السياسي

إلى متى سيبقى (لاص الكبي) مع عقيلة صالح ؟

إلى متى سيبقى (لاص الكبي) مع عقيلة صالح ؟

إلى متى سيبقى (لاص الكبي) مع عقيلة صالح ؟

 

 

تحتل لعبة (الاسكمبيل) مكانة مرموقة في الموروث الشعبي الليبي، حيث اعتاد الناس على متابعة مواجهاتها بشغف خاصة في سهريات الأعراس في الأزمان السابقة، وتدور منافساتها بحماسية منقطعة النظير، مع تفاعل الجمهور مع تحركات الرياس والبحرية وأي الفريقين سيختم اللعبة بـ(اللاص) ويحكم على رايس الفريق المنافس وبحريته. 

هناك في مدينة القبة في شرق البلاد؛ ذاع صيت لاعب مشهور لا يشق له غبار، اسمه عقيلة صالح قويدر، كان لاعبا محنكا يصعب التغلب عليه لدهائه ومناوراته منقطعة النظير.

دار الزمان دورته ورشح هذا الرايس المغوار نفسه في انتخابات مجلس النواب الليبي سنة 2014، وحصل على حوالي 900 صوت في مدينته الصغيرة أهلته للحصول على كرسي في المجلس، وبتوافقات معينة بين جهات سياسية وقبلية اتفق على أن يكون رئيس مجلس النواب من الشرق، وحسبما سرد عضو مجلس النواب الصالحين عبدالنبي سعد العبيدي؛ فإن أعضاء المجلس الجدد آنذاك اجتمعوا في بيته للاتفاق على اختيار رئيس لمجلس النواب يدفع به ممثلا للمنطقة الشرقية يوم انتخاب رئيس المجلس، ويقول الصالحين عبدالنبي إن ذلك الاجتماع الذي عقد بيته كان في يوم مباراة البرازيل وألمانيا في نصف نهائي كأس العالم سنة 2014، وكما حدث للبرازيل التي كانت تمني نفسها بالظفر باللقب على أرضها ومنيت بهزيمة كارثية بسباعية تاريخية، حدث نفس الأمر للصالحين الذي استضاف الاجتماع على أمل الفوز بالترشيح، ولكن الداهية عقيلة صالح أخرج كل ما في جعبته من مهارات ومناورات اكتسبها من خلال خبرته في إذلال خصومه في الاسكمبيل، وتمكن من مفاجأة الجميع والظفر اللقب رغم الدعم الجماهيري الذي تمتعت به البرازيل والصالحين. 

منذ ذلك الحين إلى يوم الناس هذا وبعد مرور أكثر من عشر سنوات على تلك الليلة في صيف 2014؛ لا زال الرايس أو الرئيس عقيلة صالح يتلاعب بخصومه ويلاعبهم بنفس الأدوات وبنفس الحركات وبنفس الأوراق ثم يفوز عليهم في كل مرة ويرحلون يبقى.

جمعت مباريات الاسكميبل المحتدمة في ملاعب السياسة عقيلة صالح بخصوم متعددين، انتصر عليهم جميعا بـ(اللاص) رغم أنهم كانوا يعتقدون أن بإمكانهم تمرير (التريس) الذي يملكونه ظنا منهم أن الداهية لن يختمها بلاص الكبي، وفي اللحظة المناسبة يخرج الرايس المحنك من جعبته (اللاص) –طيب الذكر وسيئ السمعة- ليرمي به على وجه خصمه ويرقص رقصة الانتصار معلنا علو كعبه على خصومه واستمراره في الحلية إلى أن يأتي خصم جدير بتفادي مناوراته والإطاحة به. 

اجتمع عقيلة في جولات اسكمبيل السياسة الليبية مع رؤساء متعددين للمؤتمر الوطني العام سابقا والمجلس الأعلى للدولة، نوري أبو سهمين، عبدالرحمن السويحلي، خالد المشري، محمد تكالة، ثم العودة المحتملة للمشري من جديد، تغيرت الوجوه والثابت الوحيد في الحلبة هو وجه الرايس عقيلة.

زامن الرايس حكومات كثيرة أيضا، فرئيس الحكومة في فترة انتخابه كان علي زيدان، أقيل وحل محله عبد الله الثني، رحل الثني إلى المنطقة الشرقية لينال مباركة الرايس عقيلة، وحل محله في الغرب عمر الحاسي ثم خليفة الغويل، ثم جاء الاتفاق السياسي ليطيح بهم جميعا ويأتي بفائز السراج، ثم حوار جينيف الذي أتى بالدبيبة، ثم تلاعب به عقيلة بلاص آخر من مصراته وعين فتحي باشاغا ليحل محله في طرابلس، ولما فشل أقصاه وكلف أسامة حماد ليشغل مكاتب الحكومة الموازية في بنغازي، والآن يخطط لإبعاد الرجلين وتشكيل حكومة جديدة، كلهم يلعبون شوطا أو شوطين، يخسرون ويفوز رايس رياس ليبيا ويستمر في اللعبة بلا منافس.

يصدر القرارات ثم يتراجع عنها، يكلف ويلغي تكليفاته ويعترف بتكليفات خصومه بعد أن تنازلوا عنها، عين محافظا جديدا للمصرف المركزي خلفا للصديق الكبير ثلاث مرات، وأخيرا قرر إلغاء تكليفاته والإبقاء على الكبير، بعد أن قرر الرياس الذين ينافسونه في طرابلس إقصاء الرجل باعتماد قرار سابق لعقيلة نفسه. 

كلف مديرا جديدا لهيئة الرقابة الإدارية في شرق ليبيا، معلنا عدم الاعتراف بمن يشغل المنصب في طرابلس، وبعد أن قرر منافسوه تغيير رئيس هيئتهم عاد وأعلن استمراره في منصبه وأنه الرئيس المعتمد للهيئة، تاركا خصومه يترنحون، فلا هم ماضون في توجههم بتغييره، ولا هم ممضون قرار عقيلة بإبقائه.

في ملتقى جينيف سنة 2020 أعطى الرايس عقيلة لخصومه سلاحا فتاكا من شأنه أن يقضي عليه، (حوّت) الرايس بـ(تريس) مفاجئ ظنا منه أنها لعبة مضمونة، انقلبت اللعبة عليه، وانفجر اللغم في وجهه، فكيف يتصرف الرايس الداهية. 

صرح عقيلة  بحكم ثقته بفوزه بمنصب رئيس المجلس الرئاسي- أن منصب رئيس مجلس النواب يجب أن يكون من نصيب الجنوب، فرئيس المجلس الرئاسي من الشرق، ورئيس حكومة الوحدة الوطنية من الغرب، ولكن المفاجأة كانت بفوز قائمة عبد الحميد الدبيبة ومحمد المنفي، ووجد الرايس عقيلة نفسه في واحد من أصعب المواقف التي واجهته في حلبات الاسكمبيل، وسنّ الرياس الآخرون أسلحتهم ووجهوا كل ما في حوزتهم من أوراق رابحة لإقصاء الرايس الذي طالما تلاعب بهم ، فجأة وفي غفلة من الجميع أخرج الرايس المحنك (لاص الكبي) من جيبه ليختم به اللعبة وينهي الدرس.

أقنع عقيلة نواب المنطقة الجنوبية بالتنازل عن المطالبة بتنحيته -حسب وعده واشتراطه- مقابلوعد منه بمنحهم بعض المناصب كوكلاء الوزارات والرؤساء الهيئات والسفراء، وألقى عقيلة خطاب النصر في قاعلة البرلمان معلنا استمراره في منصبه لأنه يمثل شرفا للمنصب ولا يتشرف هو به، ولأنه يعلم أنه بعد هذه السنوات فلا أحد يملك الخبرة لحل الأزمة أكثر منه، ولأنه قرر التضحية براحته للاستمرار في اللعبة حتى يحقق الفوز لنا جميعا. 

بعد عشر سنوات؛ ما زالت اللعبة مستمرة، وما زال الرايس عقيلة مستمرا في قهر خصومه والرقص على جراح هزائمهم، وما زال يرمي بـ(اللاص) تلو (اللاص) ليختم على جباههم جميعا، إلا رايس واحد لم يستطع عقيلة الفوز عليه بـ(لاص)، إنه خليفة حفتر، لا يعرف عنه أنه لاعب محنك في لعبة لا أحد يخبرها مثل رايسها عقيلة صالح، ولكنه يتمتع بدعم قوي داخليا وخارجيا، ويملك أوراقا لا يملكها عقيلة نفسه ولم يلعب بها من قبل، لهذا تجد الرايس عقيلة لا يلعب أبدا ضد الرايس خليفة، يلاعبه أو يتحالف معه، ولكن لا يواجهه، أو على الأقل نقول لم يواجه من قبل، ولكن إذا جاء وقت المواجهة فلا أحد يستطيع الاستهانة بالرايس الذي لطالما أبكى رياسا ظنوا أن بإمكانهم اللعب في عرين الأسد.

ما زال الرايس عقيلة (يحوت) ويناور ويلف ويدور، يتفادى (تريس) من هنا، وآخر من هناك، ويلعب لعبة السياسة بنفس المهارة التي شهدت له بها أعراس القبة ودرنة والبيضاء، ولا زال في جعبته أكثر من (لاص)، لكل منها محله وموضعه، ففي السياسة كما في الاسكمبيل، يرقص كثيرا من يرقص أخيرا.