الأجنحة الليبية ومن ورائها برنيق تكسر حاجز ( العجز )
لمكان: مطار إسطنبول الدولي
الزمان: مساء أحد أيام الصيف الحارة
الحدث: مواطنون ليبيون يعبرون طريقهم وسط زحام المسافرين في أحد أكثر مطارات العالم ازدحاما، سمع هؤلاء المواطنون صوت المنادي الداخلي للمطار وهو يعلن فرب إقلاع طائراتهم المتجهة بهم إلى أرض الوطن، واحدة إلى طرابلس وأخرى إلى بنغازي، طائرات أنيقة ونظيفة تحمل شعارات شركات خاصة، تقلع من مطاراتنا (غير المجهزة بالكامل) في موعدها، وتصل إلى وجهاتها في موعدها، وتقفل عائدة إلى أرض الوطن في موعدها.
حدث آخر يحدث في نفس الزمان والمكان، مواطنون ليبيون يفترشون الأرض في أروقة المطار، وبعضهم أو فلنقل أكثرهم حظا قد تحصل على كرسي ليلقي بجسده المثقل عليه بعد أن تركه مسافر أزف موعد إقلاع رحلته، لا يعلم هؤلاء متى يحين موعد إقلاع رحلتهم، فالموعد الذي اشتروا تذاكرهم على أساسه قد مر وفات منذ ساعات ربما، كما أن الطائرة التي ستقلهم إلى أرض الوطن لم تغادر الوطن بعد، يجري أحدهم اتصالا يخبره المتحدث على الطرف الآخر أن طائرتهم عالقة في مطار الكفرة بسبب عطل في المكابح، سيتم نقل المهندسين المختصين وقطع الغيار على طائرة أخرى للكفرة، ليقوم هؤلاء المهندسون بإصلاح الطائرة حتى تعود إلى طرابلس لتحمل العالقين الآخرين بانتظارها في مطار معيتيقة لنقلهم إلى إسطنبول ثم يأتي دوركم!
انزعج صديقنا المتصل ولعن حظه العاثر الذي ألقى به بين يدي شركة الطيران التعيسة التي لم تتغير منذ عشرات السنين، نفس المعاملة السيئة منذ شراء التذكرة إلى ركوب الطائرة، نفس الخدمات التعيسة من إجراء التسجيل إلى الوجبة (البايتة)، نفس التأخير في المواعيد الذي قد يتجاوز الساعات إلى يوم أو أكثر وربما إلى الإلغاء، وتساءل في نفسه لماذا سافر أقرانه الليبيون الذين تحدثنا عنهم في بداية المقال في مواعيدهم وبدقة، لماذا يصل هو إلى المطار ويجلس فيه ساعات طويلة بينما يأتي المسافرون على متن طائرات الشركات الخاصة إلى المطار بعده وينهوا إجراءاتهم بسهولة ويسر وتقلع بهم الطائرات في مواعيدها مع تمتعهم بخدمات لائقة و(وجبات ساخنة) بينما يفترش هو الأرض في مطارات تركيا ومصر وتونس.
هذا هو حال الكثير من الليبيين الذين قادهم حظهم العاثر أو ربما ضعف إمكاناتهم المادية إلى اختيار شركة طيران مملوكة للدولة ليسافروا على متن رحلاتها، معاملة سيئة وخدمات رديئة أما المواعيد فـ(أنت وحظك).
على الطرف الآخر؛ أثبتت شركات الطيران الخاصة مصداقيتها وتفوقت على الشركات العامة بأشواط قد يصعب معها اللحاق بها هذا إذا حاولت اللحاق بها أصلا، فشركات مثل الأجنحة الليبية وبرنيق مثلا تقدم خدماتها بنجاح منذ سنوات، بل إنها طورت خدماتها وأصبح لبعضها –والحديث هنا عن برنيق- محطات خاصة بها لتثبت علو كعبها على الشركات العامة التي تحمل صفة المشغل الرسمي لمطارات كاملة ولا تنجح حتى في تحضير وجبة لائقة لمسافر.
قبل أقل من عشر سنوات بقليل وعندما كانت شركة الأجنحة الليبية تحضر لإطلاق أولى رحلاتها كان الكثيرون يراهنون على فشلها، ويؤكدون عدم قدرتها على الاستمرار في ظل الظروف الأمنية المتردية، أو يراهنون على سقوطها في اختبار الكفاءة نظرا لغياب البنية التحتية اللازمة لتحضير خلطة النجاح في هذا المجال، بعد كل هذه السنوات لا زالت الشركة الخاصة تعمل بكل كفاءة وتضرب المثل في دقة المواعيد وجودة الخدمات.
وغير بعيد عنها تأتي شركة برنيق؛ شركة خاصة أخرى تنافس الشركات المملوكة للدولة وتتفوق عليها في كل المجالات، وتتجاوز بمسيرتها التي لا تزيد عن سنوات؛ كل سنوات الخبرة التي يتشدق بها مسؤولو الشركات العامة والذين لا رصيد لهم في هذا المجال إلا اجترار أمجاد الماضي والحديث عن قصص حدثت – أو لم تحدث- في ستينيات القرن الماضي عندما كان المسافرون يعدلون ساعاتهم على مواعيد وصول طائراتنا.
في السنوات الأخيرة دخلت عدة شركات طيران جديدة على مجال المنافسة، وعادت أخرى من تحت الأنقاض لتنافس الشركات الناشئة، وأعتقد جازما أن معظم هذه الشركات سيقدم خدمات أفضل من الشركات العامة وستستمر في ذلك، لأن هذه الشركات تتخذ من الناجحين منذ سنوات – برنيق والأجنحة الليبية- نموذجا لها ومصدرا للإلهام وهدفا للمنافسة.
وفي هذا السوق الديناميكي المتحرك باستمرار، لازال الشركات العامة تزحف ببطء على غير هدى ودون تحديد اتجاه، يرهقها كادرها الوظيفي المترهل، وأنظمة عملها العتيقة، وبيروقراطيتها التقليدية، وتقاليد عريقة من السرقة والفساد، بينما تفرد الشركات الخاصة أجنحتها مستلهمة نماذج الشركات العالمية من أطر الحوكمة والشفافية ومواكبة آخر التحديثات في مجالها لتحلق في عالم النجاح، ولتضرب مثلا حيا أمام كل الليبيين وفي كل المجالات، أن النجاح ممكن في حال توفرت أسبابه، وأن الظروف الأمنية وغياب الإمكانات والبنية التحتية لن تكون عائقا إذا خلصت النية.