تحويل الليبيين إلى مرتزقة ( ماقصة الـ95 مواطنا معتقلا في جنوب أفريقيا ؟ )
في تقرير حديث لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، تم الكشف عن الخفايا وراء اعتقال 95 مواطنا ليبيا في جنوب أفريقيا، بعدما تم خداعهم للسفر إلى هناك تحت وعود زائفة أنهم سافروا إلى جنوب أفريقيا على أساس أنهم سيشاركون في تدريبات مشتركة مع الجيش هناك، لكن السلطات في جنوب أفريقيا لم تكن على علم بهذا الأمر ، تعكس هذه الحادثة الوجه المظلم من الصراعات الجارية في ليبيا، حيث أصبحت البلاد نقطة محورية لتجنيد المرتزقة، ومعقلا لتجارة البشر والسلاح.
تفاصيل الحادثة: خديعة جديدة في سوق الوعود الزائفة
بحسب مصادر بي بي سي "يبدو أنهم كانوا ضحية لخديعة"، هذا ما قاله أحد المصادر، مرجحا أن "عملية نصب" تعرضت لها القوات التي يديرها خليفة حفتر والتي تسيطر على مناطق شرق ليبيا.
وأوضحت بي بي سي أن "هؤلاء الليبيين يتبعون كتيبة طارق بن زياد التابعة لصدام حفتر" مفسرة ذهابهم لجنوب أفريقيا بسبب اقتراح عرض على السلطات في شرق ليبيا بتجديد وتنويع أماكن التدريب، وأن هنام فرصة متاحة للتدريب مع قوات الجيش النظامي في جنوب أفريقيا.
وأضاف مصدر بي بي سي أن أحد المسؤولين قدم عرضا من شركة متخصصة في التدريبات العسكرية والأمنية في جنوب أفريقيا، مؤكدا أنها ستنظم تدريبا خاصا لليبيين المختارين في جنوب أفريقيا، مؤكدا أن الليبيين سافروا على هذا الأساس، "ولكن يبدو أن السلطات في جنوب أفريقيا لم يكن لها علم بالأمر وحدث ما حدث" خدعت مجموعة من النصابين المغامرين خليفة حفتر وجيشه، فأرسل لهم 95 مواطنا من أبنائنا، ولما كشفت الخديعة تبرأ منهم ولم يعترف بهم أو بدوره في وجودهم هناك وتركهم يواجهون مصيرهم، إلى أن أفرجت عنهم جنوب أفريقيا بعد أن اكتشفت سذاجتهم وغباء من أرسلهم.
خليفة حفتر والارتباط بتجارة المرتزقة
يعد خليفة حفتر، القائد العسكري في شرق ليبيا، أحد أبرز الشخصيات المثيرة للجدل في البلاد، ومع تزايد انقسام ليبيا منذ سقوط نظام معمر القذافي في عام 2011، برز حفتر كقائد عسكري يسيطر على الشرق الليبي وجزء كبير من الجنوب، ويمتلك نفوذا قويا على العديد من الميليشيات المسلحة.
تم ربط حفتر في السنوات الأخيرة بتجنيد المرتزقة للقتال لصالح قواته في المعارك التي خاضها في بنغازي ودرنة ومرزق وأخيرا في طرابلس، وكان ذروة تعامل حفتر مع المرتزقة هو تعامله مع مجموعة فاجنر الروسية سيئة السمعة، التي تمارس نشاطها في أكثر من نقطة ساخنة حول العالم، أهمها ليبيا وسوريا ومالي والنيجر وبوركينا فاسو والسودان وغيرها وغيرها.
في بداية الأمر كان الأجانب يدخلون إلى ليبيا للعمل كمرتزقة لصالح حفتر ولصالح خصومه، فحتى خصوم حفتر في طرابلس قد جندوا مرتزقة من دول عربية وأفريقية للقتال لصالحهم، ولكن اللافت في السنوات الأخيرة هو بروز ظاهرة استعمال الليبيين كمرتزقة في صراعات خارجية متعددة.
فخلال الحرب في أوكرانيا، ظهرت تقارير تؤكد مشاركة ليبيين في القتال إلى جانب القوات الروسية، وبالمثل، ظهرت تقارير إعلامية تفيد بمشاركة ليبيين في الصراع المستمر في السودان في صفوف قوات حميدتي، إلى جانب تقارير أخرى تظهر مشاركة ليبيين في عدة مواقع تنشط بها مجموعة فاجنر، التي سيتم استبدالها في وقت لاحق بما يعرف في روسيا بالفيلق الأفريقي والذي تحتل فيه ليبيا مركزا استراتيجيا مهما جدا، وقد يشكل (المرتزقة) الليبيون واحدا من أهم محاوره.
تورط ليبي في الصراعات الدولية
تعتبر مشاركة الليبيين في صراعات خارج حدود بلادهم جزءا من الاستراتيجية الأوسع لحفترومؤيديه لتحقيق النفوذ الجيوسياسي، فمن خلال إرسال مقاتلين إلى أوكرانيا للقتال إلى جانب القوات الروسية، حاول حفتر بناء علاقات أقوى مع موسكو، التي تدعمه سياسياوعسكريا في مواجهة المجموعات العسكرية وشبه العسكرية المناوئة له والتي تدعم رسميا أو شكليا حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس.
في السودان، كانت العلاقة بين حفتر وقوات الدعم السريع بقيادة حميدتي موضوعا للنقاش الدولي، ففي الوقت الذي كانت فيه السودان تشهد اضطرابات داخلية، سعى حفتر إلى استغلال الوضع لصالحه، من خلال تقديم الدعم العسكري واللوجستي لقوات حميدتي، إرضاء لحليفه الأبرز في المنطقة –دولة الإمارات العربية المتحدة- التي تقف بكل ثقلها وراء حميدتي ومحاولته للإطاحة بالحكومة في السودان.
علاقة حفتر بالإمارات ودعمها المتواصل له أظهر من أن يخفى أو أن يشرح، ولكن اللافت أكثر في الآونة الأخيرة هو دعم حفتر لمشاريع الإمارات في أفريقيا، فمن السودان إلى تشاد، حيث تخوض قوات حفتر حربا ضروسا هذه الأيام مع قوات المعارضة التشادية لطردها من مناجم الذهب في المناطق الحدودية بين البلدين، حيث تقول تقارير استخبارية إن السبب ليس استعادة هذه المناجم؛ فهي تقع أصلا في الأرض التشادية، إنما السبب هو التشديد على تحركات المعارضة التشادية وإضعافها لتمكين سيطرة الجيش التشادي على هذه المناطق لاستغلال المناجم بمشاريع مشتركة بين الإمارات وتشاد كما تم الاتفاق عليه في الزيارة الأخيرة لرئيس تشاد محمد إدريس دبي إلى الإمارات ورئيسها محمد بن زايد.
انعكاسات ظاهرة تجارة البشر والمرتزقة في ليبيا
يعد تورط الليبيين في الحروب الدولية وتجنيدهم كمرتزقة انعكاسا للواقع المرير الذي تعيشه ليبيا اليوم، فالفوضى التي تعم البلاد، وغياب الحكم المركزي، والاقتصاد المتدهور، جعلت ليبيا بيئة خصبة لنشاط شبكات تهريب البشر وتجارة السلاح، التي أصبحت في الآونة الأخيرة سلاحا ذو حدين أصبح الليبيون من خلالها هم المهرب وهم السلعة في آن معا.
وتظهر قضية الـ95 ليبيا في جنوب أفريقيا كيف أن الخداع والتضليل أصبحا وسيلة لجذب الشباب الليبي الفقير واليائس، وتحويله إلى أدوات في حروب لا ناقة له فيها ولا جمل.
مستقبل ليبيا في مهب الريح
يبدو مستقبل ليبيا في الواقع مظلما بل وبالغ القتامة في ظل الظروف الراهنة، فمع استمرار الصراعات الداخلية وتدخل القوى الأجنبية، تبدو البلاد غير قادرة على الخروج من النفق المظلم، ومغادرة دائرة العنف والفساد، وستظل قصة الـ95 مواطنا ليبيا الذين تم القبض عليهم في جنوب أفريقيا رمزا لمأساة أوسع يعيشها الشعب الليبي اليوم، إنها تذكير بأن الحلول المستدامة لأزمة ليبيا لن تأتي إلا من خلال إصلاحات جذرية وشاملة، تعيد الأمل للشباب الليبي وتنهي الاستغلال الذي يعاني منه الكثيرون.
هؤلاء الشباب الـ95 هم أنا وأنت وصديقك وجارك وقريبك، إذا لم تحرك مأساتهم فيك أي شعور بعدم الأمان، وأن التالي قد يكون أنت أو واحدا من دائرتك، فاعلم أنك فقدت البوصلة، فمهما كان الطرف الذي تدعمه في الصراع الحالي، وأيا كانت الزاوية التي ترى منها هذا الحدث وباقي الأحداث، تبقى مأساة تحول هؤلاء الشباب الحالمين إلى بنادق للإيجار في سوق أمراء الحرب، وصمة عار على جبين ليبيا والليبيين.