أنا مِش مواطن صالح! وكلامي مش ملزم
كيف تكون مواطن صالح بمعيار السلطة السياسية في ليبيا والمنطقة التي نعيش فيها من هذا الكوكب؟ سؤال نتربى عليه منذ نعومة أظافرنا في المدارس والبيوت والشوارع، حيث يعتبر الإنسان في المنطقة لدينا كونه (مواطناً صالحاً) عندما يلتزم بأوامر السلطة السياسية، ويمشي مع تيارها، ويبرر قدر الإمكان أخطاءها، ويرضى بالقليل الذي يُقدم له، مع علمه بأنه يمكنه الحصول على الأكثر والذي هو بالضرورة حقه، يتفهم بإصرار منقطع النضير سرقة السلطة السياسية لأمواله فقط لأنهم يعملون بجزء من هذه الأموال، بمعنى أنه يقول بصوت عال (حتى لو يخنبوا المهم يخدموا) وفي حال اعتراضك على هذه الآلية في العمل تُقذف بالمقولة الشهيرة (خلوا الناس تخدم).
لهذا دعونا نعرض عليكم صوت مواطن غير صالح يعيش معكم اليوم في القطر الليبي -
نحن معشر المواطنين غير الصالحين نقول أن ليس من حق موظف عمومي بدرجة وزير أو مدير إدارة شركة خدمات عامة معروف باسم (الراجل يخدم) ( ويشتم الناس في الشوارع ) أن يرتدي ساعة في يده قيمتها آلاف الدينارات ويركب سيارة قيمتها أيضا آلاف الدينارات فقط لأنه يقوم بعمل مُكلف به بحكم القانون، حيث هذه ان المُقتنيات قطعا لن يتمكن من الحصول عليها براتبه المحدد له وفقا لعمله، بالتالي هناك تربح واضحاً وفساد يحدث داخل هذه الشركة ، واضحاً وضوح برج أبو ليلى في طرابلس.
أيضا نحن معشر المواطنين غيرالصالحين لا نوافق عمليات الصرف الباذخة التي تحدث الآن من قبل حكومة الوحدة الوطنية التي من المُفترض أنها جاءت لتعد للانتخابات، وليس من صُلب اختصاصها إنشاء أوضاع قانونية جديد على الدولة، ناهيك عن صرف مليارات ضخمة خلال خمسة أشهر فقط منذ بداية هذه السنة، وهذا ما جاء في تقرير مصرف ليبيا المركزي الأخير، وهذا كله يحدث وهذه الحكومة لا تملك ميزانية رسمية لها، حيث نجد أنفسنا أمام عملية صرف لا تقف،
نحن أيضا لا نوافق على احتكار عائلة واحدة لفكرة تأسيس جيش لليبيا، وكأنه قُدر من الله أن تكون هذه العائلة هي وحدها (صاحبة الجيش) في الوقت الذي نرى فيه انتهاكات بالجملة للقانون العسكري والتراتبية العسكرية وهيئات استثمارية تُنشئ بقرارات تحتكر في كل ما هو مُربح في ليبيا بدءًا من الخردة وصولا إلى تهريب الحشيش، ووصولا إلى سرقة المصارف، أنبوب أموال لا ينضب، ناهيك عن سجون وزنازين لكل من يقول إنه مواطن غير صالح؟
لنَكن مواطنين غير صالحين عندما نعترض على حرماننا من حقنا في اختيار من يحكمنا من قِبل زمرة سياسية تعمل بشكل دؤوب على استمرار الوضع الحالي ليستمر وجودهم، وكل مرة نقترب فيها إلى صندوق الانتخابات، تُخلق حرب من العدم، أو تشكل حكومة جديدة، أو تأتي مكالمة عابرة للحدود للمفوضية العليا للانتخابات مفادها (أجلو الانتخابات؛ لأنكم غير مستعدين، ونحن أدرى بمصلحتكم) لندخل في انسداد سياسي، ،ونعود لدائرة العبث من البداية، لتكرر حالها على المواطن القابع في زِحام متطلبات حياته اليومية.
نحن فخورين بكوننا مواطنين غير صالحين عندما نعترض على وُجود جيوش أجنبية على أرض وطننا، حيث لم يستشرنا في ذلك أي طرف من الأطراف السياسية التي وقعت الاتفاقيات هنا وهناك، وسلمت وهي مفتخرة قواعدنا العسكرية للأتراك والروس والإماراتيين والمصريين والطليان وبقايا التشكيلات السودانية التائهة بلا وطن في صحراء الوطن، حيث لا يملك أي طرف وقع هذه الاتفاقيات الشرعية القانونية أو السياسية لإبرامها، وحالنا في ذلك حال المُحتل المسلوب الإرادة الممنوع من مجرد الاقتراح لإيجاد حل لهذه الفوضى، ناهيك على الانكشاف المستمر لكل مؤسساتنا، حيث أصغر موظف في أي جهاز سيادي من أجهزة هذه الدول يعلم ما هو (نوع المعسل الذي يدخنه رئيس الحكومة في استراحته في طريق الشط)، وتسليم مواطنينا إلى الدول دون وجود أدنى احترام لبقايا قضاء يحتكره مجموعة من العجزة فاقدي الإرادة والضمير، ومنصاعين لسلطة سياسية مقابل بعض الفتات.
لنكن وبكل فخر مواطنين غير صالحين؛ لأننا تمسكنا بحقنا في تقرير مصيرنا، وأن العلاقة بين الشعب والسلطة يحكمها القانون لا هوى من يحكم، وأن هذا القانون نكتبه نحن، ويكون هو الفيصل والميزان الذي توزن من خلاله قرارات الحكومة وأجهزتها، وفي حال خرج أي إجراء يخالف هذا القانون يتكفل الشعب عن طريق أجهزته الرقابية بإيقافه، هذه السردية تتحقق عندما تكون الأجهزة الرقابية تمثل الشعب لا السلطة، ولا تعلن بصورة صريحة و(صحة وجه) أن أبناءها من حقهم أن يدرسوا في الخارج على حساب الدولة فقط لأن جيناتهم تتطابق مع أصحاب الأجهزة الرقابية وبقية أبناء الشعب (يأكلهم المالح) وتطبق عليهم معايير الدراسة في الخارج الموجودة في القانون.
سنبقى مواطنين غير صالحين، وسنربي أبناءنا على هذا، نحن أبناء الجموع المحكومة قدراً، وعلى سبيل الحظ من أناس لم نخترهم، لهذا لن نقبل أن نكون مواطنين صالحين في دولتهم، وسنحتفظ بهذا كله في ذاكرتنا وذاكرة هذه الأرض التي قطعا سيخرج فيها فجراً صادق يمحو آثار الفجر الكاذب، وسيحتاج إلى هذه الذاكرة حتى لا يعيد أخطاءه،
حتى بزوغ الفجر الصادق تمسكوا بذاكرتكم، أيها المواطنون غير الصالحين وتعرفوا على بعضكم جيدا، ولا تنسوا أن الذاكرة حصن ….