السياسي

ماذا لو فَهِم الليبيون مقدرتهم على التغيير من بيوتهم ؟

 ماذا لو فَهِم الليبيون مقدرتهم على التغيير من بيوتهم ؟

 ماذا لو فَهِم الليبيون مقدرتهم على التغيير من بيوتهم ؟

 

في عام 2016 تعرض السياسي الليبي المعروف، والمعارض السابق، والسجين السياسي في عهد القذافي، والنائب الأول لرئيس المؤتمر الوطني العام سابقا، الدكتور جمعة عتيقة لحملة تنمر وتشهير في غاية السوء إثر تقديمه اقتراحا بأن يقوم الشعب الليبي بتنفيذ نوع من الاحتجاج السلمي على السلطة الحاكمة، الاحتجاج الذي اقترحه عتيقة هو أن يقوم الناس في توقيت يتم الاتفاق عليه مسبقا؛ بالقرع على الطناجر كتعبير عن الاستياء الشعبي من الطبقة الحاكمة، ولإيصال رسالة مفادها أن الشعب يريد التغيير.

فكرة الاحتجاج بالقرع على الطناجر استوحاها عتيقة مما حدث في الأرجنتين عام 2001، حيث نفذت الفكرة لأول مرة وكانت جزءا من الاحتجاجات الشعبية الواسعة التي اندلعت في البلاد في ذلك الوقت، حيث تم استخدام القرع على الطناجر كطريقة للتعبير عن الغضب والاستياء تجاه الأوضاع الاقتصادية الصعبة والفساد في الحكومة، واعتبرت الفكرة أداة من أدوات الاحتجاج السلمي التي تطالب بالتغيير السياسي أو الاقتصادي ، ويعتبر الاحتجاج السلمي على السلطة أداة فعالة في يد الشعوب للتعبير عن الاستياء والمطالبة بالتغيير دون اللجوء إلى العنف، ويتجلى هذا الشكل من أشكال التعبير السلمي في الاعتصامات والمظاهرات والإضرابات والحملات السلمية الأخرى –كالمقاطعة- التي تهدف إلى تحقيق تغييرات إيجابية في السياسة والمجتمع.

وقد أثبت الاحتجاج السلمي؛ منذ حركة العصيان التي قادها غاندي على الاستعمار البريطاني، إلى الحركة الأمريكية من أجل الحقوق المدنية للمواطنين الأمريكيين السود التي قادها الزعيمان مارتن لوثر كينغ وجون لويس، إلى ثورات الربيع العربي، أن الاحتجاج السلمي يمكن أن يكون أداة فعالة لتحقيق التغيير الإيجابي وإسقاط الأنظمة القمعية دون إلحاق الضرر بالأرواح أو التسبب في الدمار، وتجسد هذه الحركات السلمية إرادة الشعوب في تحقيق العدالة والحرية، وتعكس قوة الإصرار والتضامن في مواجهة الظلم والاستبداد.

وليس بعيدا على هذه الفكرة ما يتم تداوله حاليا في بلادنا من دعوات عبر مواقع التواصل الاجتماعي لمقاطعة سلع معينة بسبب ارتفاع أسعارها، حيث ظهرت منذ أيام دعوات لمقاطعة البيض والدجاج، ويحرض القائمون على هذه الحملة الناس على الامتناع عن شراء هذه السلع حتى تنخفض أسعارها، ويلوحون بالتوسع في الحملة لمقاطعة سلع أخرى في حال نجاحهم في خفض أسعار البيض والدجاج ، وتؤكد بعض الصفحات التي تبنت هذه الحملة أن الأسعار شهدت فعليا انفراجة ملحوظة خلال الأيام السابقة وأنها لم تعد كما كانت منذ بداية الحملة.

خلال السنوات الماضية شهدنا عدة دعوات لمقاطعة بعض السلع لارتفاع أسعارها، ولكن الزخم الشعبي والاستجابة التي أظهرتها أسواق تجارية وغيرها في التعامل مع هذه الحملة تعد غير مسبوقة، وتعد بإمكانية انتشار الوعي الشعبي بأن آلية الاحتجاج السلمي قادرة على صنع التغيير، اليوم تنجح في تغيير الأسعار وقد تنجح لاحقا في تغيير صانعي القرار.

كيف تصرفت الضرات؟

الحكومة في طرابلس لم تدل بدلوها، لم توافق على الحملة ولم ترفضها، كما أنها لم تتخذ أي خطوات فعلية لضبط أسعار السلع التي تتم مقاطعتها أو غيرها، على الجانب الآخر، ركبت حكومة الشرق موجة الاحتجاجات وحاولت باعتماد سياسة (الضراير) أن توجه ضربة لضرتها في طرابلس تظهر بها بمظهر الحكومة المساندة لشعبها، فقامت باستيراد بيض مدعوم على أن يباع بأسعار أرخص من البيض المحلي.

هذه القفزة البهلوانية من حكومة حماد جعلتها تقوم بفعل ربما يكون غير مسبوق في عالم السياسة والاقتصاد، فالحكومات عادة تمنع استيراد سلع معينة أو تفرض قيودا عليها لتدعم المنتج المحلي، لا أن تقوم باستيراد منتج تضرب به المنتجات المحلية التي يفترض بها دعمها.

كان أجدر بحماد وحكومته –إن كانت نيتهم خالصة- أن يقوموا بفرض أسعار معقولة لهذه السلع وغيرها وإلزام التجار بها ومعاقبة المخالف، أو أن تقوم بدعم المنتج المحلي فتشتريه من المربي والمنتج بسعر عادل وتبيعه للمواطن بسعر في متناوله، أما فكرة استيراد بيض أجنبي، وليس أي أجنبي، -بيض تركي عصملي- ليحل محل الوطني، ما هو إلا مبالغة من الحكومة في الظهور بمظهر الوطنية، والركوب على احتجاجات الناس واستخدامها لصالحها في صراعها مع ضرتها –حكومة الدبيبة-.

قاطعوا الجميع!

إذا نجحت الحملة –ونتمنى لها أن تنجح- فيجب ألا تتوقف عند البيض والدجاج، بل تسلك طريقها لمقاطعة سلع أخرى، حتى يعلم المواطن أنه يملك فعليا أسلحة تمكنه من الرد على من يدعي امتلاكه للأمر –وإن كانت أسلحته سلمية-، يجب أن نقاطع كل السلع التي نستطيع أن نعيش بدونها، ثم لنقاطع بعدها قادة الجيوش والحكومات والأحزاب والوزراء والسياسيين والمسؤولين والمرشحين الرئاسيين وغيرهم، قاطعوا تجمعاتهم وكلماتهم وزياراتهم، قاطعوا خطبهم وكلماتهم ووعودهم الفارغة فراغ طناجركم، ولا تقرعوا على الطناجر، فأصواتها ستزعجنا ولن تصل لقصورهم العالية وأبراجهم المنيفة، ولكن حولوا تجمعاتهم ومسيراتهم ومناسباتهم واحتفالاتهم إلى ساحات خالية وكراسي فارغة، لا تهتفوا لهم ولا تسيروا خلفهم، بل قاطعوهم فليسوا أعز عليكم من البيض والدجاج.