السياسي

الانتخابات في ليبيا (حق أريد به منصب)

   الانتخابات في ليبيا (حق أريد به منصب)

 

   الانتخابات في ليبيا (حق أريد به منصب) 

 

لم تكن فكرة الانتخابات غاية في حد ذاتها، بل اختارها البشر كآلية يستبدلون بها الصدام العنيف الذي يصل للموت في صراعهم على من يُدير مواردهم، ولمّا كانت الانتخابات هي آلية للوصول إلى اختيار ثُلة من الناس تدير شأن بقية الناس بشكل سلمي، كان لزاما علينا أن نضع لها معايير تُمكن الجميع من المنافسة، دون أن نفصل هذه المعايير على أجساد أشخاص معينين، لم تعد حتى ملابسه تُطيقهم.

إن اتفقنا على هذه المقدمة، فسوف نرى أن ما يحدث اليوم من عملية تفصيل للقوانين الانتخابية في ليبيا، يعارض المنهج المنطقي للعملية الانتخابية ومعاييرها وغاياتها، حيث بعض انتظار دام قرابة العامين، خلصت لجنة6 + 6 إلى تقديم مقترحها لقوانين الانتخابات التشريعية والرئاسية، والتي كانت محملة بالعديد من قطع القماش المفصلة على أصحابها ، وتحولت هذه المقترحات إلى صيغة قانون تم التصويت عليه من مجلس النواب في انتظار تصويت المجلس الأعلى للدولة، حيث جاءت نصوص هذا القانون في حقيقة الأمر لتحافظ على استمرارية الطبقة الحاكمة  في الحكم.

بداية من إقرارها بقبول رجوع من يترشح لانتخابات الرئاسية إلى سابق عمل (منصبه) مجددا، بمعنى أنه حتى وإن لم تنجح في الانتخابات نضمن لك استمرارك في (منصبك الخالد) وهدا واضح جدا في المادة (17) الفقرة (5  ) 

ولم يكتف القانون المفصل بهذا فقط، بل ربط الانتخابات الرئاسية بالانتخابات التشريعية بحيث في حال حدث أي خلل في الانتخابات الرئاسية تعتبر الانتخابات التشريعية كأن لم تكن، وهذا يتضح جليا في المادة  (12) الفقرة (4)، وهذا يعني أنه يا ليبيون في حالة لم تختاروا رئيساً  ، سنستمر في حكمكم إلى ما شاء الله  ….

أما الانتخابات التشريعية، التي ستنتج مجلس  الشيوخ ومجلس النواب، لم تستطع لجنتنا الموقرة أن تتركها دون أن تضع لمسة عنصرية عليها، حيث اشترطت في الترشح لمجلس الأمة بشقيه أن يكن المترشح لأبوين ليبيين، وأقصت كل ليبياً أمه أجنبية، رغم كونَه ليبياً وفقا للقانون، وصاحب حق أصيل في الانتخاب، إلا أنها حرمته من حق الترشح، (ناخدو صوتك لكن مانصوتولكش ) .

القانون لم يقدم أي مقترح يمكن الاستناد إليه لحلحة الإشكال القائم حتى الآن في إجراء الانتخابات، وهو من يضمن عدم رفض نتائج الانتخابات من الطرف الخاسر في الانتخابات الرئاسية بالتحديد؟ وما هي الإجراءات التي ستتخذ ضده في حالة رفضه؟ خاصة وأن كل الأسماء المطروحة للانتخابات الرئاسية تستند لقوى عسكرية وقبائل كبيرة، إضافة  لتمكنها من العودة إلى مناصبها السابقة في حال خسارتها، وتستطيع عن طريق هذه المناصب الرسمية أن تشكك أو تلغي أو تنقلب إن شئت على مشروع الانتخابات المبتور.

إننا نتمسك بالانتخابات تمسكنا بأرواحنا، لأننا نعي جيدا أن هذا الصندوق الشفاف هو المسار الوحيد الأمن الذي نستطيع من خلاله أن نغير واقعنا إن أردنا، لكن في الوقت نفسه لا نريد انتخابات تحافظ على نفس الطبقة الحاكمة، ولا قوانين انتخابية تنزع من العملية الانتخابية غايتها، وهي إحداث تغيير، لهذا يرى البعض أن هذه القوانين ما هي  إلا مسرحية يراد بها إقناع الناس أنهم قد اختاروا من يحكمونهم، إلا أنه في الحقيقة هما لم يختاروا إلا المُختارين مسبقا، وهذا يتطابق مع ما تحاول السلطة الحاكمة الفاقدة للشرعية والمشروعية ترسيخه في أذهان الناس منذ القِدم 

(حيث في عام 1474 في بازل بسويسرا قُدم (ديك) للمحاكمة بتهمة أنه باض بيضاء؟! وجاء في قرار اتهامه، إنه متهم بارتكاب الفعلة الوحشية الشنعاء المنافية للطبيعة بأن باض بيضاء ، وكان أهل المدينة خائفين أن يكون الشيطان وراء هذه الفعلة، وأن تفقس البيضة عن بازليسك أو كوكاتريس وهو وحش خيالي له جسم ديك وذيل حصان وجناحي خفاش كان أهل أوروبا في القرون الوسطى يعتقدون أنه موجود ، وقد حكم على الديك المسكين بالإعدام، ونفذ فيه الحكم حرقاً كما كانت العادة مع الهراطقة والسحر.

وفي إيطاليا في عام 1519 قدمت الكنيسة للمحاكمة فئران مدينة ستيفيو؛ لأنها أفسدت محصول الشعير في أحد الحقول، وحكمت المحكمة على الفئران بالنفي، ولكن لأن رجال الكنيسة كانوا عقلانيين، فإنهم أمروا للفئران بالحرس، لحمايتها من القطط في أثناء خروجها من المدينة، وأن للفأرة الحُبلة أو المرضعة أن تنتظر أسبوعين قبل تنفيذ الحكم.

وفي فرنسا عام 1750 قُدمت أتان أي (أنثى حمار) إلى المحاكمة بتهمة ارتكابها الفاحشة مع    فلاح، ولكن الشهود شهدوا بعفة الحمار، فأطلق سراحها وحكم على الفلاح بالإعدام.

وأما في عام 2014، فإن النائب العام لبلد عربي أمر بفتح التحقيق في قضية اتهم فيها  أحد المواطنين دمية قماشية بأنها تنشر رسائل مشفرة للقيام بعمليات إرهابية.

السلطة ليست معتوهة ولا مجنونة السلطة تعرف ما تفعل وتقصده قصداً كاملا، في العصور الوسطى كانت الكنيسة تؤكد بمحاكمة الحيوانات سلطانها على الأرواح كلها، أما في بلادنا فالهدف هو تجنين الناس ، هو إفقاد الشعب توازنه وثقته بنفسه.

إن الحاكم حين يحاول أن يمرر حكماً معتوهاً تماما ويمر، يصاب الإنسان المراقب لما يجري

 باليأس من الناس، الذين مر عليهم هكذا حكما ولم يعترضوا، وعليه فإن استتباب أي سلطة ظالمة يعتمد على تفتيت ثقة الناس بأنفسهم،  هدفهم أن تقبل الجنون؛ لأنك تظن أن الآخرين يقبلونه، هي محاولة مدروسة لتصبح عجينة في أيديهم يشكلونك كيف شاءوا،

 

فاحذر… ولا تصدقهم … وانتصر عليهم ) ( الفقره الاخيرلتميم البرغوثي )