاص إلى ليبيا ليضطر الأخير إلى تعيين مستشار بصلاحيات واسعة ويسند هذه المهمة للأمريكية ستيفاني وليامز التي رفضت روسيا أن تكون رئيسة لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا.

غياب الموقف الدولي الموحد ترك المجال للدول الراغبة في فرض أجندتها في ليبيا للتحرك بأريحية كبيرة عن طريق أذرعها الظاهرة والخفية، ولأن هذه الدول لا تريد خسارة مواقعها فإنها لا تستطيع أن تغامر بالسماح بإقامة انتخابات غير مضمونة النتائج قد تلقي بأذرعها خارج اللعبة وتخرج من المغنم خالية الوفاض.

أضف إلى ذلك أن معظم من هم في السلطة حاليا مستعدون لعقد كل أنواع الصفقات مقابل البقاء في السلطة وعدم تسليم أمرهم لصندوق الانتخابات الذي قد –ومن المرجح- أن يلقي بهم خارج اللعبة، فواقعيا ليس من مصلحة أحد –باستثناء الشعب- في هذا الوقت بالذات أن تقام انتخابات في بلاد يرى كل سكانها أن الأزمات التي عاشوها طوال السنوات الماضية هي من إنتاج من هم في السلطة حاليا على اختلاف مواقعهم.

ولا أستطيع أن أجزم؛ أبحسن نية أو بسوئها صاغ مجلس النواب قانونا للانتخابات قد يرى كثيرون أنه غير قابل للتنفيذ، ورغم ما ظهر به من عيوب أسهب القانونيون في كشفها منذ صدوره؛ إلا أن المفوضية العليا للانتخابات تلقفته فور صدوره وبدأت في العمل على أساسه رغم ما شاب إصداره من مناكفات لعل أهمها رفض المجلس الأعلى للدولة له واحتجاجه على عدم إشراكه في المشاورات التي أدت إلى صدوره رغم أنه الشريك السياسي لمجلس النواب حسب ما ينص عليه الاتفاق السياسي.

ومع اتساع رقعة الاحتجاج على هذا القانون، ومع صدور تعديلات له من رئيس مجلس النواب بدون جلسة رسمية للمجلس تنسب إليها هذه التعديلات؛ إلا أن المفوضية استمرت في العمل على أساسه رغم علمها باستحالة نجاح الانتخابات وهو ما بدا ظاهرا في تصريحات لرئيس مجلس إدارتها أثناء فترة الإعداد لها وبعد فشلها، الأمر الذي زاد من حدة الانتقادات الموجهة للمفوضية ولحقيقة حياديتها وإمكانية إشرافها المهني على عقد هذه الخطوة المفصلية في تاريخ هذا الشعب.

وقد يرى البعض أن قيام المفوضية منذ الأيام الأولى لصدور القانون المعيب بتعليق الملصقات وفتح باب التسجيل ثم تسليم بطاقات الناخبين وما شاب ذلك من اختراقات جسيمة وموثقة؛ قد يرقى إلى درجة الخداع والتضليل ويضع المفوضية أو إدارتها الحالية في دائرة الشك والشبهة وقد يهدم أي فرصة لإشرافها على انتخابات نزيهة وشفافة.

سقف التوقعات

  • ينص قانون الانتخابات الذي أقره مجلس النواب في شقه المتعلق بالانتخابات التشريعية على أن يتم الترشح لانتخابات مجلس النواب الجديد على أساس القوائم الفردية ويمنع مشاركة الأحزاب، وهو ما سيضعنا حتما أمام مجلس نواب جديد على غرار الذي انتخب بنفس الآلية سنة 2014.

أي أننا سننتخب مجلسا يتم تشكيل الولاءات فيه على أساس قبلي وجهوي وأيديولوجي وفي معظم الأحيان مصلحي، لأن غياب الأطر الحزبية المنظمة للعمل السياسي سيغيب عن مجلس نوابنا القادم كما غاب في مجلس نوابنا الحالي ويترك البلاد رهينة لطموحات شخصية لأفراد سيترشح جزء كبير منهم على أساس المغنم الفردي الذي تعزز في وجدان الشعب بعد ما رأوه خلال العقد الماضي من إثراء غير منطقي لبعض أعضاء الأجسام التشريعية، وبهذا فإن مجلس النواب الذي سينتخب على أساس القانون الذي أصدره مجلس النواب لن يعبر عن وجدان الشعب ورغبته ولن يسعى غالبا لحل الأزمات التي يعاني منها الشعب بل ربما يفاقمها.

  • إن الشرعية المتهالكة التي يعتصم بها أطراف الأزمة الليبية احتاجت لقوة عسكرية تسندها، وهذه القوة العسكرية احتاجت لغطاء شرعي يحميها ويشرعن تحركاتها.

بعض هذه القوى العسكرية طورت مع مرور الزمن رغبة جامحة في الحكم المطلق وأصبحت تتصرف على هذه الأساس وأصبح العالم يتعامل معها على أساس أنها قوة أمر واقع تشارك في الحوارات وتدعى إلى المؤتمرات وترسل إليها الوفود والسفارات مع أنها على الورق تابعة لأحد المعسكرين السياسيين وهي بذلك ممثلة في أي حوار دون أن تشارك فيه مشاركة مباشرة.

هذه الرغبة الجامحة في الحكم المطلق جعلت الانتخابات بالنسبة لهذه القوى مجرد وسيلة لوصولها هي دون غيرها إلى السلطة، وصرحت قيادات هذه القوى بأنها لن تعترف بانتخابات لا تكون هي الطرف الفائز فيها، معتبرة خسارتها في الانتخابات دليلا دامغا على تزويرها، وبالتالي فإن أحد أبرز موانع إقامة الانتخابات هو عدم وجود أي ضمانات للقبول بنتائجها؛ فلا ضمانة لأن تقبل هذه القوى بخسارتها؛ وفي حال فوزها فلا ضمانة لقبول خصومها العسكريين بالنتائج، وكأن الأمور ليست معقدة بما يكفي كما هي؛ زاد ترشح سيف الإسلام القذافي نجل معمر القذافي إلى الانتخابات الرئاسية الطين بلة، حيث أن فوزه بالانتخابات لن يكون مقبولا من أي طرف، كما أنه وأنصاره لن يتقبلوا هزيمته وسيعتبرون الانتخابات مزورة دون شك لأنهم يعتبرون نجاحه مضمونا.

ولهذا فإن الانتخابات التي لم يشهد قانونها إجماعا واسعا، وتشرف عليها مفوضية لا تتمتع بالحياد والمصداقية في اعتبار بعض أطراف الأزمة، ويشارك فيها متنافسون لا يجمع بينهم إلا عدم الثقة في بعضهم؛ من غير المحتمل أن تنتج وضعا أفضل من الذي عقدت في الأساس لتغييره.