السياسي

ما هي براءة الاختراع المنسوبة (لعائلة الدبيبة) في مجال إدارة الدولة؟

ما هي براءة الاختراع المنسوبة (لعائلة الدبيبة) في مجال إدارة الدولة؟

ما هي براءة الاختراع المنسوبة (لعائلة الدبيبة) في مجال إدارة الدولة؟

 

في نقاش مع أحد الرفاق حول أحوال الامتحانات التي يخوضها ابنه في مرحلة الإعدادي، ذكر لي مشهدا كان قد رصده في أثناء انتظاره لإبنه أمام إحدى مدارس طرابلس العامرة بالفساد حتى النخاع، (وصلت للمدرسة فإذا بتجمع نسائي كبير في حالة جدال مع إحدى المعلمات، اتضح بعدها انها مسؤولة لجنة الامتحانات في هذه المدرسة، اقتربت قليلا من هذا التجمع لأفهم ما يحدث، فوجدت ان السيدات الفاضلات الأمهات المربيات يطالبن المدرس (بفتح اللجان) وفتح اللجان هذا يا رعاك الله لمن لا يعرفه هو يعني أن تدخل الإجابات الخاصة بالامتحان للطلبة ليمارسوا حقهم في الغش ; لنرجع الأن لكلام الرفيق ( حيث وجدت ان الأمهات معترضات عن تأخير فتح اللجنة لآخر الوقت المحدد بالامتحان، ويريدونه على الحال، بينما رئيسة لجنة الامتحان، تطلب منهن ان يصبرن حتى آخر نصف ساعة في الامتحان، لتفتح اللجان )  

هل استوعبت عزيزي القارئ ما يحدث، النقاش على البدء في الغش، ولم يتحدث أي أحد في هذا النقاش المتخلف، ان هذه السلوكيات مخالفة للقانون، وتدمر التلاميذ! المهم ان الجميع ينجح.

الشعوب على دين ملوكهم، مقولة تُستخدم بشكل عام على وصف التطور الطبيعي للمجتمعات حيث يدلِل أصحاب هذه المقولة فكرتهم أنه عندما يكون رئيس القوم أو البلد، أو المؤسسة، أو حتى المدرسة فاسداً، فطبيعي ان يستمرئ كل من هو موجود في إطار ولايته الفساد، بالتالي يصبح الحديث عن الغش في الامتحانات حقاً مكتسباً، والالتزام بالنظم التعليمية السليمة وتطبيق القانون شيء من الجنون والعته.

يرى العديد من المتابعين للوضع السياسي في ليبيا ان حالة الفساد في هرم السلطة خلال السنوات الماضية كان على أساس أفقي، بمعنى أن الفساد ينتشر بين زمرة رئيس الحكومة وأبنائه وعائلته، ومن كان (يدخن معاهم في الرقيلة!)، لكن ما حدث منذ وصول الدبيبات للسلطة يرى العديد ان الفساد أصبح بشكل عمودي، حيث تستطيع ان (تَلهِفْ) ما في حوزتك من أموال، أو سلطة، المهم ان لا تدخل على المشاريع الكبيرة، والخطوط المدرة للأموال، حيث تلك مخصصة فقط لمن يملكون (مفتاح الدولة).

حيث اليوم أصبح من الطبيعي ان تدفع قيمة مالية محددة لاستكمال إجراءات بسيطة، مثل استخراج جواز سفر، هذا الجواز الذي يحتاج لتتحصل عليه ان تتواصل مع نصف ليبيا، لتصل  (لواسطة) تسمح لك للوصول إلى ممارسة حق طبيعي وهو استخراج جواز سفر، وقِس هذا المشهد على جُل الإجراءات الروتينية الأخرى.

لم يكن هذا المشهد جديد في ليبيا، حيث أصبحت ثقافة (بشبش باش تمشي) فكرة مستقرة في المنظومة الإدارية في البلد منذ تسعينيات القرن الماضي، خاصة في أيام الحصار، وزيادة سعر الدولار وحالة الغلاء والتضخم التي مر بها الليبيون في تلك الحقبة، ونضجت الفكرة أكثر بعد عام 2000 عندما بدأت مشاريع ليبيا الغد في الضهور، ووزعت الحصص على أصحابها، وأصبح أصحاب القرار السياسي يملكون المنح والمنع على من يريد ان يتحصل على عقد من الدولة، لأنه من الأساس لم يكن في المنظومة الاقتصادية الليبية إلا الدولة للتعاقد معها، حيث القطاع الخاص ورجال الأعمال المستقلين لم يكونوا موجودين في ذلك الوقت ، الأمر الذي جعل الدولة هي الجهة المستهدفة للحصول على مشاريعها، ولتحصل على هذه المشاريع لزاما عليك أن (تبشبش).

لا يستطيع أحد اليوم ان يخفي ان ما صرف خلال حقبة حكومة عودة الحياة بقيادة عائلة الدبيبة لم يصرف في تاريخ ليبيا، يقول العديد من المتابعين الاقتصاديين ان ما يحدث من حالة الصرف الكبيرة هذه مقابل ما يُنْتَج لا يمكن ان يكون خالياً من الفساد، لهذا نحن أمام ثقافة زُرعت منذ سنوات في المجتمع، وجاءت هذه الحكومة لترسخها أكثر، وهذا ما جاء على لسان السيد (محمد بعيو) الصحفي المعروف، حيث قال بالنص (أن عائلة الدبيبة لديهم براءة اختراع في آليات الفساد)، يشير هنا المتحدث لتاريخ العائلة في إدارة جهاز الاستثمار المعروف بجهاز (الدبيبة).

المرعب اليوم هو ان ننقل هذا الفايروس للأجيال القادمة، حيث لكم ان تتخيلوا كيف يمكن لمواطن بدأ حياته العلمية في مرحلة الإعدادية بالغش، وهو يتعامل معه كونه حقا، وطبيعياً، كيف ستقنع ذات الشخص عندما يصبح عنصر مؤثراً في إدارة الدولة، أو حتى في حال قرر ان يُربي أجيال أخرى، أن الفساد شيء مذموم ومدمر للدولة، حيث سيجيبك حينها بكل جرأة (أين الدولة)؟

إن الدولة تُصنع في أدمغة الناس باستقرار القانون وتنفيذه، لهذا لن تُبنى دولة لمجتمع لا يستطيع ان يتصور حياته من دون فساد!