علاش لازم يسقط المدعي العام العسكري ؟
هل يكون العدل ماتراه الحكومة ؟ أم مايراه القضاة ، المصون وجدانهم من كل مؤثر غير الشرع والحق ، من كلّ ضغطٍ حتى ضغط الرأي العام ؟
هذا جزء من التساؤلات التي طرحها المفكر الكبير عبد الرحمن الكواكبي عند طرحه لعلاقة السلطة التنفيذية مع الجهات القضائية بشقيها العادي والعسكري .
إن ما حدث مؤخرا من أحداث في طرابلس نتج عنها صدام عسكري بين التشكيلات المسلحة الموالية لعبد الحميد الدبيبة او لفتحي باشاغا المتصارعين على منصب رئاسة الحكومة في بلد لم تولد فيه الدولة أصلا .
وشرع عبد الحميد الدبيبة مباشرة بعد أن إستطاعت التشكيلات المسلحة التابعة له من إقصاء خصومه بإصدار كتاب إلى المدعي العام العسكري القاضي بإتخاذ الإجراءات القانونية ضد كل من ساهم عسكريا أو على أساس التحريض على الحكومة حسب ما جاء في نص كتابه بصفته وزيرا للدفاع .
هنا أعتقد أن هناك تساؤل منطقي فرض نفسه نتيجة هذه الأحداث وهو هل صفة المدعي العام العسكري وتبعيته للسلطة التنفيذية أصبح سلاح في يد الحكومات تستعملها ضد خصومها ؟ وهل لمجرد إنتقاد الحكومة أو معارضتها ، و ممارسة الحق الدستوري في المطالبة برحيلها ، كافي ان يكون سبب عرض من يصرح بذلك أمام القضاء العسكري المستند بطبيعته إلى تطبيق قانون يحوي على عقوبات تتسم بالشدة ، عطفا عن توافر أو عدم توافرالإشترطات الازمة لعرض المدنيين أمام القضاء العسكري أصلا .
فقد جاء في نص المادة رقم (1) من قانون رقم 4 لسنة 2017 بشآن تعديل بعض أحكام قانوني العقوبات العسكرية والإجراءات العسكرية ما نصه ( …تسري أحكام هذا القانون … 3 المدنيون العاملون بالجيش الليبي في حالة النفير …).
من هنا نلاحظ أن القانون قد قيد إمكانية عرض المدنيين على القضاء العسكري بشرطين إثنين الأول أن يكون من العاملين بالجيش الليبي والثاني أن تكون هناك حالة نفير ، أو أن يرتكب هذا المدني جريمة من الجرائم الإرهابية بموجب نص الفقرة السادسة من المادة الأولى.
وهنا يتضح لنا العديد من الإشكاليات فيما يتعلق بإنزال صحيح القانون على ما جاء في قرار المدعي العام العسكري المؤرخ في 28/8/2022.
فلا المتهمين المدنيين من العاملين بالجيش الليبي ، ولا يمكن أن يوصف ما إرتكبوه من أفعال وسلوكيات تندرج تحت النموذج التجريمي للجرائم الإرهابية ، فمصطلح الجرائم الإرهابية من المصطلحات الفضفاضة التي تحتاج إلى تعريف ضابط يحدد ماهو إرهابي وما هو غير إرهابي من سلوكيات ،
إن هذا المشهد تكرر بصورة قد تكون قريبة للحالة التي ناقشناها سلفا عندم صدر حكم من القضاء العسكري بالسجن لمدة 15 العام في حق الصحفي ( إسماعيل بزريبة الزوي ) حيث تم إتهامه على أساس إنتقاده للسلطة العسكرية في شرق البلاد وانه تواصل مع قنوات تعتبر داعمة لتشكيلات إرهابية ( حسب وصفهم ) الأمر الذي أدى إلى حرمانه من محاكمة عادلة أو تمكينه من الدفاع عن نفسه وفقا لمعايير المحاكمة العادلة المنصوص عليها في القانون الليبي ، إضافة إلي تعارض هذا الإجراء أصلا مع نصوص القانون العسكري الذي نوهنا اليها سابقا والقاضية بتوفر شروط محدد لعرض المدنيين على القضاء العسكري ،
إضافة إلى كل ماذكر فإن كل المواثيق الدولية تحضر عرض المدنيين في القضايا المتعلقة بحرية التعبير وحق الناس في إبداء أرائهم ، امام القضاء العسكري ، الآمر الذي يبين تحديدا مدى الإنتهاكات التي ترتكبها الجهات التنفيذية في ليبيا بجميع صفاتها في حق كل من يحاول أن يبادر برأي لا يوافق أهواء أصحاب البلد .
إن إستمرار تبعية القضاء العسكري ومن أمامه المدعي العام العسكري للجهات التنفيذية في ليبيا ماهو إلا سيف مسلط على رقاب كل من يحاول أن يعارض موقفا او مسلكا رأته الجهات التنفيذية صوابا ، وما هي إلا ورقة ملطخة بحبر أسود وممهورة بتوقيع أيادي مرتجفة ، كفيلة بإنهاء مستقبل إنسان فكر أن يكون لديه رأي مستقل …