تعرف على إمكانيات ليبيا الإستثمارية في 2024 ( هل نحن أغبياء ؟ )
صدر منذ أيام قليلة تقرير وزارة الخارجية الأمريكية لعام 2024 عن بيئة الاستثمار في ليبيا، ويشير التقرير إلى وجود إمكانات كبيرة لجذب الاستثمارات في البلاد، خاصة في قطاعات النفط والغاز والكهرباء والبنية التحتية. ومع ذلك، يواجه المستثمرون –حسب التقرير- تحديات كبيرة بسبب البيروقراطية، والتقسيم المؤسسي، واللوائح المعقدة، والفساد، والتهديدات الأمنية، وسوء الامتثال الحكومي للالتزامات التعاقدية.
ولخص التقرير أبرز العقبات التي تواجه المستثمرين الأجانب وتحول بينهم وبين دخول السوق الليبي في:
الغموض في أسواق الإيجار.
قلة الشفافية في منح التراخيص.
ضعف الاستقلال القضائي وإنفاذ القانون.
بيئة تنظيمية غير واضحة وغير شفافة.
أدوار غير محددة لمؤسسات الدولة.
سيعتبر الكثير من الليبيين أن هذا التقرير هو تدخل في الشأن الليبي، وقد يتهمون من ينقل عنه بالخيانة، ولكن ألا يجدر بنا كليبيين أن نبحث عن مواضع الخلل لنصلحها، فوجود كل هذه الثروات والإمكانات في ليبيا، ثم إهدارها وعدم استغلالها هو خيانة للبلاد وخيانة للأجيال القادمة.
فليبيا تعتبر واحدة من الدول التي تمتلك إمكانات كبيرة لجذب الاستثمارات، سواء المحلية أو الأجنبية. وعلى الرغم من هذه الإمكانات، إلا أن البلاد تواجه العديد من التحديات التي تعيق تحقيق هذا الهدف، وتقرير وزارة الخارجية الأمريكية لعام 2024 عن بيئة الاستثمار في ليبيا لم يزد عن إلقاء الضوء على هذه الإمكانات والتحديات، وإبراز الحاجة إلى إجراء إصلاحات جذرية لتحسين بيئة الاستثمار في البلاد، قد نتفق مع بعض ما طرحه التقرير ونختلف مع غيره، وقد يكون خلافنا بنيويا وجوهريا في بعض النقاط، ولكن ما يجب أن نتفق عليه هو الحاجة الملحة لإيجاد إصلاحات قانونية تفتح الباب أمام المستثمرين المحليين والأجانب للاستفادة من ثروات البلاد وتنويع مصادر الدخل فيها وإخراجها من حالة (البقال) التي تعيشها، فليبيا لم تزد منذ ستينات القرن الماضي عن لعب دور البقال الذي يأخذ النفط ليبيعه لدول أخرى ثم يقبض المال لينفقه على هوى السلطة الحاكمة.
تمتلك ليبيا أكبر احتياطي نفطي مؤكد في إفريقيا، وتحتل المركز التاسع على مستوى العالم من حيث حجم الاحتياطي النفطي، بالإضافة إلى ذلك، تملك البلاد خامس أكبر احتياطي من الغاز في إفريقيا، كما تحتل البلاد المركز الخامس عالميًا من حيث أكثر الدول امتلاكًا لاحتياطيات النفط الصخري القابلة للاستخراج، هذه الثروات الطبيعية تجعل من ليبيا وجهة جذابة للاستثمار في قطاعي النفط والغاز، ولكن البلاد تضم موارد أخرى قادرة على منافسة هذين القطاعين في قائمة أهم مصادر الدخل للدولة.
فإلى جانب النفط والغاز، يعتبر قطاع الكهرباء والبنية التحتية من القطاعات التي تمتلك إمكانات كبيرة لجذب الاستثمارات، فتطوير شبكات الكهرباء وتحسين البنية التحتية كالمطارات والموانئ والطرق يمكن أن يسهم في تحسين جودة الحياة للمواطنين وخلق فرص عمل جديدة، وفي سنوات سابقة قامت الحكومات الليبية بإمضاء اتفاقيات لاستغلال الطاقة الشمسية الهائلة في الصحراء الليبية، واتفاقيات أخرى لجعل ليبيا بوابة لأفريقيا لنقل السلع عبر موانئها إلى جيرانها الجنوبيين، ولكن هذه الاتفاقيات لم تبصر النور حتى الآن.
كما يمكن أن تلعب قطاعات أخرى مثل التعدين والصناعة والتجارة والسياحة دورا محوريا في تنويع مصادر الدخل وخلق فرص عمل بديلة عن القطاع الحكومي المثقل والمترهل.
وعلى الرغم من الإمكانات الكبيرة التي تمتلكها ليبيا، إلا أن بيئة الاستثمار في البلاد تواجه العديد من التحديات التي تعيق تحقيق هذا الهدف. ومن أبرز هذه التحديات:
البيروقراطية المعقدة:
تعد البيروقراطية غير الواضحة والمعقدة واحدة من أكبر العوائق أمام المستثمرين في ليبيا، فاللوائح المرهقة والإجراءات الإدارية الطويلة تجعل من الصعب على المستثمرين –محليين أو أجانب- الحصول على التراخيص اللازمة والبدء في تنفيذ مشاريعهم.
تقسيم مؤسسات الدولة:
حالة الانقسام السياسي والإداري بين شرق وغرب والمستمرة منذ 2014 تقريبا؛ تخلق حالة من عدم الاستقرار والغموض، وتؤثر سلبا على فعالية الحكومة في تنفيذ السياسات الاقتصادية والإصلاحات اللازمة لتحسين بيئة الاستثمار، فقرارات وإجراءات واتفاقات أي حكومة لا تمضي إلا في مناطق نفوذها، ومع حالة الميوعة في هذه المناطق، والاتساع الكبير للبلاد، يكون من شبه المستحيل إنشاء مشاريع وطنية ضخمة وذات مردود اقتصادي كبير من دون تداخل في الصلاحيات بين الحكومات وأجهزتها.
الفساد المستشري:
تحتل ليبيا مرتبة منخفضة للغاية في المؤشرات الدولية التي تقيس بيئة الاستثمار وسهولة ممارسة الأعمال، ففي مؤشر مدركات الفساد الصادر عن منظمة الشفافية الدولية لعام 2023، جاءت ليبيا في المركز 170 من أصل 180 دولة، وفي مؤشر سهولة ممارسة الأعمال التابع للبنك الدولي، احتلت ليبيا المركز 186 من أصل 190 دولة.
ويعتبر الفساد من أكبر التحديات التي تواجه بيئة الاستثمار في ليبيا، وليس سرا انتشار الفساد في كل مستويات الإدارة العامة تقريبا، مما يؤثر سلبًا على ثقة المستثمرين ويزيد من تكاليف الاستثمار، التي ستضطر لحساب ما ستدفعه من رشاوى لإنجاز أعمالها مع عدم قدرتها على إدراجها في السجلات لعدم وجود قيمة مقابلة لها.
التهديدات الأمنية :
تشكل التهديدات من الجماعات المسلحة تحديا كبيرا أمام كل مشاريع الاستثمار في ليبيا، فحالة الضبابية الأمنية وعدم الاستقرار الأمني، وإمكانية اندلاع اشتباكات مسلحة في أي مكان وفي أي لحظة، يؤثر سلبا على بيئة الاستثمار ويزيد من المخاطر التي تواجه المستثمرين، فهذا الوضع الأمني غير المستقر يجعل من الصعب على الشركات حماية استثماراتها وضمان استمرارية عملياتها.
سجل الحكومة الليبية في عدم الامتثال للالتزامات التعاقدية:
تعاني الحكومة الليبية من سجل طويل في عدم الامتثال للالتزامات التعاقدية والسداد في الوقت المناسب، هذا السجل يؤثر سلبا على ثقة المستثمرين ويجعل من الصعب جذب الاستثمارات الأجنبية، فالمستثمرون يحتاجون إلى ضمانات بأن الحكومة ستلتزم بتعهداتها وستقوم بالسداد في الوقت المحدد، بينما درجت العادة في ليبيا ومنذ عقود على اضطرار الشركات لدفع مبالغ كبيرة كرشاوى للمسؤولين وأبناء الحكام وحاشيتهم للحصول على مستخلصاتها المالية.
عجز الدولة عن إيجاد بديل أو داعم للنفط كمصدر أساسي لدخل البلاد جعلنا جميعا رهينة لهذا القطاع، بغض النظر عن الإغلاقات المتكررة للحقول والموانئ النفطية خلال السنوات الماضية، فإن تقلبات السوق العالمي كفيلة بجعل البلاد تسير على حبل مربوط بين ضفتي نهر جارف، فأي انخفاض محتمل في أسعار النفط قد يوصل الحكومة إلى حالة العجز عن دفع مرتبات المواطنين، ولأن أكثر من ثلاثة أرباع القوة العاملة في ليبيا يعملون في قطاعات الدولة المختلفة، فإن هذا الأمر وحده كفيل بأن يجعل المطالبة بتحسين بيئة الاستثمار مطلبا وطنيا، وللوصول إلى ذلك يجب اتخاذ خطوات فورية لإصلاح البيروقراطية وتبسيط الإجراءات وإصلاح اللوائح المرهقة على المستثمرين والمواطنين على حد سواء.
كما يجب على الحكومة العمل على تحسين التنسيق بين مؤسسات الدولة المختلفة لضمان تنفيذ السياسات الاقتصادية والإصلاحات اللازمة بفعالية، ويجب عليها أيضا أن تجعل مكافحة الفساد
أولوية مطلقة، وتباشر باتخاذ خطوات لتعزيز الشفافية والمساءلة.
كذلك العمل على تحسين الوضع الأمني، فتحقيق الأمن والاستقرار يمكن أن يسهم في حماية الاستثمارات وضمان استمرارية العمليات، كما يعزز من قدرة الحكومة على تنفيذ المشاريع التنموية وجذب الاستثمارات في مختلف القطاعات.
ويجب على الحكومة أيضا أن تحسن سجلها في مجال الامتثال للالتزامات التعاقدية والسداد في الوقت المحدد، وتكف أيدي الفاسدين الذين يعرقلون حصول الشركات على مستخلصاتها قبل أن يحصلوا على عمولاتهم (الرشوة).
ختاما؛ نقول إن ليبيا تمتلك إمكانات كبيرة، قادرة على إحداث تحويل جذري في مستوى حياة الناس ومعيشتهم، وتحتاج هذه الإمكانات فقط إلى حكم رشيد لاستغلالها في صالح الشعب لا في صالح الطبقة الحاكمة، والحكم الرشيد يصعب الوصول إليه في حالة وجود شعب سلبي يصفق للفاسدين ويطالب بنصب المشانق لمن ينشر فسادهم أو يطالب بتكبيل أيديهم.