قصة بلا عبرة!
في خضم الأحداث المتسارعة في بلادنا، وفي ظل حالة الانفلات الأمني والتسيب السياسي وعدم وضوح الرؤية، قررنا أن لا ندلي بدلونا في ما يحدث، وأن نخرج بقرائنا بعيدا عن الواقع المرير، لنسرد قصة بلا عبرة، قصة لا تمت لواقعنا بصلة، ولا يوجد فيها أي إسقاط، هي مجرد قصة للتسلية وتغيير الأجواء، وفيما يلي القصة:
ملاحظة: القصة من نسج خيال الكاتب، وأي تشابه بينها وبين الواقع هو مجرد صدفة (الكاتب مسؤول عما يكتب، لا عما يفهم القراء)
كان قديما في غابة نائية؛ تعيش مجموعة من الحيوانات، وقد شهدت هذه الغابة في السابق فترة حكم بغيض لأسد طاغية، كان الأسد يفرض سلطته بقبضة حديدية، فرضها عبر سلسلة من الإعدامات والاغتيالات نفذها عبر عصابات من الكلاب والضباع، كان قد جندها لقمع أي ثورة ضده، أو تمرد على حكمه.
طغيان الأسد جبروته ودمويته دفعوا الحيوانات إلى الثورة عليه، وبعد مخاض عسير شاركت فيه بعض الحيوانات المحلية بدعم من الغابات المجاورة تحت مظلة جمعية الغابات المتحدة، نجحت الثورة في الإطاحة بالأسد وكلابه وضباعه، لكن سقوط الأسد لم يكن نهاية المشاكل، بل بدايات فوضى جديدة، ولم تتخلص الحيوانات من طغيان الأسد إلالتعاني تحت طغيان مخلوقات أخرى كانت تراها أقل منها شأنا، فتأسست في ظل هذه الحالة المائعة مناطق نفوذ داخلية، وكل حيوان بدأ يسعى لتأمين مملكته الخاصة.
في هذه الأثناء جاء قرد طموح، استغل الفوضى وبدأ بتجميع مجموعة من الكلاب الشابة إضافة إلى عدد من كلاب الأسد وضباعه، وأسس مملكة خاصة به، حكمها بالقمع والاستبداد، فلا رأي إلا رأيه ولا صوته إلا صوته، لكن القرد كان ذكياً بعض الشيء؛ فقد سمح لبعض الحيوانات بالتحرك فيما لا يتعارض مع سلطانه، وما دمت بعيدا عن طلب السلطة وما دمت تدفع لي الإتاوات؛ فبإمكانك أن تعمل تحت رعايتي، فازدهرت في مربع القرد بعض النشاطات الحيوية، واشتغلت الحيوانات فيما تحسن، مثل الأرانب في الزراعة، والحمير في النقل، والقنافذ التنقيب عن الترفاس، ومع مرور الوقت، زادت شعبيته، وأصبح لديه نفوذ أكبر.
في هذه الأثناء كانت باقي أرجاء الغابة تغلي، بعض المربعات ازدهرت تحت قمع حيوانات أخرى، بينما سادت الفوضى في باقي المربعات ما أثر على إمكانية استمرار الغابة وبقائها ، وهدد بانهيارها وتقسيمها، خاصة مع وجود غابات مجاورة تطمح في السيطرة على موارد غابتنا وخيراتها.
وفي المربعات المجاورة لمربع القرد كانت الحوارات تدور بين الحيوانات بأصوات صارت مسموعة أكثر من ذي قبل ، إنني أحسد الحيوانات في مربع القرد، لا أحد يعتدي على أحد، والكل آمن على نفسه ما دام مطيعا ومشتغلا فيما يعنيه؛ قالت النعامة.
فرد عليها نمر شاب: إن القرد الذي يحمي المزارعين وعمال النقل ومنتجي البيض؛ يقتل ويسجن ويعذب كل من يرفع رأسه أو يتحدى حكمه، ولكن ذلك لا يعنيك في شيء أيتها النعامة، فأنت حين يحتدم الأمر لا تفعلين أزيد من دفن رأسك في الرمال!
ردت النعامة بثقة: (ما تدير شي ما يجيك شي)، أدفن رأسي في الرمال في مربع القرد وأنا على يقين أني سأرفعه حين تزول العاصفة، أو أدفنه هنا ولا أدري؛ أأرفعه أم يقفز علي أسد جائع أو نمر طماع؟
ومع مرور السنوات، بدأت الحيوانات تتأكد أن الغابة لن تتوحد يوما في ظل المعطيات الحالية، وأنها أمام خيارين لا ثالث لهما، اتفاق مؤلم، أو انهيار أشد ألما.
في يوم من الأيام، اجتمعت مجموعة من الحيوانات في وسط الغابة، تحت مظلة جمعية الغابات المتحدة، وأقامت حوارا لأجل إنهاء الانقسام وإنقاذ الغابة من التشظي والانهيار، وبعد نزاع وصراع وأخذ ورد، تم الاتفاق على تشكيل مجلس حكم مؤقت يقوده الفيل رئيسا، بينما يتولى الثعلب منصب الحاكم العام الذي يشرف على الأمور اليومية لحيوانات الغابة، ولكن كان من الواضح أن سلطة الفيل صورية، وأن القرد وبعض الحيوانات الأخرى التي كانت تخضع له اسميا كانت أقوى منه فعليا، بل إنها شعرتبمزيد من القوة وأرادت منافسة الثعلب على الميزانية العامة.
استمر القرد في طغيانه، واستمر الثعلب في تبرمه من تصرفات القرد وانزعاجه من تعديه على سلطاته، كل هذا والفيل يهز مؤخرته في أرجاء الغابة في مواكبه الضخمة وكأنه حاكم حقيقي، بينما لم يتعد دوره إصدار البيانات التي يطلبها القرد أو الثعلب أو غيرها من الحيوانات المتنافسة، هذه الفوضى دفعت مجموعة من الذئاب والثعالب للتخطيط لإسقاط القرد، خاصة مع تقدمه في السن وتسليمه بعض مقاليد السلطة لقرود شابة من عشيرته، هي أكثر منه طمعا وطيشا، فاجتمعوا في زاوية من زوايا الغابة، وقال أحد الذئاب: علينا أن نكون حذرين، لكن وقت القرد قد أزف وآن له أن يسقط!
أجاب الثعلب: لكن هل تعتقدون أنه يسهل الإطاحة به؟ إنه أقوى مما تتصورون.
قال ذئب آخر: سقط الأسد وهو أقوى منه وأشد فتكا وسلطانا، وليس هو بمحصن عن السقوط، ولكن علينا أن نفعل ذلك بأقل الأضرار حتى لا نفقد تأييد عامة الحيوانات لنا.
فاتفقوا على تشديد الحصار على القرد، وحشدوا قواتهم بالقرب من مربعه، في ظل هذه الظروف، وافق القرد على عقد اجتماع لحل النزاع، وفي الاجتماع، بدا القرد واثقا من تجاوزه هذه العاصفة، فقد اجتاز أقوى منها، لكن الأمور لم تكن كما توقع، توافقت الذئاب والثعالب، وفي لحظة كانت تجسد الألم والأسى الذي طالما ألحقه بضحاياه، انتهى حكمه بطعنة غادرة، وسقط القرد كما سقط الأسد من قبله.
تجمعت الحيوانات في الغابة، ينظرون إلى ما حدث بصدمة وذهول، قال الأرنب: هل رأيتم ما حدث؟ لقد غدر الثعلب بالقرد، وقد يفعل بنا ما فعل به.
أجابت الزرافة: لكن القرد كان طاغية، وقد كنت من أتباعه؛ أليس كذلك؟
هنا قال الحمار في لحطة تجل وحكمة: الحكم لا يبنى على القوة وحدها، بل على الاحترام والتعاون.
لكن وسط هذه النقاشات، بدأت بعض الحيوانات تتذكر كيف كانت تتحكم في الغابة، ولم تتعلم شيئا من أخطاء الآخرين، وكان كل حيوان يعتقد أنها أذكى من الذي سبقه.
نزل الليل على الغابة، وعم الصمت فالجميع كان في حيرة، هل سيخضعون لسلطة جديدة، أم أنهم سيستمرون في النضال من أجل العدالة والوحدة؟ الخوف من المستقبل كان يكسو قلوبهم، بينما الدرس ظل كما هو يتردد في صورة صدى عبر أطراف الغابة مفاده: يمكن للقوة أن تسقط، ولكن الحكمة في التعايش هي التي تعيش.
وهكذا، تركت الغابة يوما آخر مليئا بالأسئلة، ولكن دون إجابات، في انتظار ما ستفعله الثعالب والذئاب، وأي حيوانات قد تتعلم درسا من هذه الدروس القاسية.