الفضيلة أصبح لها ( حُراس ) !
مبلغ الاختبار هو حرية الاختيار، ومن هذا الباب خلق جَلّ في عُلاه الجنة والنار ، ولن يكون هناك اختبار دون حرية اختيار ، أنا مؤمن أنها سنة الله في خلقه ، وأعلم أيضا أنها من البديهيات ، كما أعلم أن الفضيلة طريقها دعوي خالص ، بعيدا عن تفتيش قلوب الناس وهمساتهم وهمهماتهم في الشوارع والأزقة ، حُراس المعبد وهيئة الأمر بالمعروف وجيش الأخلاق كلها أفكار سقطت لأنها تتعارض مع سنة الله في خلقه .
لكن دعونا من هذه البديهيات ولنستغرق في تحليل قرار وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية رقم ( 436 ) حيث أعلنت من خلاله عن تشكيل لجنة سمتها ( حراس الفضيلة ) مهامها هو تتبع وعلاج ومتابعة الانحرافات العقدية والأخلاقية ، وتتضمن في تشكيلها مندوبين عن مجموعة من أجهزة الدولة من أهمها عضو من الأجهزة الأمنية ، وعضو من هيئة مكافحة الفساد ، أيضا عضو من وزارة التربية والتعليم ، والتعليم العالي وغيرها من الجهات ذات الاختصاص .
ذكرت الوزارة في قرارها أنها ستشكل لجانا فرعية تنبثق من اللجنة الرئيسية سيتم توزيعها في المدن والبلديات والمحلات على مستوى القطر الليبي ، لتتتبع الانحرافات وتتعامل معها وفقا للإجراءات التي نص عليها القرار ، وهنا نحاول أن نستعرض الجانب التطبيقي لهذه الإجراءات؛ حيث نجد في المادة رقم ( 2 ) والتي جاء نصها ( تتبع مظان وجود الانحرافات العقدية والفكرية والأخلاقية الهدامة بالمنطقة وإحالتها للجنة ) حيث تطرح هذه المادة عدة أسئلة من أهمها ماهي الانحرافات العقدية ؟ أي بمعنى لو افترضنا أن مُصدر هذا القرار يتبنى التيار الوهابي ونقصد فهم الشريعة وفقا لفهم الإمام محمد بن عبد الوهاب هل يعني هذا أن التيار الصوفي والأشعري في ليبيا ، والإباضية بالنسبة للأمازيغ تصنف من العقائد الفاسدة وتشملها هذه المادة ؟
هذا بالضرورة سيؤدي إلي استعداد اللجنة لاستقبال الآلاف من اللليبيين حتي تقوم بمعالجتهم من هذه الأفكار ، وقد تستغرب أخي القارئ من استخدامي لمصطلح المعالجة ؟ واستغرابك في محله وأنا معك ، حيث تجد معنى هذا المصطلح في المادة رقم (5 ) والتي جاء نصها ( متابعة المتعافين من الانحرافات العقدية والأخلاقية والتواصل معهم ودعمهم للاندماج المجتمعي وفقا للمسار الصحيح لهم ، لضمان استدامة سلامتهم ) .
حيث تعتبر هذه المادة أن أصحاب الانحرافات العقدية ( وفقا لفهم مُصدر القرار للعقيدة الصحيحة ) هم مرضى ويجب معالجتهم ، بل واستمرار مراقبتهم والتواصل معهم حتي يصلوا إلي المسار الصحيح ( أيضا صحة المسار من عدمه تحددها الجهة التي أصدرت القرار ) ونسأل هنا من أعطى الحق لمُصدر القرار أن يصنف الناس أصحاء ومرضى ؟ هل هناك قانون يعطي هذا الحق لمُصدر القرار ؟ هل يوجد قانون يسمح لأي جهة في الدولة أن تتبع الناس وتفتش عن ما ( يظنون ) في أنفسهم وتصنفهم على ظنونهم إلى مرضى وأصحاء ؟
ثم هب أن هناك إنسان تحدث بما يعتقده ، وقد خالف هذا الاعتقاد اعتقاد مُصدر القرار ، هل يعتبر هذا المواطن قد خالف عقيدة المجتمع ؟ ومن حدد بشكل دقيق ما يعتقده أكثر من سبعة مليون إنسان ، حتى يستطيع أن يضع مقياساً دقيقاً للعقيدة المخالفة للمجتمع .
إننا اليوم لا نحكم على مُصدر القرار بالصواب أو الخطأ نحن نسأل ، علنا نصل إلى إجابات ، فقد نكون نحن أو أبناؤنا أو أهلنا مرضى ولا ندري حتى يتم تقديم شكوى ضدنا، أراك تستغرب عزيزي القارئ من مصطلح شكوى ، دعني أقول لك نعم حيث تحرص اللجان الفرعية المنبثقة من اللجنة الرئيسية وفقا للقرار سالف الذكر على استقبال الشكاوى ، تجد ذلك بوضوح في المادة رقم (4 ) والتي تنص ( استقبال الشكاوى والبلاغات عن صور الانحرافات العقدية والأخلاقية وإحالتها إلى اللجنة الرئيسية ) حيث يا رعاك الله يستطيع أي شخص أن يقدم شكوى لوجود انحراف أخلاقي أو عقدي فيك إلى اللجنة ، ولا نعرف حتى الأن كيف ستتعامل اللجنة مع هذه الشكاوى ، وفي حالة لم يستجيب الشخص الذي تم وسمه بوجود خلل عقدي أو أخلاقي فيه للاستدعاء الذي سيصله من اللجنة ؟ كيف ستتعامل معه اللجنة ؟ وهل سنشاهد دورا للعضو الأمني الموجود في اللجنة الرئيسية في مسائل عدم استجابة ( مرضى القرار ) للعلاج بالقبض عليهم بالقوة ؟
كل هذه الأسئلة لايعلم إجابتها إلا مُصدر القرار وحده ونبقى نحن في حالة انتظار حتي يتبين لنا أولا ما صحة أخلاقنا وعقيدتنا ؟ وفي حالة كان هناك خلل فيها وفقا لما جاء في نص القرار كيف سيتم التعامل معنا لإصلاحها ؟!
هي كذلك ؟ ليبيا طبعا ؛ تاتي بالجديد ، وقد نرى كما يرى العديد من أبناء هذا الوطن ان هناك خللا في ترتيب أولوياتنا ، حيث تحتل بلدنا في سُلم التصنيف العالمي لأكثر البلدان فسادا الترتيب السادس ، ولا نعتقد أن هناك شيء أكثر فتكا بالناس في حياتهم وصحتهم وقوت أبنائهم ومستقبلهم من الفساد ، وقد تكون مسألة تفتيش قلوب الناس وعقولهم هي مسألة فشل فيها كل من حاول أن يسيطر عليها ، هكذا يقول التاريخ ، والواقع لن يخالف جده التاريخ كما لم يخالفه من قبل .
حتي يحدث ذلك فإني أبلغكم أنني هنا والفضيلة معي بعيداً عن أعينكم ، فاكتبوا للعباني ولجانه أنه لن يجدها في الشوارع والأزقة !!!