هل ما زالت رأس جدير ترفض الخضوع؟
الحاضنة الشعبية هي الفيصل دائما في كل محاولات أي سلطة حاكمة كسب شرعيتها، أو السيطرة على مساحة جغرافية معينة، هذه القاعدة يقول لنا التاريخ دائما انها تكاد تكون لا إستثناء عليها، وقد صدقها جُل من أراد ان يدير شأن الناس في هذا العالم، إلا من شاء القدر أن يحكموا ليبيا.
حيث ما زالت السلطة الحاكمة في طرابلس لم تفهم هذه الفكرة، يتضح ذلك في استمرار تصعيد الأمر في منطقة رأس جدير مع مدينة زوارة، وما زالت كل المحاولات التي تقوم بها لإعادة فتح المعبر وتنظيمه تفاقم الأزمة أكثر من ان تقدم حلول منطقية كما يرى العديد من المتابعين .
حيث بعد ان توصل المجلس البلدي وحكومة عودة الحياة لاتفاق حول ألية فتح معبر رأس جدير في الاجتماع الأخير الذي عُقد في طرابلس، والذي حوى طلبات منطقية كما يرى البعض للمجلس البلدي زوارة، من أهم هذه الطلبات هي إرجاع الضباط الذي كان قد فصلهم السيد وزير الداخلية عماد الطرابلسي في الفترة الماضية من كل الجهات التي تعنى بتنظيم المعبر، في تصرف فسره العديد من المتابعين في مدينة زوارة أنه تصرف عنصري موجه لعرق معين في ليبيا، ولا يرتقي لأن يكون تصرف يصدر من شخصية مسؤولة من المفترض أنها تمثل كل الليبين،
ويفسر مصدرنا من حراك شباب زوارة الذي كان طرفا في كل الجهود السابقة في إعادة فتح المعبر، ان السيد وزير الداخلية ما زال متمسكا بفكرة ان يتعامل مع معبر رأس جدير من زواية كونه ينتمي لمدينة الزنتان، ومحاولات قيادات هذه المدينة في السنوات الماضية السيطرة على المعبر، في أكثر من مرة، الأمر الذي كنا قد تحدثنا عليه في مقالتنا التحليلي السابقة تحت عنوان (الدبيبة Vs زوارة) والذي بينا فيه الأبعاد التاريخية لكل التصرفات التي تصدر من السيد وزير الداخلية في حكومة عودة الحياة، التي ما زالت تفاقم الوضع أكثر من كونها تجد حلا لهذه الأزمة.
خلال الاجتماع المذكور طلب، الوفد الممثل عن مدينة زوارة استكمال الأعمال التي أُوقِفَت في مدينة زوارة والمتعلقة بالمباني الصحية والخدمية في المدينة التي تعاني بشكل كبير منذ سنوات، ناهيك على إيقاف التصرفات الاستفزازية للمواطنين التي تقوم بها قوات عسكرية محسوبة على حكومة عودة الحياة، مثل رماية الرصاص على المواطنين في بوابة (آبوكماش) والتي أسفرت عن إصابة طفلة كانت مع أهلها في إحدى السيارات، ناهيك على العبارات الاستفزازية التي يرددها أفراد هذه القوة، والتي تقلل من أهالي مدينة زوارة، في سياق يبين ان هذه السلوكيات لا تعبر عن قوة تمثل دولة وسلطة حاكمة، كما أكد مصدرنا ان رسالة الوفد الممثل لمدينة زوارة كان واضحا جدا، ان المعبر خاضعاً للسلطات الرسمية في الدولة، وأنه يمثل كل الليبين، وأن ما تحاول وزارة الداخلية تصديره لليبيين هو غير صحيح، وإن أي انتهاكات تحدث في المعبر هي تشابه الوضع الأمني العام الذي تمر به ليبيا، وكل المعابر الحدودية الأخرى الجوية منها والبرية.
انفض الاجتماع بوعود من قبل رئيس حكومة عودة الحياة بإرجاع الوضع إلى الهدوء، وأنه سيأتي بنفسه إلى المعبر ممهدا لافتتاحه خلال هذا الأسبوع.
تفاجأ الجميع بعد 24 ساعة من هذا الاجتماع، والاتفاق بين الحكومة والوفد الممثل لمدينة زوارة بإعلان صادر من رئيس حكومة عودة الحياة عبد الحميد الدبيبة بصفته وزير دفاع باعتبار منطقة أبوكماش منطقة عسكرية؟!
هذا الإجراء الذي من المنطقي ان يتبعه حزمة إجراءات منها تعيين حاكم عسكري لهذه المنطقة، إضافة إلى تفعيل الأعراف العسكرية في المنطقة، وتحييد أي دور لأي مؤسسة مدنية، مثل المجلس البلدي أو أي جهة أخرى في هذه المنطقة، ويرى العديد من المتابعين ان هذا الإجراء هو تمهيد لتصعيد عسكري يبدوا أنه يُحضر على نار هادئة قد يصل الأمر إلى دخول المنطقة في صراع مسلح، لا يعلم أحد إلى أي مدى سيصل، ولا ما هي الأبعاد التي قد يخلفها هذا الصراع إذا نشأ في هذه المنطقة، وكيف ستكون نتائجه على حالة الاستقرار والسلم المجتمعي في المنطقة الغربية في ليبيا.
بعيدا عن ما قد يحدث في هذه المنطقة، نعتقد إن مفهوم كسر العظم الذي تحاول ان تقدمه حكومة عودة الحياة في ليبيا لإظهار سيطرتها غير منطقي، حيث يبدو أنها لا تعلم بفقدانها لمفهوم الشرعية بالنسبة لكل طرف تحاول ان تخضعه لسيطرتها المركزية، وهذا ما جاء في جل خطابات المجلس البلدي زوارة، وهم في هذه المسألة على حق كما يرى البعض، فعلى أي أساس تخاطب هذه الحكومة الجهات المنتخبة من الشعب مثل المجلس البلدي زوارة أو غيرها، لكونها تعتبر (سلطة حاكمة) بحكم الأمر الواقع، ولا تملك الشرعية القانونية لتستعملها لتبرير كل تصرفاتها لإخضاع من تراه قد تمرد على الدولة كما تعتقد، فما عليها إلا التعامل بالحكمة في مثل هذه المواقف، لأن ما تقوم به من تصعيد عسكري، سيدفع ثمنه من يستقر في هذه المنطقة لأجيال، باعتبارها مهما طال عمرها فهي راحلة.
في الوقت نفسه يجب ان تعي القوة العسكرية والمدنية التي تدير معبر رأس جدير من مدينة زوارة أن أزمة المعبر قد تفاقمت جدا، وأن أحد الأسباب الرئيسية لهذه الأزمة هو تراكم المواطنين في المعبر لأكثر من 12 ساعة للمرور لتونس، بل هناك بعض الحالات قد وافتها المنية نتيجة تفاقم حالتها الصحية، وهي تنتظر المرور لتونس، وذلك نتيجة لكثرة السيارات التي تهرب في كل شيء على هذه الأرض، والتي تزاحم المواطنين على المعبر، بل في الغالب تُقدم في الدخول على المواطنين العادين فقط لأنهم ينتمون بشكل أو بآخر لمدينة زوارة، هذا العبور الذي يصل بكل هؤلاء لبوابة واحدة فقط من الجانب التونسي يتمسك الجار بتقديمها كمدخل وحيد فقط لتتأكد نتيجة بسيطة وهي استمرار أزمة عبور المواطنين ناهيك على أنه منذ قفل المعبر توفرت البنزين بالتحديد لكل المساحة الجغرافية الممتدة من صبراتة وصول لرأس جدير، وهذا ما كان غائبا طيلت الفترة الماضية.
لهذا يجب أن نرى بعينين كاملتين، لنصل لملامح حل منطقي لهذه الأزمة.