السياسي

أدعو الشيطانَ لِزِيارةِ ليبيا!

أدعو الشيطانَ لِزِيارةِ ليبيا!

أدعو الشيطانَ لِزِيارةِ ليبيا!

 

لن تخفى عليك نهائيًّا استنشاقُ رائحةِ الفضيلة، بمجردِ أن تتعاملَ لمدةِ شهرٍ مع كلِّ شيءٍ في ليبيا: بشرًا، ومؤسساتٍ، ونمطِ حياة؛ مجتمعٍ كاملٍ من الحكماءِ والقُضاةِ المتبنين بالكاملِ للفضيلة، المُنزَّهين عن الخطأ، الممنوحين حقَّ إصدارِ الأحكامِ وتنفيذِ العقوبة، في قناعةٍ راسخةٍ أنهم على الحقِّ، وأن كلَّ ما يقولونه هو ذُروةُ سنامِ الفضيلة، وأفضلُ ما جادت به البشريةُ من نسخةٍ للإنسانِ على مرِّ العصور. 

أدعو الشيطانَ لِزِيارةِ ليبيا.

الكلُّ ينظرُ إلى الحُكمِ كونه مدعاةً لانحدارِ النفسِ البشرية، فـ «السياسةُ نجاسة»، والكلُّ يسعى لها بروحٍ طوّاقة، كما أن الكلَّ يتبنى الحريةَ حتى يصلَ إلى مركزٍ يُؤهِّله لأن يتحكمَ ولو جزئيًّا في حركةِ البشر، حتى ولو على بابِ مدرسة. عندها تصبحُ الحريةُ فوضى، ومنعه ومنحه للحركةِ مرتبطٌ بالنظام، النظامُ المرتبطُ ارتباطًا بنيويًّا باستمراره، وإن كانت هناك محاولةٌ لتغييره من هذا البابِ، فستكونُ هذه المحاولةُ غايتُها إسقاطَ النظام، وإن مفهومَ التغييرِ الكونيِّ الذي يُعتبرُ من سننِ الحياة يتحولُ إلى سلوكٍ بشريٍّ نابعٍ من حقدِ طبقةٍ تحملُ نفوسًا مريضةً وتستخدمُ مفهومَ الحريةِ بشكلٍ خاطئ، وبالتالي تغييبُهم أو قتلُهم مدعاةٌ للفخرِ وضرورةٌ لاستمرارِ الحياة. 

أدعو الشيطانَ لِزِيارةِ ليبيا.

المرأةُ حِصنُ المجتمعِ، وقلبُه النابض، وبالتالي الحفاظُ على نقائِه ونصاعتِه وصحتِه واجبٌ على الجميع. هذه الحمايةُ تتطلبُ مجموعةً من الإجراءاتِ نضعُها وفقًا لما نُؤمنُ به، والمرتبطِ بالدينِ والعاداتِ والتقاليد، وعندما يتعدى شخصٌ على هذا القلبِ، نتهمُ أولًا الأخيرَ بأنه تحرّكَ بشكلٍ غيرِ لائق؛ فكونَنا في مجتمعٍ فاضلٍ كان يجبُ ألا ينبضَ بهذه الطريقة، الطريقةُ هي ما جعلت من المعتدي يقومُ باعتدائه، فالأصلُ أن المعتدي فاضلٌ! بالتالي الخللُ في تحركاتِ القلب، عليه يجبُ أن نعيدَ ترتيبَ الإجراءاتِ من جديدٍ لتوفيرِ حمايةٍ أكبرَ للقلب، حتى لا نجده ملقىً ميتًا في إحدى حدائقِ ليبيا العامرةِ بالفضيلة، أما المعتدي فلنعملْ على توبيخِه ونعوّلْ بالأساسِ على معدنِه الأصليِّ والقاعدةِ الراسخةِ، كونه كائنًا فاضلًا!! 

أدعو الشيطانَ لِزِيارةِ ليبيا.

أموالُ ليبيا للجميعِ، مِلكٌ مُشاعٌ، وحقٌّ لكلِّ من يتمكنْ أن يغرسَ يدَيْه فيه ويغرفَ. الإمكانيةُ هنا متروكةٌ لجهدِه وتعبِه في (القوّادةِ) واستغلالِ كلِّ ما هو متاحٌ ليصلَ إليه، والقوادةُ هنا صفةٌ تنافسيةٌ متاحةٌ للجميع، وكونَنا في مجتمعٍ فاضلٍ، فلا توجدُ طبقيةٌ اجتماعيةٌ في مجتمعِنا، حيث يستطيعُ أيُّ فردٍ في هذا المجتمعِ أن يصبحَ غنيًّا أو فقيرًا، وذلك مرتبطٌ بمدى التزامِه هو بالخطواتِ المرتبطةِ بالقوادة. كما أن الجميعَ، الأغنياءَ والفقراءَ، على مستوى واحدٍ في الهرمية داخلَ مجتمعِنا، لكلٍّ منهم مهامٌّ في مراحلِ حياتِنا، وهذه المهامُّ مرتبطةٌ بقيامِنا كونَنا فضلاءَ؛ الموتُ للفقراءِ والمجدُ للأغنياءِ، وهذا ليس تقسيمًا، بل قَدَرٌ، ومن يعترضْ على الأقدارِ يعترضْ على الفضيلة!! بالتالي يقرّرُ بمحضِ إرادتِه أن يخرجَ من مجتمعِنا، ويُوسَمَ بكونِه ظالًّا، ويستوجبَ الخلاصَ منه حفاظًا على تماسكِ المجتمع. 

أدعو الشيطانَ لِزِيارةِ ليبيا.

وكونَنا مجتمعًا فاضلًا وصلَ إلى نهايةِ المطاف، فالمقارنةُ بغيرِنا عبث، حيث نحنُ من نحدّدُ المفاهيمَ الإنسانية، فلا تكونُ الحريةُ حريةً إلّا وفقًا لمفهومِنا، ولا الكرامةُ ولا العدلُ ولا النظامُ ولا الخيانةُ أيضًا إلّا وفقَ تعريفاتِنا. أما باقي من حولَنا من كائناتٍ يتقمّصونَ عباءةَ البشرية، فلا يُقبل منهم أي شيء ، خاصةً إن كان انتقادًا أو تشكيكًا فيما نعتقدُه، ونحن هنا نرفضُ منهم ما يقولونَه من بابِ الشفقةِ عليهم، فكونُهم ليسوا منّا، هذا حرَمهم من إمكانيةِ أن يرَوا الحياةَ كما نراها، ولأنهم غارقونَ في غياهبِ الظلام، ولكونِنا مشغولينَ بمجتمعِنا، فيجبُ علينا أن نحميَ أنفسَنا دائمًا، وننشغلَ بذلك باستخدامِ كلِّ طاقتنا، وهذا الأمرُ يمنعُنا من نشرِ تعاليمِنا عليهم، لأنهم قد غرقوا في الظلامِ إلى حدٍّ مستوى يحتاجُ منّا إلى جهدٍ كبيرٍ قد يؤثرَ على  تركيزنا في حمايةِ أنفسِنا، بالتالي نشعرُ بالشفقةِ عليهم وندعو لهم دائمًا بالهداية.

وإذ كنتُ قد نُفيتُ من سنواتٍ ليست بالقليلةِ من هذا المجتمع، وقد تسربتْ إلى نفسي بعضُ قيمِ هذا المجتمعِ لا زالت تؤثرُ في روحي، فإنّي هنا أتكلمُ بصوتِ كلِّ المنفيينَ، وأدعو الشيطانَ لزيارة ليبيا، ولو لمرةٍ واحدة!!