السياسي

لماذا يردد الليبيون جملة (حني ما نبوش إلا العصا)؟

 لماذا يردد الليبيون جملة (حني ما نبوش إلا العصا)؟

 لماذا يردد الليبيون جملة (حني ما نبوش إلا العصا)؟ 

 

مع أول أزمة في البلاد تتسبب في تكدس المواطنيين، وازدحامهم، أو  في حال كان هناك انتهاك للقانون من أي جهة، أو من أي مواطن، تخرج جملة من كثر ما تكررت على مسامعنا، توقفنا عن تأملها (حني شعب مايمشيش إلا بالعصا) قائلها لا يستثني  نفسه في العادة، وإطلاقها قطعا يخرج من يوصفون بها من دائرة البشر.  

حيث من المنطق ان الله كرمنا بالعقل، بالتالي نملك المقدرة على الفهم، والتصرف على أساس هذا الفهم، وهذا ما يميزنا عن باقي الكائنات الحية، التي في العادة قد تحتاج ان تمارس عليها العنف كما يرى البعض لتفهم بالتكرار ما يريد الإنسان. لكن من الغريب ان يوصف الإنسان نفسه بصفات حيوانية، بل ويُقرها على نفسه. 

هناك العديد من العلماء في علم النفس  يقولون ان اقتناع الإنسان بفكرة معينة لفترة زمنية معينة، يؤدي إلى تبني العقل لها، ويصدر أوامره لباقي أعضاء الجسم ليتفاعلوا مع هذه الفكرة، لينتج لنا تصرفات تقول بشكل واضح أننا نشترك مع الحيوانات في ملف العصا؟  

ان الشعوب على دين ملوكها، يختلف العديد من الناس حول مدى دقة هذه الجملة ، لكن في منطقتنا تكاد تكون حقيقة، وذلك نتيجة اختزال المنظومة القيمية للمجتمع في شخص الحاكم، فإن صَلح سلوكه، صَلُح باقي أفراد المجتمع الذي يحكمه، وإن فَجر، فسد باقي أفراد المجتمع، والغريب في هذا الأمر ان الإسلام قد أرسى فكرة الفردانية في القيم الأخلاقية، بمعنى أنه لا يضرك كون المجتمع كله فاسداً ان لا تكون صالحاً، وهذا يرسخ لفكرة تتعارض مع جملة ان الشعوب على دين ملوكها، وخاصة ان حساب الإنسان منفردا وحده، بالتالي ما يقوم به الإنسان يعبر عنه هو، لا باقي أفراد المجتمع، وتصرفات الحاكم.  

الغريب هذه المنطقة نفسها تعي هذا الكلام، لكنها تعمل بعكسه، وتعطي عقلها الجمعي للحاكم وتُسلمه مصير سلوكها، ليشكله بما يخدم مصالحه، هذه المصالح التي تتطلب ان يكون الشعب خائفاً دائما وباستمرار، وهذا الخوف لا ينشأ إلا بحالة عدم الاستقرار، بحيث كل موطن يشعر أنه مهدد ، في حاجاته الأساسية، الأمر الذي يجعله مذعورا باستمرار، ويريد ان يحصل على كل حاجاته متى استطاع إلى ذلك سبيلا، دون الاكتراث لأي شيء آخر. 

لأنه يعلم ان هذه الحاجات قد تختفي، وأن هذه الدولة التي يعيش فيها غير مضمونة، لهذا هو يسكّن خوفه الدائم بالجري طول اليوم ليتحصل على كل ما هو متاح ، غياب النظام والاستقرار وتكرار هذه الحالة باستمرار تصنع شبه إنسان يُقنع نفسه أنه لا يستطيع ان يعيش في نظام مستقر، لأنه لم يعتد النظام، فكل شيء مؤقت، حتى (السكر والملح)!  

تتمخض عن هذه الحالة أمثال شعبية، وذاكرة جمعية للمجتمع الذي يعيش هذه الظروف، وتتربى أجيال عليها، وتورث سلوكيا جيلاً عن جيل، وما يعززها ان يد الحاكم دائما هي التي تُنظم، لا ضابط  للنفس ذاتي بالنسبة لأفراد هذا المجتمع، النظام هو ما يخلقه الحاكم، وغياب يده وسوطه يعني ان كل شيء مباح، وغير منظم. 

لم تكن ليبيا استثناء من هذه الحالة في منطقتنا، بل كانت نموذجاً دقيقاً يُشار إليه في حالة تشخيص هذه الحالة، جزء من تكويننا السلوكي يقول لنا باستمرار، أننا في حاجة دائما لعين تراقب تصرفاتنا لنكون بشراً، وغياب هذه العين يجعلنا كائنات غير منضبطة، فلا دين ولا منظومة أخلاقية تردع أنفسنا، فقط سوط الحاكم هو الذي يجعلنا نعيش بسلام.  

لن أقول لك عزيزي القارئ أنني لست من هذا المجتمع وحالته، أنا فقط قررت أن أتأمل هذه الفكرة، وأريد أن أخبرك أنني منذ سنوات ليست بالطويلة قررت رفض هذه الفكرة، حيث كوني إنسان مُكرم من عند من خلقني، فإنني أستطيع ان أفهم بالتالي لا أحتاج إلى (عصا) كي تقومني، وإن أخطأت ولا مفر من ذلك، فهناك آليات تُستخدم لمعاقبتي تُحفظ من خلالها آدميتي، أما حضرتك فإني أنصحك بالتفكير في هذا الأمر، وحاول ان تُقنع عقلك أنك إنسان مُكرم، وان من ( يبي العصا) هو الحيوان. فقط.