السياسي

كيف سقطت أسطورة ( إستقرار شبكة الكهرباء ) ؟

كيف سقطت أسطورة ( إستقرار شبكة الكهرباء ) ؟

كيف سقطت أسطورة ( إستقرار شبكة الكهرباء ) ؟

 

 

منذ فترة ليست بالبعيدة؛ عقد رئيس حكومة الوحدة الوطنية اجتماعا مع مسؤولي قطاع النفط؛ ومن أهمهم طبعا رئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط، ولكن الأخير –فرحات بن قدارة- لم يحضر، بل حضر مسعود سليمان رئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط المكلف، ومنذ أيام قليلة عقد محافظ مصرف ليبيا المركزي -المكلف أيضا- عبد الفتاح غفار اجتماعا آخر بمسؤولي النفط في البلاد، ومرة أخرى لم يحضر بن قدارة بل حضر المكلف! ومع الأخذ في الاعتبار أن البلاد تمر حاليا بواحدة من أهم أزماتها الاقتصادية، حيث اجتمعت عليها أزمة الكهرباء مع أزمة مصرف ليبيا المركزي مع إغلاق النفط؛ يبقى السؤال ملحا، أين هو فرحات بن قدارة رئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط؟

 

لا يخفى على أحد تداعيات قرار المجلس الرئاسي بإعفاء الصديق الكبير من منصب محافظ مصرف ليبيا المركزي، وما ترتب عليه من تهديدات بإيقاف مؤسسات مالية عالمية تعاملها مع ليبيا، إضافة إلى قيام حكومة الشرق بإغلاق الحقول والموانئ النفطية، ووفق تصدير النفط والغاز بشكل شبه كامل، إضافة إلى ما تواجهه البنية التحتية الهشة في مجال الكهرباء من مشاكل وأزمات تفاقمت مع ادعاء الشركة العامة للكهرباء فشل المؤسسة الوطنية للنفط بتزويد الشركة بالغاز الطبيعي الضروري لتشغيل المحطات الرئيسية في البلاد، الأمر الذي قد يؤدي إلى نتائج كارثية، فالمحطات الكهربائية لن تتمكن من تلبية احتياجات البلاد، مما سيدفع ليبيا نحو سلسلة حتمية من الانقطاعات أو حتى حالات الإظلام التام التي قد تشل الخدمات الأساسية.

 

في هذا الوقت الذي تتفاقم فيه الأزمة في البلاد، اختار رئيس المؤسسة الوطنية للنفط، فرحات بن قدارة، أن يتحصل على إجازته السنوية، ورغم أن المتعارف عليه في السياسة وفي إدارة الأزمات؛ أنه في وقت الأزمة يقطع المسؤول إجازته ويعود لعمله للتعامل معها؛ غير أن هذا لا يحصل في ليبيا، ففي وقت الأزمة غادر أكبر مسؤول في قطاع النفط البلاد وتوجه إلى الشقيقة مصر ليمتع بأجواء الصيف في فنادق ومنتجعات الإسكندرية وشرم الشيخ، والمحزن أكثر من كل ذلك، أن هذه اللامبالاة ليست مفاجئة، بل أصبحت أمراً مألوفاً في دولة غارقة في الفساد وسوء الإدارة منذ سنوات.

 

سنترك بن قدارة قليلا وسنعود إليه لاحقا، والآن سنتحدث قليلا عن الحكومة واختياراتها لرجال الأزمات.

 

منذ أربع سنوات تقريبا أقال رئيس حكومة الوحدة الوطنية السيد وئام العبدلي من إدارة الشركة العامة للكهرباء بسبب حدوث إظلام تام في أحد أجنحة الشبكة، ورغم أن الشركة كانت قد بدأت في تطوير خدماتها تحت إدارة العبدلي، فالصيانات الكبرى تشتغل في المحطات على قدم وساق، وإنشاء المحطات الجديدة في الخمس وطبرق وطرابلس ومصراته على أشده وتكاد تدخل إلى الشبكة، إلا أن ذلك لم يشفع للعبدلي الذي أقيل ليعين بدلا منه طبيب الأسنان محمد المشاي، الذي جاء ليجني ثمار عمل سابقه، فبدأ الناس في الصيف الذي تلا التغيير يحسون بالتغيير، وبدأت صفحة عودة الحياة بالتهكم على الناس بسؤالهم (بعتوا مولدكم وإلا ما زال؟).

 

بعد نحو عامين من استلامه منصبه؛ تولى السيد المشاي منصبا كبيرا في نادي أهلي طرابلس، وبدأ في إنفاق الملايين على صفقات النادي ورياضييه ومدربيه (من جيبه الخاص طبعا!)، وفي هذا الصيف عادت الأحمال بقوة إلى كل مناطق البلاد، ولو استثنينا مناطق قليلة في وسط طرابلس، فإن طرابلس نفسها لم تسلم من فصل الأحمال لساعات طويلة كل يوم، مع اختفاء كامل للمنشورات التي تسأل عن المولدات في صفحة عودة الحياة، لتحل محلها مناشير الطرق والكباري، مع استمرار النادي الأهلي في استجلاب نجوم القارة السمراء بملايين الدينارات من أموال السيد المشاي طبعا، فلا تأثير لذلك على شبكة الكهرباء.

في هذا الخضم المدلهم ألقت أزمة النفط الحالية بحبل النجاة للسيد المشاي، ليلقي بتبعات فشله على المؤسسة الوطنية للنفط، فأرسل كتابا إلى النائب العام أكد فيه أن نقص الغاز الطبيعي من المؤسسة الوطنية للنفط هو السبب الأكبر وراء الانقطاعات الكبيرة والإظلامات الوشيكة للكهرباء، حيث بين في كتابه أن محطات رئيسية مثل الزاوية والخمس وشمال بنغازي تحصل على جزء بسيط فقط من الغاز الذي تحتاجه لتوفير الكهرباء لملايين الليبيين.

 

ورغم أن الفشل الحادث في ازمة الكهرباء هذا العام هو فشل تراكمي، والمناطق التي تعاني من طرح الأحمال؛ تعاني منه منذ بداية الصيف، وليس الأمر جديدا عليها ولا يمكن نسبته بكليته إلى الأزمة الحالية وفشل مؤسسة النفط في التعامل معها، إلا أن هذه الإخفاقات ليست جديدة على المؤسسة، بل هي جزء من نمط أكبر من الفساد وسوء الإدارة الذي يعاني منه قطاع النفط والغاز في ليبيا منذ سنوات، ورغم تخصيص مبالغ طائلة للمؤسسة الوطنية للنفط، فإنها لم تتمكن مراراً من توفير الغاز الطبيعي اللازم لتشغيل شبكة الكهرباء في البلاد، مع عجز قيادة المؤسسة عن تقديم إجابات واضحة حتى الآن.

تشير تقارير داخلية من 2022-2024 إلى أن فشل المؤسسة الوطنية للنفط في توفير الغاز الطبيعي للشركة العامة للكهرباء هو مشكلة مستمرة، رغم أن ميزانية المؤسسة تجاوزت 56.9 مليار دينار ليبي في السنوات الأخيرة، إلا أن هذه الأموال لم تنعكس في تطوير البنية التحتية أو تحسين سلاسل الإمداد، بدلاً من ذلك، تبددت كما تتبدد الكهرباء، مما ترك الشركة العامة للكهرباء والشعب الليبي يعانون من النتائج.

 

ومع كل ذلك يبقى غياب بن قدارة عن واجهة إدارة الأزمة الحالية لافتا للانتباه، ليس لأنه يمثل تغريدا خارج السرب أو خروجا عن نمط تصرفات المسؤولين الذي لا يبالون بقضاء عطلاتهم في أفخم الفنادق بينما يعاني مواطنوهم الأمرين من تداعيات سوء إدارتهم؛ ولكن لأن تعيين بن قدارة في منصبه الحالي هو نتيجة لصفقة سياسية بين فريق الدبيبة وفريق حفتر، وبما أن فريق حفتر هو الذي يقفل النفط على فريق الدبيبة، يبقى السؤال الملح الذي يحتاج لإجابة منطقية، لماذا يصبر الدبيبة على بن قدارة رغم فشله في التعامل مع تداعيات قرارات قيادة الفريق الذي طالب بتعيينه؟ وما الذي سيحدث لو أقيل بن قدارة؟ هل سيغلق فريق حفتر النفط؟ هو مغلق أصلا! هل يدير بن قدارة الأزمة بمهنية وحرفية؟ هو لا يديرها أصلا فهو يتمتع بإجازته في مصر، هل حقق بن قدارة أي إنجازات واضحة تفوق ما حققه سابقوه؟ لا، هو لم يزد على البناء على أعمال من سبقه، تماما كما فعل المشاي في شركة الكهرباء بفارق بسيط أنه لم يتسلم إدارة ناد رياضي، تساؤلات كثيرة ولا إجابات منطقية، وتبقى الحقيقة الوحيدة هي أننا في ليبيا لا نتعامل مع المسؤول بحسابات الفشل والنجاح؛ فمعيارنا الوحيد هو لأي فريق ينتمي هذا المسؤول؟