صاحب الظل الطويل (سيف الوهم والأمل القذافي)
لا ينكر أحد اليوم داخل القطر الليبي أن لسيف معمر القذافي شعبية بين أواسط الليبيين وخاصة تلك الفئات التي ضاقت ذرعا من حالة الفوضى التي تمر بها ليبيا منذ 12 سنة، إضافة إلى القاعدة الشعبية التي يملكها الفكر الجماهيري الخالد الأبدي صاحب الفضل على البشرية ومنقذ ليبيا من عصور الظلام، ووضعها على أعتاب نهاية مطاف الحضارة.
وبقائه داخل ليبيا خلق له سردية قريبة لقصص الأبطال بالنسبة لمريديه، حيث نجا من الموت، و نجا من الاعتقال، واستطاع إقناع سجانيه بعدالة قضيته، وأن والده كان قديساً أسيء فهمه من قبل الليبيين، وأن كل من خرج على حكم أبيه هم خونة وعملاء، ويريدون لليبيا الهلاك وإنزالها من على ذروة الحضارة والتقدم
هذه السردية تزامنت مع قانون العفو العام الصادر من مجلس النواب الليبي سنة 2015حيث وجد سجانو صاحب الظل الطويل سنداً دُنيوي يبررون من خلاله عملية إطلاق سراحه، رغم أن القضايا في المحاكم الليبية ضده مازالت مفتوحة، ولكن لا نعتقد أن الإشكاليات حول شخصيته متعلقة بالجانب القانوني فقط.
حيث لا ينكر أحد أن أحد أسباب تأجيل الانتخابات الرئاسية التي كانت ستُقام في أواخر ديسمبر 2021 هو ترشح صاحب الظل الطويل لها، وخوف أطراف دولية من فوزه في هذه الانتخابات خاصة أنه تمكن من المرور من العقبات كلها التي وضعت له حتى يتم استبعاده، وكان استمرار تمسكه بالترشح عاملا مفصليا لوأد العملية الانتخابية، بل هناك من يرى أن استمرار وجوده هو أحد أسباب المماطلة المستمرة لتحديد موعد للعملية الانتخابية تحديدا الرئاسية منها.
في الوقت ذاته نسأل بشكل غير منحاز هل يستطع صاحب الظل الطويل إحداث تغيير وخلق سردية جامعة لليبيين؟ هل من الممكن أن يتجاوز تلك الخصلة الطبيعية في أي نفس بشرية أسقطت من على عرشها ولا تنتقم؟ وفي حال أنه لم ينتقم من أصحاب الثورة التي أسقطت نظام والده هل سوف يحافظ على شعبية أنصار الفكر الجماهيري الخالد العالمي الكوني؟ ثم هب أنه وصل وحكم؟ هل سيتمكن من تجاوز أخطائه التي اقترفها عندما حكم ليبيا فيما يعرف بمشروع ليبيا الغد (ونعرفه نحن الخونة بمشروع التوريث)؟
إن المؤشرات الأولى التي خرجت من كل الخطابات الصوتية أو المرئية أو اللقاءات الصحفية التي أجراها صاحب الظل الطويل، تقول إن الرجل لم يتجاوز مسألة إسقاط حكمه المستقبلي لليبيا، ومازال متمسكاً بفكرة أن ما حدث هو فقط حالة خيانة جماعية، ومازال يقدم التبريرات للأخطاء البنيوية التي ارتكبها والده ونظامه في حق الليبيين، هناك الكثير يتخوف من هذا الخطاب، ويصنفه أنه حالة غير مريحة يقدم من خلالها نفسه لليبيين، الخائفين من زيادة تأزيم الوضع في حال وصوله للحكم، واستمرار حالة الصراع، والرجوع إلى المربع الأول خاصة وأن لليبيين اليوم في حاجة إلى من يجمع شتاتهم أكثر من احتياجهم لصاحب ظل طويل.
إلا أنه في السياق نفسه هناك من يرى أن تواجده على هرم السلطة في ليبيا سيرجع إليها توازنها، حيث يوجد شعبية كبيرة مناصرة له، وما زال الليبيون يعتقدون بفكرة الرجل المُخلص، إضافة إلى حنينهم إلى القبضة الحديدة التي كانت تعطيهم الأمان (والطماطم والزيت والدقيق) على حساب حريتهم في التعبير عن ما يعتقدون، وقد ضاقوا ذرعا بهذه الأخيرة وهم الآن مستعدون للرجوع إلى القاعدة الأولى مقابل ( الأمان )
إن فقر التجربة السياسية في ليبيا خلال المئة عام الماضية، وارتباطنا بشخوص مخلصة في كل مناحي حياتنا من الأسرة للمؤسسات الحكومية وصولا إلى (منسق الزردة) خلقت لنا حساسية عالية من العمل الجماعي والإنتاج الجماعي، وعندما أعطانا القدر فرصة تاريخية لتأسيس ما يمكن أن نسميه دولة قائمة على نصوص نكتبها نحن، نضع فيها محدودات من يحكمنا وكيف يحكمنا، ونحمي هذه النصوص الحافظة لكرامتنا، والتي تعتبر شهادة عقارية لملكيتها لهذه البلد وخيراتها، وأننا المُلاك الدائمون نعين من نرى على نحو مؤقت لإدارة شأننا وبشروطنا المكتوبة وزن هذه الشروط هي الضامن الوحيد لاستمرار ملكيتنا.
لم ينجح صاحب الظل الطويل في إعادة إنتاج نفسه ليقنع الليبيين به، بل صنع ذلك والده (ضمير العالم) عندما استلم ليبيا أرضا بكراً يزرع فيها الهواء يخرج ذهباً! وحولها إلى دولة فاشلة قائمة على النهب والسلب، ويلي (تفكه فكه )
إننا اليوم أمام حالة طبيعية يحاول من خلالها نظام سقط لترتيب نفسه والعودة مجددا، إلا أن التاريخ يقول لنا أن الأنظمة الساقطة لا ترجع، وأنا هنا أتحدث على من سقط وليس من تماهى مع موجة التغيير كما حدث في مصر، من نيرون وصولا لضمير العالم .
ومن ينتج العجز ويعيده مجددا، لا يجني إلا العجز، ومن لا يستوعب حالة التغيير التي يمر بها كوكب الأرض، ويتماهى معه سيختفي، الزمن والآفات ستتكفل بما تبقى، فانتظروا إني معكم من المنتظرين …