السياسي

عادت الحياة في الشوارع، وغابت في المستشفيات!

 عادت الحياة في الشوارع، وغابت في المستشفيات!

 عادت الحياة في الشوارع، وغابت في المستشفيات!

 

الطبيعي أنه عندما نتحدث عن أي مؤسسة في الدولة ، لا بد أن تنشأ بموجب قانون وكذلك لتسييرها لا بد أن يوجَد بها كادر بشري لينظمها عن طريق قانون، وهذا القانون لا بد أن يحدد تنفيذه بلوائح، وهذه اللوائح لم تخلق (للديكور) بل وجدت لتنظم وتضبط وتخلق نظاما من المفترض أنه يعمل لمصلحة المجتمع، نعي جميعا أن منظومتنا الصحية في الإنعاش منذ أكثر من خمسين سنة، (وكل عام نقولوا هالعام تتصلح) لكن كل ما تقوم به الحكومات المتعاقبة هي محاولتها أن تجعل علاقتها بتونس والأردن جيدة، حتى تتمكن من شحن جثث الليبيين إليها لغرض العلاج والمال الذي يملأ جيوب مسؤولي الغفلة!

خلال الأيام الماضية قدم عميد كلية الطب البشري استقالته، وقد حوت هذه الاستقالة على منهجية عمل لمن أراد الإصلاح، لكن استمرار ما جاء في فحواها قد يخرج المنظومة الصحية في ليبيا من الإنعاش إلى المقبرة! 

حيث ذكر أن هناك غياباً لتطبيق القانون المحدد للحرم الجامعي وتحديدا لائحة اختيار أعضاء هيئات التدريس للوُجود في هذه الكلية العريقة،  ناهيك عن عدم تطبيق المعايير الدولية لكليات الطب البشري في العالم، وكذلك التقييم السلبي الذي جاء في التقرير الدولي لتقييم كلية الطب بجامعة طرابلس، حيث ذكر أن الطلبة غير مستفيدين من المرحلة السريرية، وذلك لعدم توفير أدوات طبية ومعامل وغيرها من الموارد لهؤلاء الطلبة الذين سيصبحون أطباء المستقبل في بلادنا، والذين سيعالجون بفضل الله وبجهودهم أبناءنا وأهلنا، وإذ لم يتوفر لهؤلاء الطلبة كل ما ذكر، لك أن تتخيل مستقبل الطب في ليبيا، 

وهذا يعني أنه عندما تدرس في كلية الطب وفق معايير لا تتطابق مع المعايير الدولية لكليات الطب في العالم، بمعنى دون اعتماد البرنامج الدولي لكليات الطب، تعتبر شهادتك كأن لم تكن، حيث جاء في فحوى استقالة عميد الكلية أن الكلية أعطيت فرصة حتى سنة 2024 لتعديل أوضاعها، بعد ذلك لن يتم الاعتداد بأي شهادة من كلية الطب البشري في مزاولة المهنة خارج ليبيا؛ لأنها دون التصنيف الدولي "شهادتك زايدة ناقصة" كأنك ماقريتش طب، هذا من ناحية جودة الشهادة

أما من ناحية بيئة الكلية، فإن زيارة فريق التدقيق العلمي من قبل منظمة الطب العالمية (WFME) في أكتوبر 2023 ستحدد لنا دوليا ما مدى استجابة الكلية لتوفير بيئة تعليمية توافق المتطلبات الدولية، وهذا سيكون بعد شهرين من استقالة عميد الكلية بالتحديد

هنا السؤال، هل كلية الطب مستعدة أن تنفذ كل ما ذكر من مطالب تصحيح وضع الكلية في استقالة العميد؟  وأين دور الجهات التنفيذية في هذا السياق؟  حيث إن غياب المرحلة السريرية للطالب والموارد التعليمية الخاصة بهذه المرحلة تعتبر كارثة ،  حيث  هذه المرحلة هي التي تمكن الطالب من الجانب العملي لهذا الاختصاص الإنساني، وتحدد له ما إذا كان  مؤهلاً لأن يصبح طبيباً في المستقبل أم لا

ناهيك عن تعين دكاترة بدون الرجوع إلى اللجنة العلمية في الكلية لتطبيق اللوائح الخاصة باختيار أعضاء هيئة التدريس الخاصين بالمرحلة السريرية،  فنجد أن هذه التصرفات تعتبر خرقاً تاماً لحقوق هذا المجتمع المكلوم، والتي تصنف من حزمة الحقوق الأساسية للإنسان كالحق في الحياة والحق في التعليم والرعاية الصحية 

واقعنا يقول إن (مصنع الطب)  يحتاج الكثير والكثير من العمل، وهذا الأمر لا يتم في شهرين،  فخلال أسباب الاستقالة ذكر أن الكلية غير مؤهلة للتدريس داخلها فهي تحتاج إلى صيانات عدة سواء صيانة السلالم وصيانة المرافق الصحية وصيانة الموارد التعليمية، فعميد الكلية  ذكر أنه تواصل مع صناع القرار والسياسات العمومية ابتدأ من أسفل الهرم إلى أعلاه، فمن وزير التعليم، وحتى رئاسة الوزراء ومجلس النواب، غير أن المطالب لم تسمع ولم تر من قبلهم، 

كذلك أن لكل حرم جامعي خصوصيته في تنفيذ البرامج العلمية، ولا يتم إلا عن طريق إنشاء لجان علمية متخصصة بقرار من رئاسة الجامعة باقتراح من وزير التعليم العالي، وهذا ما لم يرد في أسباب استقالة العميد؛ حيث إن تضارب المصالح والتدخل غير المشروع في آلية قبول الطلبة  يعتبر جزءاً من التخريب العلمي لصرح الكلية.

كل ما تم سرده في أسباب الاستقالة هي عبارة عن مطالب لحقوق مهدورة لم يتم الاستجابة لها وتلاعب في الأساس العلمي لكلية الطب البشري سيعكس سلباً على حياة المواطن وصحته ورعايته الصحية داخل المستشفيات الخاصة والعامة "وبعدين نقولوا ماعندناش طب في ليبيا"

حيث يتضح لنا وبشكل جلي أن وزير التعليم العالي  المعرف (بالزواج أفضل من العلم) جزء رئيسي من هذا الفساد التعليمي وسبب في انهيار المنظومة التعليمية الطبية في الحرم الجامعي الليبي، وذلك بعد إحالة له العديد من المراسلات بخصوص ضرورة معالجة الانتهاكات والأضرار التي تتعرض لها كلية الطب البشري، فعند انعقاد اجتماع خاص بعمداء كليات الطب في الجامعات الليبية ومناقشة الوضع الراهن للكليات خلال الفترة الماضية ، لم يمارس وزير التعليم اختصاص مهامه بكل مهنية، بل مارسها بإجحاف غير أخلاقي، وقال "اللي ميقدرش يؤخر" يفهم منه أنه إذا لم تكن مناصراً للفساد غادر منصبك، الأجدر به أنه هو من قام باستقالته، وذلك لعدم تصحيح وضع الكلية وتنفيذ كل ما طلب منه في حدود اختصاصه. 

إن عودة الحياة تبدأ بالحفاظ عليها، ومحاولة تقديم خدمات ولو في مستواها العادي، نعي جيدا أن ملف الصحة من الملفات المُرحلة ، وأن الإشكاليات البنيوية فيه كبيرة، وتحتاج إلى وقت، لكن هناك الكثير في الوقت ذاته ممكن تقديمه في هذا الملف، لكن هذا يعتمد على أولويات الحكومة، حيث يبدوا أن (القطران أولى من حياتنا )