اجتماعي

الكوبرا تُدرّس الجغرافيا البيئية في ليبيا!

الكوبرا تُدرّس الجغرافيا البيئية في ليبيا!

الكوبرا تُدرّس الجغرافيا البيئية في ليبيا!

 

 

 

في خطوة أثارت ذعرا مجتمعيا واسعا، أطلقت منظمة "الحياة لحماية الكائنات البرية والبحرية" 72 أفعى كوبرا سامة في أودية محمية وادي الناقة بدرنة، مدعية أنها تهدف لـ"إعادة التوازن البيئي" عبر مكافحة الجرذان والضفادع الغازية.

رغم تأكيد المنظمة أن الموقع يبعد عدة كيلومترات عن أقرب تجمع سكني، إلا أن السكان عبروا عن رعبهم من انتقال هذه الأفاعي القاتلة بالقرب من مناطقهم السكنية، خاصة مع غياب خطة وقائية واضحة، فالأفاعي لا تفهم إشارات عدم الاقتراب من المساكن والمدارس.

 

المنظمة دافعت عن فعلها بالقول إن الكوبرا "جزء من السلسلة الغذائية" لأنها تفترس القوارض وتُفترس من قبل الطيور الجارحة، وبالتالي فإنها ستتخلص من الجرذان والضفادع وستخلصنا منها النسور والعقبان، لكنها تجاهلت حقيقة أن الكوبرا ليست من الأنواع الأصلية في البيئة الليبية، مما يخلق خطرا بيئيا غير محسوب، كما أن الطيور الجارحة ليست متوفرة بذلك العدد الذي يشكل خطرا على مفترس خطير مثل الكوبرا ما يجعلها نسبيا في بيئة مناسبة للتكاثر بدون أعداء طبيعيين.

لسنا خبراء في مجال البيئة والحياة البرية ولكننا نتساءل؛ أما كان يجدر بالمنظمة أن تعمد إلى بدائل محلية مهملة كانت ستوفر حلولا أكثر أمانا، مثل إعادة إدخال حيوانات مفترسة محلية كـقط الرمال أو الثعلب الفينيقي، وهي أنواع خجولة تتجنب البشر وتعد مفترسات طبيعية للقوارض.

 

كما أن الأفاعي ليست مهددة بالانقراض، بل متوفرة بكثرة، في بلد تعاني مناطقه النائية من نقص الأمصال المضادة، حيث تودي لدغات الأفاعي والعقارب السامة بحياة العشرات سنويا، فإطلاق أفاعي سامة يعتبر إضافة خطيرة لتهديد موجود أصلا، خاصة أن الكوبرا في بيئاتها الطبيعية معروفة ببحثها عن مصادر غذاء بشرية كالدواجن والأغنام.

 وكان الأجدر بنا وبمنظماتنا أن نتعلم من دروس تاريخية سابقة حين تحول التدخل البشري في البيئة الطبيعية إلى كارثة تهدد الإنسان والحيوان والبيئة معا، ومن أشهر الأمثلة على ذلك ما حدث في القرن التاسع عشر، حين أدخل مجموعة من المستعمرين البريطانيين 24 أرنباإلى أستراليا لممارسة هواية الصيد، ولكن في ظل توفر بيئة مناسبة ووفرة من الغذاء مع غياب المفترسات الطبيعية، تضخم العدد إلى مئات الملايين من الأرانب، دمرت المحاصيل وتسببت في انقراض أنواع محلية، وتكلف مكافحتها ملايين الدولارات سنويا حتى اليوم.

 

مثال آخر حيث أطلق مجموعة من المهووسين بالأدب الشكسبيري 60 طائر زرزور أوروبي في نيويورك عام 1890، ولكن غياب الأعداء الطبيعيين وتأقلمها السريع مع البيئة الجديدة أدى إلى انفجار أعدادها لتجاوز 200 مليون طائر، وتنافس الطيور الأصلية على الغذاء وتتسبب بخسائر زراعية تقدر بـ 800 مليون دولار سنويا.

 

ورغم ادعاءات المنظمة بأن الإجراء جاء بعد دراسات ميدانية دقيقة، إلا أن واقع التحرك يكشف عكس ذلك، فبمجرد انتشار أخبار إطلاق الأفاعي؛ تحركت السلطات للتحقيق، ففتحت الشرطة الزراعية تحقيقا مع رئيس المنظمة وأحالته للنيابة العامة، كما نفذ الأهالي حملات شعبية للقضاء على الأفاعي، حيث تطوع الشباب من سكان المناطق القريبة لصيد الكوبرا قبل وصولها للمناطق السكنية.

 

كان أجدر بالمنظمة أن تحذو حذو منظمات أخرى مثل" الجمعية الليبية لحماية الحياة البرية" و "المنظمة الليبية لصون الطبيعة" وغيرها من المنظمات التي تطلق بين الحين والآخر غزلان وسلاحف وودان وغيرها من الحيوانات الأصيلة في البيئة الليبية، فيكون لإطلاقها تأثيرا مضاعفا، إعادة إحياء البيئة الطبيعية بنشر الحيوانات الأصلية التي يغني وجودها التنوع الحيوي، وحماية هذه الحيوانات من الانقراض.

والبدائل عن الأفاعي لمكافحة القوارض موجودة وأفضل بكثير من غيرها، وكانت موجودة وتؤدي هذا الدور منذ آلاف السنين، وأهمها قط الرمال الليبي، والثعالب المحلية، والطيور الجارحة، هذه الحيوانات كانت ستسيطر على انتشار القوارض والضفادع، وتساهم في حماية البيئة والمحاصيل، كما أن مخاطرها شبه معدومة، فهي إما حيوانات خجولة لا تقترب من تجمعات البشر أصلا، أو أنها مبتعدة عن البشر بطبيعتها ولا تهاجمهم إلا إذا استفزت.

 

في الختام، نحن على قلة خبرتنا في هذا المجال؛ إلا أننا نعتبر إطلاق الكوبرا في درنة ليس خطأ تقنيا فحسب، بل نموذجا لـفلسفة بيئية معكوسة، تعالج خطرا بخلق خطر أكبر منه، فقد حذرت التجارب العالمية من تداعيات إدخال أنواع غريبة، لكن دروس الماضي ذهبت أدراج الرياح، واليوم، بينما يطالب المواطنون بالتحرك العاجل لاحتواء انتشار أفاعي الكوبرا، تبرز حقيقة مريرة مفادها أن العبث بالتوازن البيئي دون دراية وخبرة هو جريمة ضد الطبيعة والإنسان معا، ونرجو ألا ننتظر حتى يلدغ أول طفل لندرك أن التوازن البيئي لا يصنع بأفعى سامة!