من يراقب ضمير المجتمع
(مجزرة أبو سليم أنموذجاً)
أحكام القضاء هي عنوان الحقيقة كما أن النيابة العامة هي ضمير المجتمع ، كذلك السلطة المطلقة هي (شر مطلق ) مالم تقيد ، لم يقف عقلي عن تدبر آلية عمل الموسسة القضائية طيلة السنوات الماضية ،
وكباحث في مجال القانون دائما ما كانت السلطة المطلقة وغير المقيدة أو لنقل غير خاضعة للرقابة كالتي تتمتع بها مؤسسة القضاء بجميع مكوناتها «محط نقاش» ، ومن منطلق أننا سلمنا مصير عدالتنا إن صح التعبير لهذا الجهاز وأحطناه بالحماية الكاملة من تدخل أي جهاز آخر من أجهزة الدولة في عمله، هذه الحماية اعتقدنا أنها تعطيه القدرة على إصدار أحكامه ، والقيام بمهامه بشكل أكثر دقة واستقلالية، بل وذهبنا الى أبعد من ذلك عندما سلمنا بأن يكون الجهاز الرقابي على أعمال القضاء هو من داخل بنيانه الهيكلي ، حيث يعتبر (جهاز التفتيش القضائي ) هو جزء من الإدارات القضائية وذلك عملا بمبدأ ( القضاء يراقب نفسه ) ولأن فكرة (الحركة القضائية ) يخضع لها كل عضو في الهيئات القضائية بما فيها جهاز التفتيش القضائي نفسه الذي يشرف على تنفيذ هذه الحركة ، أي يعني بهذه الصورة نحن نتكلم على أن المراقبة والمحاسبة والمتابعة والتقييم والتقويم كل هذه الضوابط هي خاضعة لنفس الأشخاص ونفس الجهاز، وهذا ما يعطي مساحة للشك ، حيث من الطبيعي أن نجد شخصا هو اليوم قاضي خاضع للتفتيش القضائي ونجده غدا داخل جهاز التفتيش القضائي نفسه ، وبالتالي يكون الجميع حريصا على بعضه ، وبصراحة تنتفي هنا القدرة الحقيقية على المراقبة الصحيحة ، بل إن معايير المراقبة تخرج من نفس الجهاز ، عطفا على ان أي عضو من أعضاء الهيئات القضائية يصل الى درجة (مستشار ) يصبح غيرخاضع أصلا للتفتيش القضائي ، أي بمثابة الحكم المسبق على كل المستشارين بعدمية حدوث الخطأ من قبلهم ، نحن نتحدث هنا عن عملية تنزيه كاملة ؟! وهذا ما نراه تفسيرا دقيقا للمثل القائل ( من أمن العقاب ، أساء الأدب ) .
إلا أنه عندما نرى الجانب العملي لهذه المعايير والقيم نجد أن هناك خللا قد يحدث وهذا طبيعي ، فهذا الجهاز المبجل هو في النهاية يتكون من عنصر بشري قابل لفكرة الخطأ والصواب في نهاية الأمر ، ومبدأ مراقبته وتقييمه وتقويمه فكرة منطقية ويتضح كلامي في العديد من القضايا الكبيرة التي لم يكن فيها القضاء إن صح التعبير مستقلا وفقا لمعاييره ، وقد تعرضنا كمجتمع كنا قد سلمنا لهذا الجهاز حماية قيمنا ومسار عدالتنا إلى نوع من الخذلان ، وذلك انطلاقا من أن القضاء رغم أنه مقيد بتطبيق القانون في مساريه المباشر (التمسك بالنص ) أو غير المباشر (تفسير النصوص ) الا أنه في نفس الوقت قضيته الأساسية التي خوله الشعب أن يقوم بها هي تطبيق العدالة والوصول إلى الحقيقة ، وعندما نجد نحن كشعب أن هذا الجهاز قد غلب في بعض الأحيان مصلحة صورته ووضعه على حساب مصلحة مصدر السلطة وهو الشعب هنا يجب أن نفكر في مصلحتنا وهذه المساحة التي أعطيناها لهذا الجهاز ، وسأنزل هذا الكلام على مجموعة من الأحداث التي كان فيها القضاء بعيدا على ما خوله له الشعب ولا يخالف في نفس الوقت صحصح القانون .
من منا لا يعرف مجزرة سجن أبوسليم الذي قام بها نظام معمر القذافي في تسعينيات القرن الماضي والتي حاول النظام بعدها أن يطمس كل علامات جريمته طيلة سنوات ، وتتضارب الروايات بشأن تفاصيل وأسباب "المجزرة" التي وقعت بسجن بوسليم يومي 28 و29 يونيو/ 1996؛ وتقول روايات أهالي السجناء القتلى ومنظمات حقوقية ليبية كانت تقيم في الخارج قبل الثورة الليبية 2011 إن قوات خاصة تابعة لنظام العقيد معمر القذافي داهمت سجن بوسليم، وقامت بإطلاق النار على السجناء الذين تنتمي أغلبيتهم إلى التيار الإسلامي، بدعوى تمردهم داخل السجن بعد تنظيمهم اعتصاما مفتوحا طالبوا خلاله بتحسين ظروف الاعتقال ، وتشير تلك الروايات إلى أن تلك القوات الليبية قتلت خلال العملية 1275 سجينا وهو ما يعد إعداما خارج إطار القانون، ثم قامت بدفن الجثث في باحة السجن، وكذلك في مقابر جماعية متفرقة في ضواحي العاصمة طرابلس ، فقد قال محتجز سابق في هذا السجن لمنظمة هيومن رايتس ووتش عام 2003 إن أحداث العنف اندلعت عندما احتجز سجناء حارسا كان يحضر لهم الطعام، وخرج المئات من عنابرهم للاحتجاج على القيود المفروضة على الزيارات العائلية وظروف المعيشة السيئة بالسجن، وذكر أن قوات الأمن نقلت مئات السجناء إلى ساحات مختلفة وفتحت النار عليهم بأسلحة ثقيلة وبنادق طوال مدة تجاوزت نصف ساعة.
وأوضح بيان أصدرته يوم 25 يونيو/ 2004 منظمة "التضامن لحقوق الإنسان" الليبية التي تبنت طرح القضية أمام اللجنة المعنية بحقوق الإنسان التابعة للمفوضية العليا لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة استنادا إلى من قالت إنهم مواطنون ليبيون كانوا معتقلين خلال المدة من 1984-2003 داخل سجن بوسليم ، أن المذبحة أعقبت احتجاجا وقع في السجن عند الساعة الثانية من ذلك اليوم "أمكن احتواؤه وإعادة الأمور إلى نصابها" ، إلا أن المنظمة تقول حسب شهود عيان إنه بعد تسع ساعات (أي حوالي الساعة الحادية عشرة قبل ظهر نفس اليوم) بدأت المذبحة باستخدام أسلحة فتاكة، ومن النزلاء من أُحضِر من عنابر أخرى وضمَّ إلى المجموعات التي تم قتلها. وتضيف المنظمة أنه لم يتمكن سجين واحد من الهرب ولم يقع أي استيلاء على أي قطعة سلاح.
أما الرواية الرسمية فتشير إلى أن السجناء أعلنوا تمردهم على سلطات السجن وقاموا باحتجاز شرطي داخل السجن، فقد قال سيف الإسلام القذافي في أغسطس/ 2008 -حين كان يتولى ملف تسوية الحادثة أيام حكم والده إن عملية القتل وقعت أثناء "مواجهة بين الحكومة ومتمردي" الجماعة الليبية المقاتلة ، وفي يوم 8 سبتمبر/أيلول 2009 صرح القاضي المكلف رسميا بالتحقيق في الواقعة الليبي محمد بشير الخضار (تولى منصب المدعي العام العسكري وعمل مستشارا لدى المحكمة العليا العسكرية و"مؤتمر الشعب العام" أي البرلمان الليبي في عهد القذافي) بأن لديه الكثير من الوثائق حول الحادث، الذي قال إنه أسفر عن مقتل 1200 شخص منهم أكثر من مائتي حارس في السجن، لكن رابطة أهالي القتلى تؤكد أن عدد حراس السجن لم يكن يتجاوز 30 حارسا أصلا.
وكان أول تناول رسمي للواقعة هو إقرار العقيد القذافي بها إثر مناقشات جرت بينه وبين ممثلين لمنظمة العفو الدولية أثناء زيارتهم لليبيا في فبراير/ 2004 ، وفي 18 أبريل/ 2004 أمر القذافي في كلمة له خلال اجتماع المجلس الأعلى للهيئات القضائية بليبيا بفتح تحقيق في القضية، وبإبلاغ أسر وأقارب وذوي الضحايا في الحادثة ، وفي مارس/ 2009 بدأت أجهزة الأمن الليبية تبليغ نحو ثلاثمائة عائلة من أهالي ضحايا الحادثة بوفاة ذويهم، إثر تصاعد تحركات الأهالي عبر الوقفات الاحتجاجية أمام مقار مراكز القرار، قائلين إن "شهداء بوسليم ليسوا أقل شأناً من ضحايا قضية لوكربي" ، وقد اعتادوا التظاهر سلميا صباح كل سبت أمام محكمة شمال بنغازي لإدانة الجريمة ومطالبة الدولة بالوفاء بكافة المواثيق الدولية التي وقعت عليها ، وفي 30 يونيو/ 2010 قالت منظمة العفو الدولية بمناسبة الذكرى الـ14 للحادثة إن السلطات ادعت أن الوفيات حدثت أثناء تبادل لإطلاق النار بين الحراس والسجناء الذين حاولوا الهروب، لكن سجناء سابقين أكدوا أن الحراس أطلقوا النار بلا تمييز على السجناء الذين كانوا خارج الزنزانات، مما أدى إلى سقوط هذا العدد الكبير من الضحايا.[1]
من هنا تبدأ أولى الاستفهامات على أداء جهاز القضاء المستقل وتحديدا جهاز النيابة العامة الداخل في بنيانه حيث لو سلمنا جدلا أن النظام السياسي في ذلك الوقت قد عمل على طمس جريمته عندما قام بها في البداية فمن المؤكد أن النيابة علمت بالتقارير الدولية التي صدرت من منظمات عدة منذ سنة 2003، إضافة إلى السؤال المتكرر من قبل أهالي الضحايا عن ذويهم ولم يجدوا جوابا ، ومثل هذه الجرائم تعتبر النيابة العامة هي صاحبة الاختصاص في تحريك الدعوى الجنائية ، انطلاقا من كونها ضمير المجتمع والصوت العادل المجلجل الذي يدافع عنه أمام تغول السلطات الأخرى، وأيضا هي وفقا للقانون في مثل هذه الجرائم الجنائية لم يلزمها الأخير انتظار شكوى المتضررين ، بل خولها وحملها مسؤولية تحريك الدعوى الجنائية متى ما وصلت لها معلومات تفيد أن هناك جريمة ارتكبت وهذا ما لم يقم به ضميرنا العادل !!
المسألة الأخرى في هذا السياق هو ما قام به نظام معمر القذافي عندما اعترف بالمجزرة منذ سنة 2004 كما هو مبين فيما أسلفنا، هذا الأمر الذي يجعلنا نسأل أين دور النيابة العامة في تحريك الدعوى الجنائية وخاصة بعد اعتراف قيادة النظام بوجود جريمة، حيث انتظرت منذ وقوع الجريمة سنة 1996 حتى 2004 عندما طلبت منها القيادة السياسية أن تحقق في المجزرة حينها يبدو أن ضميرنا تحرك، هذا الضمير الذي كنا نعتقد حتى حينها أنه يعبر عنا ولا يعبر عن النظام السياسي للدولة ؟!!
بعد ذلك وبمرور المدة وحتى كتب القدر فصلا جديدا في تاريخ شعبنا، هذا الفصل كان عنوانه اسقاط نظام معمر القذافي ووصول الليبيين الى فرصة حقيقية لاستيفاء حقوقهم من جديد ومحاسبة كل من أجرم في حقهم خلال هذه السنين العجاف ،كان في حينها للقضاء نظرة أخرى تختلف عن ما يصبو إليه الشعب حيث أصدرت محكمة استئناف طرابلس في جلستها المنعقدة بتاريخ 15 / ديسمبر / 2019 حكمها في القضية رقم 2014/ 100بسقوط الجريمة لإنقضائها بمضي المدة ، المتعلق بقضية مذبحة سجن أبوسليم وجاء منطوق الحكم على النحو الآتي:
«بعد الاطلاع على الأوراق والمداولة والاطلاع على المواد – 210 -275 – 345 – 348- ق أ ج، وعلى المادتين 105 و107 من قانون العقوبات العامة.
بسم الله حكمت المحكمة للمتهمين الثالث والعشرون/ أحمد سعد الفرجاني الزغداني، والتاسع والأربعون/ ميلاد سالم سليم الصادق، والثالث والسبعون/ عمر أرحومه سالم الحداد، والرابع والسبعون/ الشيباني عبدالسلام الشيباني، والخامس والثمانون/ محمد مسعود اصليل، بسقوط الجريمة المنسوبة إليهم لوفاتهم قبل الإدانة، وحكمت المحكمة غيابيا للمتهمين التاسع / سعيد الأعور، والتاسع والسبعون/ مصباح معمر المهدي، وحضورياً لباقي المتهمين بسقوط الجريمة المسندة إليهم بمضي المدة».[2]
وهذا يعتبر فصلا ثانيا من فصول موقف القضاء العادل أمام مصير مجزرة ارتكبت في حق ضمير المجتمع ، وهو أنه لجأ إلى مسلك قانوني هو في حقيقة الأمر صحيح وهو الحكم بتقادم المدة المقرر قانون في وقت ارتكاب الفعل المجرم ، لأن النظام القانوني الليبي كان يعمل بفكرة تقادم الجريمة في ذلك الوقت وعاد في وقت آخر وألغى هذه المسألة ، إلا أنه انطلاقا من العمل بمبدأ (القانون المعمول به وقت ارتكاب الجريمة ) فبالتالي هنا تعتبر الجريمة قد تقادمت بمضي المدة
، رغم أنه هناك من يرى ان للقضاء مسلك آخر يتطابق أيضا نسبيا مع صحيح القانون وهو أنه في هذه المدة كانت هناك قوة قاهرة واستحالة فعلية في اتهام رموز النظام من قبل أهالي الضحايا بارتكاب هذه الجريمة الأمر الذي يؤدي إلى وقف احتساب المدة إلى حين زوال ظرف القوة القاهرة ، والذي لم يزال إلا بعد اندلاع الثورة ، وحينها يمكن البدء في احتساب المدة القانونية انطلاقا من نفسل المبدأ الذي اعتمدت عليه المحكمة في حكمها الصادر ، الا أنها فضلت أن تسلك الطريق الأول لأنها أرادت أن تثبت لليبيين أنها لم تكن خاضعة للقرار السياسي في ذلك الوقت وأن ضميرهم كان صاحيا ولم يتم تخديره سياسيا ، وفضلت في الحقيقة صورتها على الوصول للحقيقة .
نعم هذه الحقيقة التي تعتبر مناط وجودها وتخويل الشعب لها في أن تكون عنوانا لها ، بل إن الذهاب إلى المسار الأول الذي انتهجه القضاء في حكمه المذكور يعطينا شرعية السؤال عن ما هو دور القضاء في التعامل مع هذه القضية طيلة السنوات الماضية ؟ ولماذا وقف يشاهد السنوات تمر وهو على علم بتقادم الجريمة وفقا للنص المعتمد عليه في حكمه السالف الذكر دون أن يقوم بعمله المناط به ؟ أم أن ضميرنا قد أخضع بطريقة غير مباشرة او مباشرة للسلطة السياسية طيلة هذه السنوات حتى وصلنا إلى هذا المشهد الصعب الذي نرى فيه حقوقنا تضيع تحت لواء القانون واعتقادنا المزيف باستقلال قضائنا ؟!
ثم رجع بعد ذلك القضاء بتاريخ 15 يونيو 2022 حيث قضت الدائرة الجنائية الأولى بمحكمة استئناف طرابلس، بعدم الاختصاص ولائياً بنظر الدعوى في قضية ضحايا سجن أبوسليم، وإحالة ملف القضية إلى القضاء العسكري.
و قد أسست المحكمة حكمها على عدة أسانيد قانونية منها التعديل الوارد بقانون العقوبات العسكري بموجب ( القانون رقم 4 لسنة 2017م بشأن تعديل بعض أحكام قانوني العقوبات العسكرية و الإجراءات العسكرية) و الذي نص في المادة الأولى منه على (تسري أحكام هذا القانون على 1. العسكريين 2. المدنيون العاملون بالجيش الليبي في حالة النفير 3. الأسرى العسكريين 4. المليشيات المسلحة 6. مرتكبي جرائم الإرهاب(.
والذي يبدو من ظاهر الحال أن المحكمة قد بنت عقيدتها على أنه متى كان من يتهم بارتكابه لهذا الفعل و مشاركته فيه و التحريض عليه هم من العسكريين، بذلك يطمئن وجدانها لما انتهت إليه. ومن جهة أخرى فإن هذا الحكم يمثل مهرباً من قضية جثمت على صدر القضاء أعواما، لكن هل الحكم بعدم الاختصاص الولائي هو الحل؟
الاختصاص الولائي أو (الوظيفي) يحدد الجهة القضائية التي يدخل النزاع في اختصاصها، ويُقصد به توزيع العمل بين الجهات القضائية المختلفة "القضاء العادي والقضاء العسكري في هذه الحالة" فهل حكم محكمة استئناف طرابلس يلزم جهة القضاء العسكري بنظر الدعوى؟ و الإجابة على هذا السؤال ببساطة ( لا ).
قد يجد القضاء العسكري نفسه مضطراً للحكم بعدم الاختصاص، باعتبار أن القضاء العادي هو من حرك الدعوى الجنائية، و أن النيابة العامة قد باشرت الدعوى واستوفت التحقيقات، وأن القضاء العادي قد حكم في هذه الدعوى قبلاً وأن المحكمة العليا قد نقضت حكم محكمة الموضوع في ذلك الوقت و أحالت الاوراق لتنظر من هيئة أخرى، و الكثير من هذه الأحكام و الإجراءات تم بعد 2017م ، أي بعد تعديل قانون العقوبات العسكري، فما الحل إن حكم القضاء العسكري بعدم الاختصاص؟.
فرضية التنازع السلبي، وهي ببساطة: تخلي محكمتين عن اختصاصهما دون الفصل في الموضوع ، وفي هذه الحالة فإن فض هذا التنازع من اختصاص المحكمة العلياً، و هي الجهة القضائية الوحيدة الموكل لها الحكم بولاية جهة قضائية ما بنظر النزاع. (المحكمة العليا هي ذات المحكمة التي نقضت حكم استئناف طرابلس القاضي بانقضاء الدعوى لسقوط الجريمة بالتقادم، وأحالت القضية لهيئة أخرى).
إن كل هذه المقدمات التي ذكرت لم يكن الغرض منها هو النيل من القضاء ، فهذا غير متصور من قبلنا لأننا لو تعمدنا ذلك فكأننا نأكل ضميرنا بكل برود ، بل الغاية الحقيقية هو الوصول لتصور قد يعطينا الأمل في تحقيق استقلالية حقيقية لقضائنا بعيدا عن الاحتمالات والانتظار متفرجين وحقوقنا تضيع وقضاؤنا مقيد
لهذا نرى أنه من الأهمية بمكان أن نجسد فكرة المراقبة على أعمال القضاء بشكل أكثر فاعلية وفي نفس الوقت لا يمس باستقلاليته ، ولا يقيد عمله حيث لو تأملنا في هذا التصور الذي يقول (أن يتم وضع إدارة التفتيش القضائي داخل البنيان الهيكلي لجهاز القضاء بجوار المجلس الأعلى للقضاء في نفس المرتبة الهيكلية ويتم انتخاب أفراده من قبل كل أعضاء الهيئات القضائية وتكون الشخصيات المترشحة لهذا المنصب من داخل الجهاز القضائي بمعايير معينة ودقيقة تضمن استقلاليتهم عن أي تأثير داخلي أو خارجي ، منها أن يكون المترشح قد تقاعد من جهاز القضاء وله تاريخ مشرف من الأحكام النزيهة والعادلة ، وأن تمنح هذه الإدارة ذمة مالية مستقلة وأن تعمل بشكل دوري على مراقبة كل إدارات المؤسسة القضائية واتخاذ الإجراءات المناسبة وفقا للقانون لتقويمه وتقييمه .
هنا نضمن أن الجهاز القضائي بجميع إداراته من أعضاء المجلس الأعلى للقضاء إلى معاوني النيابة خاضعين للمراقبة الحقيقية من إدارة منتخبة تبعيتها للشعب ومحاسبة من قبله ، ولم نمس في نفس الوقت استقلالية القضاء أو ندخل في بنيانه أشخاص غرباء عليه وهذا ما نراعيه في طرحنا هذا حتى نصل إلى مبتغانا قدر الإمكان ، ونخرج بمؤسسة حية همها حقوق الشعب الذي خولها أن تتقلد أقدس قيمة في هذه الدنيا وهي مسؤولية ميزان العدالة .
وفي الختام أود ان أستحضر فكرة تحاكي ما نناقشه على لسان القاضي أحمد الرحموني رئيس المرصد التونسي لاستقلال القضاء ( إن عدم خضوع القضاة إلى المحاسبة المجتمعية يؤدي إلى اعتبار نقدهم هو الطريق الوحيد الذي يسمح بالتعليق على أعمالهم ، كما أن الاعتراف للمواطن بحق النقد يمكنه من فرض إصلاحات على النظام القضائي إضافة إلى المساهمة في تحسين أداء السلطة القضائية ، كما أن الاعتماد على آليات الرقابة الداخلية لا يبدو كافيا بسبب ما يلاحظ من تضامن للقضاة فيما بينهم ، كما يعتبر حق الأفراد في التعليق بنزاهة عن الشأن القضائي يستمد مشروعيته من حرية التعبير وحق ممارسة ذلك من قبل جميع الفاعلين في المنظومة القضائية ) علنا نصل إلى بث الثقة من جديد في ضميرنا ليعود للشعب ومن الشعب. ...
[1] الجزيرة نت https://www.aljazeera.net/encyclopedia/events/2016/10/10 10 - 10 - 2016 – الدوحة – تقرير صحفي
[2] بوابة الوسط http://alwasat.ly/news/libya/267068 15 - ديسمبر - 2019 – القاهرة – خبر صحفي