هل كان المشري آخر (تبة) في المنطقة الغربية؟
أرض المتناقضات والصدف، هي كذلك ليبيا، لا تلبث إلا وتفاجئنا، حيث هنا على هذه الرقعة الجغرافية يلعب الحظ دورا مفصليا في حياة سُكانها، نعم فقط الحظ هو من يسير الأحوال مع القليل من الجهد والحيلة والدهاء التي يتمتع به بعض الشخصيات المتنفذة على قطعة الشطرنج التي تبلغ مساحتها اثنين مليون كيلومتر مربع.
خلال الأسبوع الماضي جرت انتخابات المجلس الأعلى للدولة، هذا المجلس الذي يشارك مجلس النواب في بعض اختصاصاته، ويؤدي دور التوازن داخل إطار السلطة التشريعية التي (روح بها عقيلة صالح لمربوعته) ورغم وجود العديد والعديد من الأصوات التي ترى في هذا المجلس حلقة من حلقات العرقلة لوصول الليبيين إلى صندوق الانتخابات، إلا أنه في الوقت ذاته تعتبر المؤسسة الوحيدة التي تدار فيها العملية الانتخابية بشكل دوري ومنتظم، وتنتقل فيها السلطة على نحو سلس دون صراع، وإنها والله لمن الشواهد الكبيرة على مقدرتنا لتطبيق آلية الانتخابات كوسيلة تنتقل فيها السلطة إن أردنا فقط أن نقوم بذلك، وقبلنا بنتائج الصندوق الشفاف …
هذه الجولة من الانتخابات لم تكن مثل سابقيها، لعدة أسباب، أهمها هو إعلان خالد المشري رئيس المجلس الأعلى للدولة منذ مدة عمله على إنشاء حكومة ثالثة، بالاتفاق مع عقيلة صالح رئيس مجلس النواب، حيث تمكنا من خلق مساحة توافق واستقرار لعلاقة التواصل بينهما لمدة أطول من المتوقع، وهذا الاستقرار خلق توافق كبير حول قوانين الانتخابات القادمة، إضافة إلى ضرورة توحيد السلطة التنفيذية وإخراج حكومة جديدة تدير الانتخابات.
خاصة وأن حكومة الدبيبة أصبحت صاحبة مصلحة في الانتخابات القادمة، بمعنى أن محاولة الدبيبة الترشح في الانتخابات التي كانت مزمع عقدها في ديسمبر 2021 خلقت تخوفا كبيراً في أوساط الليبيين من استخدام الأخيرة أموال الشعب لحملته الانتخابية، وأن كل ما يقوم به اليوم من إصلاحات تدخل في إطار حملة انتخابية، وهذا ما لم يكن ضمن الاتفاق السياسي الذي أسس لهذه المرحلة، وتعهد فيه الدبيبة بأنه لن يترشح لانتخابات ديسمبر 2021 ليخالف ذلك، ويعلن ترشحه لمنصب رئيس الدولة.
أيضا هناك من يرى أن الخلافات زادت وتيرتها بين الدبيبة والمشري بعد قيام الدبيبة باستخدام الطيران المسير ضد أهداف عسكرية داخل مدينة الزاوية، حيث أنكر المشري على الدبيبة هذا التصرف المتهور، وأن غاية هذه الخطوة ليست محاربة الهجرة غير الشرعية، بل كانت تصفية حسابات مع المجموعات المسلحة التي أيدت حكومة فتحي باشاغا (الموؤودة) وأن استخدام سلاح الطيران سيدخل المنطقة الغربية في صراع مسلح لا يعرف أحد متى يقف.
أيضا استمر الدبيبة في تربصه بالمشري خاصة وأن الأخير تمسك بمواقفه السابقة ضد المشروع العسكري، الذي يقوده الجنرال خليفة حفتر في الشرق الليبي، وقيام الدبيبة بإجراء صفقات سياسية مع الجنرال كان أشهرها صفقة (بن قذارة!) مثلا
كما قام الدبيبة بتصرف تصعيدي عندما تم حجز مجموعة من أعضاء المجلس الأعلى للدولة في مطار معيتيقة من قبل جهاز الأمن الداخلي، وحسب رواية الجهاز، أن هناك تعليمات طلبت منهم منع سفر أعضاء المجلس الأعلى للدولة خارج ليبيا، هذه الحادثة جعلت المشري يرد بشكل حاد هذه المرة، حيث خرج في كلمة مصورة أكد من خلالها أن أي تصرف عدواني ضد رئاسة المجلس الأعلى للدولة أو أحد أعضائه، سيؤدي إلى تحرك ضد الحكومة قد يصل إلى صدام عسكري.
إن كل المتفقين والمختلفين على شخصية خالد المشري يعو جيدا أنه يمتلك قدرات سياسية عالية تجعله يؤدي دوراً قوياً على الساحة الليبية، واتضح ذلك منذ بداية هذه العشرية عندما استطاع أن يدير كتلة العدالة والبناء داخل المؤتمر الوطني العام، ويضعها على هرم قيادة المؤتمر الوطني العام، وعند تسلمه لقيادة المجلس الأعلى للدولة أصبح لهذا الجسم دور مهمة ومفصليا في كل الشواهد السياسية التي مرت بها ليبيا.
حيث تمكن المشري من لعب دور مهم ومفصلي من الناحية السياسية ، في الحرب الأخيرة التي شُنت على طرابلس من قبل الجنرال حفتر بغية السيطرة عليها ، حيث كان احد عرابي الإتفاقية الأمنية مع الأتراك ، أيضا لعب المشري دور رمانة الميزان بالنسبة لتمثيل مدينة بحجم الزاوية حيث يحظى بعلاقات قوية مع كل التشكيلات المسلحة في الزاوية هذه الإمكانيات خلقت منه شخصية تستطيع أن تقف ضد مشروع الدبيبات في ليبيا كما يرى البعض، واتضح ذلك في المواقف كلها التي كانت بين الرجلين، حيث لم يستطع الدبيبة أن يتصرف بشكل إقصائي مع خالد المشري.
حتى جاءت انتخابات المجلس الأعلى للدولةالاخيرة ، حيث جزم الكثير من المحللين أن الدبيبة لن يفوت هذه الفرصة لإقصاء خالد المشري من على سدة رئاسة المجلس الأعلى للدولة، وأنه لن يكون مهتماً بمن يخلفه، حيث كل ما يهمه هو أن لا يكون للمشري فرصة لدورة جديدة في رئاسة المجلس الأعلى للدولة ، حيث بذلك سيُحقق أمرين:
الأول: - هو أن لا يكون هناك صوت ممكن أن يوقف الدبيبة في المنطقة الغربية، حيث بإقصاء المشري من رئاسة المجلس الأعلى للدولة، يمكن أن نقول إنه لا توجد شخصية سياسية تملك منصباً رسمياً في المنطقة الغربية تعارض الدبيبة اليوم.
الثاني: - هو محاولة لإيقاف مشروع الحكومة الثالثة الذي يبدوا أن المشري وعقيلة وصلوا إلى مراحل متقدمة فيه.
كثرت الاقاويل حول أن هناك تدخلاً من قبل الحكومة في انتخابات رئاسة المجلس الأعلى للدولة، إلا أنه لايوجد ما يؤكد هذه الأقاويل، ولا يوجد ما ينفيها، لكن الأكيد أن الدبيبة هو الرابح الأكبر في خروج المشري من رئاسة المجلس الأعلى للدولة.
إن مانخشاه اليوم هو سيطرة عائلتين على ليبيا، وندخل في السيناريو التونسي،حيث تصبح عائلة الدبيبة في الغرب، وعائلة حفتر في الشرق، وإن وجود خالد المشري وعقيلة صالح في الساحة السياسية في ليبيا (رغم كل الملاحظات التي حولهم) إلا أنهم ما زالوا يصنعون التوازن، غيابهم اليوم سيعطي مساحة للحظ أن يأخذ دوره، وما نحن متأكدون منه أن الحظ ليس معنا
وإني والله لأشعر بغضب كبير أن الوضع في ليبيا اوصلنا إلى مرحلة نتمنى فيها إستمرار (عقيلة صالح ) …