اجتماعي

خدينا حصتنا زواج !!!

   خدينا حصتنا زواج !!!

 

 

 

خدينا حصتنا زواج !!!

 

 

تشترك الأنظمة الدكتاتورية والناقصة الشرعية في استخدام الخطاب الشعبوي من أجل التغطية على عوارها الظاهر لكل من له بصيرة ، إلا أن شعوب منطقتنا غالبا ما تقع في نفس الفخ في كل مرة يتكرر على مسامعهم هذا الخطاب ، وقد نتفهم ذلك من باب أن الحرمان المستمر لعقود من تمكن المواطن من الحصول على احتياجاته الأساسية بسهولة باعتبارها حقه ، تجهزه نفسيا هذه الحالة للتعاطي مع الخطاب الشعبوي بشكل أكثر حساسية وتفاعل جدي ، عله يتحصل على ماهو حقه بالأساس ، وينهي مسيره المرهق للحصول عليه .

 

إن إيمان السياسيين سياسي ، هذه الجملة تكررت على مسامعي عدة مرات من الشاعر الفلسطيني ( تميم البرغوثي ) أثناء تحدثه عن الارتباط  بين الدين والسياسية ، حيث دائما ما يلجأ السياسيون الى استخدام كل ماهو ديني  لكسب وضعية مؤقتة تضمن لهم الحد الأدنى من سلم القفز من دائرة عجزهم عن إقناع الناس بمشروع حقيقي يطور من حياتهم .

 

خرجت علينا خلال هذه السنة حكومة الوحدة الوطنية بقرار مفاده إنشاء صندوق دعم الزواج ، بحيث يعطي هذا الصندوق قيمة مالية مساهمة منه لدعم المتزوجين . وقدرها 40 ألف دينار مقسومة بين الزوجين بحيث يكون عقد الزواج هو المستند الذي بوجوده يتحقق المقصود !!!

 

بررت الحكومة هذه الخطوة في سياق أنها تريد أن تحدث تغييرا في حياة الشباب بحيث تتحول ( خيم العزاء ) إلى ( خيم أعراس ) وان كل القيم التي تبدل في هذا السياق والتي وصلت إلى حوالي ( 2 مليار دينار ) هي من باب حفظ الشباب.

 

بعد ان استكملت الحكومة عرسها الكبير في إعلانها عن صندوق دعم الزواج ، خرج علينا كتاب من المجلس الأعلى للقضاء ينصح من خلاله الحكومة بعدم الذهاب في اتجاه هذا القرار بصيغته المعلن عنها ، وقدم الكتاب نصيحة للحكومة بأنها في حال تريد أن تساعد الشباب في هذا السياق ، أن تجعل الأمر على مدار خمسة سنوات بحيث تكون هناك فرصة للجميع ، ولا يحدث ما يسمى بزواج المصلحة ،  الأمر الذي سيؤدي إلى نتيجة حتمية وهي تزايد حالات الطلاق في المحاكم .

 

إن كتاب المجلس الأعلى للقضاء لم يوافق الغرض الأساسي التي تسعى الحكومة إلى تنفيذه ، حيث أن المتمعن في قرار الحكومة سيلاحظ أنها تجاوزت كل التحذيرات التي تم تقديمها سواء من الجهات القضائية أو من خلال النقاش المجتمعي الذي حدث ، لأن ما يهمها في الأساس هي ( اللقطة السريعة ) التي من خلالها تحاول أن تثبت أنها ملاصقة للشعب وتفكر في همومه …

 

 

أدرنا جملة من النقاشات مع مجموعة من المحامين لمحاولة فهم ما يحدث ، خاصة في ظل زيادة واضحة في نسبة حالات الطلاق في المجتمع بعد قرار الحكومة بإنشاء صندوق دعم الزواج ، حيث اتضح من كلامهم أن هنالك نسبة مئوية سنوية مقدرة لزيادة نسبة حالات الطلاق في ليبيا وذلك طبيعي ومرتبط عادة بزيادة حالات الزواج وزيادة نسبة السكان ، أيضا الظروف الاقتصادية والوضع الأمني والمشاكل التي تصاحب حالة عدم الاستقرار التي تمر بها ليبيا خلال العشر سنوات الماضية ، إلا أنه في نفس الوقت كان هنالك إجماع في حديثهم معنا أن قطعية وجود زيادة تتجاوز النسبة المتوقعة هو أمر لا يمكن إخفاؤه.

 

وقد استدلوا بربطهم بين قرار الحكومة بإنشاء صندوق دعم الزواج وبين الزيادة الكبيرة في نسبة حالات الطلاق هو زيادة حالات الطلاق (بالتراضي ) حيث تجد أن خلال الأسبوع الواحد في محكمة واحدة  مثلا هنالك مالايقل عن (10 ) حالات طلاق بالتراضي بمعنى ( 40 )  حالة طلاق في الشهر بالتالي ( 480 ) حالة طلاق في السنة ، وعند جمع هذا الرقم مع باقي المحاكم ولنقل في نطاق العاصمة طرابلس ولنأخذ على سبيل المثال ( سوق الجمعة – تاجوراء – جنزور – المدينة – أبوسليم ) فإننا نتحدث عن ( 2400 ) حالة طلاق ( بالتراضي ) في السنة ولا ننسى هنا أننا نتحدث عن نوع واحد فقط من الطلاق ، نترك لك تخيل الرقم الكامل لجميع حالات الطلاق في ليبيا .

 

إن الأضرار النفسية والاجتماعية والاقتصادية التي يرتبها الطلاق في مجتمع مغلق مثل المجتمع الليبي ، متمسك ظاهريا بعاداته الموروثة ، ويملك مجموعة من الأحكام المسبقة التي يخرجها من جيب منظومته القيمية المضطربة كفيل بأن يضعنا في تصور واضح حول الوضع الكارثي للصورة الكاملة .

 

دائما ما نقول إن مهام الحكومة الحقيقية هي كيف تطور الوضع المعيشي للمواطن ، كيف تُصلح المنظومة الصحية ، والتعليمية ، وتضع سياسات مالية لخلق إقتصاد مستقر ، والأهم من ذلك  تحاول أن تخفف من حدة الإقتتال في ليبيا ، وكيف تحمي حقوق الناس من الضياع، ولتترك مهمة اتخاذ قرار الزواج من عدمه لهم ، لهم وحدهم ، فمن يفكر اليوم في تأسيس عائلة ، من الطبيعي سيفكر قبلها كيف سيعيشون ومن أين ؟ لتجاوب الحكومة على هذه الأسئلة ، قبل أن تعطيه ( حبل يكتف بيه روحه وروح غيره )

 

 

إن السلطة السياسية لايهمها في الغالب إلا ديمومة وضعها العام في التحكم في القرار ، بغض النظر عن تبعات قراراتها على المجتمع ، هذا ما يقوله تاريخ بلدنا ومنطقتا بالكامل ، لهذا دائما مانقول إن وعينا هو الحصن الوحيد الذي يجب أن نتمسك به من أجل الوقوف ضد أي قرار نرى أن نتائجه المستمرة لن تصب في مصلحتنا ، حيث أن أي سلطة سياسية مهما طال وقتها فهي زائلة لا محالة ، إلا أن نتائج قراراتها نحن وأبناؤنا من يدفع ثمنها ، بالتالي لنتمسك بذاكرتنا أكثر من تمسكنا بمنحة الزواج !!!!