السياسي

هل حقا تجاوز الليبيون خلافاتهم بعد كارثة درنة؟

  هل حقا تجاوز الليبيون خلافاتهم بعد كارثة درنة؟

  هل حقا تجاوز الليبيون خلافاتهم بعد كارثة درنة؟

 

يقول الأستاذ (علي عبد اللطيف حميدا) صاحب كتاب (ليبيا: التاريخ الخفي للإبادة الجماعية) أن شيئين يمكن لليبيين أن يجتمعوا عليهم (القائد والحرب) هذان العاملان على مر العصور استطاعا أن يوحدوا الليبيين باختلافاتهم، ومعنى القائد ليس بالضرورة تأييده، بل أيضا الخروج عليه، والحرب أيضا ليس بمعناها المجرد حمل السلاح، بل أيضا في مواجهة الطبيعة، والطبقة الحاكمة، والفساد، وعقيلة صالح.

حيث نعتقد أن ما حدث في درنة حرب، لكن هذه المرة ضد الطبيعة والفساد والطبقة الحاكمة، حيث خلال الأيام الماضية اجتمع الليبيون في درنة المنكوبة، وتدافع الناس من كل قرية ومدينة، لتلبية نداء أهلهم في شرق البلاد، وفي لحظة واحدة تناسى الجميع كل ما حدث بينهم، وتذكروا فقط أنهم ليبيون، (مضروبين بعصا وحدة) وتلاشت حقيقة لا مجازاً المعسكرات التي كان قادة الصراع في ليبيا قد بنوها لأنفسهم، وراكموا الناس داخلها بدعوى مصلحتهم.

بعد طوفان المشاعر الأولى، والتي كانت صادقة من الجميع، بدأت هناك أسئلة تتدافع للوصول إلى سطح الأرض الليبية، مفادها، لماذا كنا نتقاتل؟ هل نحن من يحرك هذا الصراع؟ كيف لأناس منذ سنوات قليلة كانت تتراشق بالسلاح، يتوحدون في ساعات؟

إن الحقيقة التي تحاول الطبقة الحاكمة أن تعيش عليها، هو فصل الطرق كلها التي تجعل الكتل البشرية في ليبيا تتواصل، حيث كان ومازال المساحة الجغرافية في ليبيا حاجزا كبيراً لفصل الليبين عن بعضهم البعض، بحيث يشكل كل كتلة بشرية صورة دهنية عن الكتلة الأخرى عبر وسائل الإعلام المُتحكم في محتواها من قبل الطبقة الحاكمة.

لم تسمح الطبقة الحاكمة في ليبيا لأي طرف أو جهة تحاول أن تفتح مسارات بين هذه الكتل البشرية المحشورة في معتقلاتهم بالاستمرار، حيث كانت تقوم بوأد كل محاولة تقرب الناس من بعضها، وتعطي لهم مساحة للنقاش المباشر حول قضاياهم وخلافاتهم ، كنا نقول دائما عندما نلتقي أهلنا من شرق البلاد وغربها، خارج ليبيا ونناقش قضايانا ، كنا نجد مقدرة كبيرة على الوصول لرؤية موحدة، كنا نقف في الصف نفسه عندما نتحدث عن ليبيا، كان السؤال الوجودي دائما، لماذا لا نستطيع أن نتفق داخل ليبيا؟ لماذا يجب أن نخرج من جغرافية ليبيا حتى نتمكن من التوافق؟ 

كانت الإجابات في أغلبها سطحية، وتهكمية أحيانا، كقولنا أن ليبيا أرض ملعونة، وأنه قد يكون أجدادنا قد اغتصبوها من أصحابها، أو نحيل الأمر للقيود المجتمعية التي تفرضها كل كتلة بشرية على أفرادها، والإنسان في نهاية الأمر وليد بيئته.

حتى جاءت كارثة درنة!!

نعم رغم الحزن الذي عم الأرض الليبية بالكامل، إلا أنه ولأول مرة خلال العشر سنوات الماضية لم تستطع الطبقة الحاكمة أن تمنع الليبيين من أن يربطوا أوصال أرضهم من رأس جدير وصولا لمساعد، حيث خلال الخمس الأيام الأولى بعد الكارثة، حقيقة لم تستطع القوى العسكرية أن تتحكم في حركة الليبيين.

وهذه الحالة تحولت بشكل جماعي لمواجهة الطبقة الحاكمة ومطالبة ما تبقى من سُلطة قضائية أن تحاسبها عن كارثة درنة، لم يقف أهالي درنة وحدهم أمام الطبقة الحاكمة، بل وقف الجميع أمام جامع الصحابة رمز درنة المكلومة.

عليه فإن الطبقة المثقفة إن صح التعبير في ليبيا يجب أن تكون قد فهمت بشكل واعي ماحدث في درنة ، حيث رُغم كارثيته يُعتبر فرصة تاريخية يمكن أن يُبنى عليه، بحيث يجب أن يُبذل الجهد لتحطيم المعسكرات الجديدة التي أنشأتها الطبقة الحاكمة لمصلحتها، وأن التواصل بين الليبيين هو أولى خطوات الوصول إلى رؤيا موحدة لمستقبلهم.

كما يجب على الليبيين بعد أن اكتشفوا حقيقة كونهم رهائن عند الطبقة الحاكمة، يقدمون لهم الصور الذهنية التي تعمل على استمرار حكمهم، أن يقفزوا فوق أسوار هذه المعسكرات، وقبل ذلك يجب أن يعوا أنهم كانوا رهائن!

أما الطبقة الحاكمة، فصراعنا معهم مستمر، ولن يقف هنا، سيستمرون في تحصين معسكراتهم، وجلب رهائن جدد لها، وسنستمر في تهديم أسوار هذه المعسكرات، حتى يأتينا القدر بساعة مشابهة لساعة فبراير التاريخية، إلا أن هذه المرة من المفترض أن نكون أكثر جاهزية، وأكثر وعيا وتجربة.

لهذا كلما وجدت صوتاً جميلاً أو قبيحاً يخرج من شاشة التلفاز يقول لك أن طرابلس أو بنغازي أو سبها قررت.

أُرجم الصوت، وحافظ على سلامة شاشة تلفازك.