السياسي

هل تستطيع الشخصية الليبية حل خلافاتها دون إستخدام العنف ؟

هل تستطيع الشخصية الليبية حل خلافاتها دون إستخدام العنف ؟

هل تستطيع الشخصية الليبية حل خلافاتها دون إستخدام العنف ؟

 

قال مارتن لوثر كينغ: "على الرغم من الانتصارات المؤقتة التي تتحقق بالعنف، إلا أنه لا يجلب سلاماً دائماً أبداً"

ألا يجب أن نغير أسلوبنا في حل النزاعات سواء كأفراد أو كدول، ونبتعد عن العنف، أقله من باب التجربة، علَّنا نجد السلام الداخلي والخارجي؟

في عام 2011، شهدت ليبيا ثورة ضد نظام معمر القذافي الذي استمر حكمه لأكثر من أربعة عقود استعمل خلالها العنف والعنف وحده كوسيلة لإخماد أي محاولة للتمرد أو لرفض سياساته الداخلية أو الخارجية، ونظرا لنجاح عنفه في قمع الليبيين؛ فإنه صدره للخارج في عدة محاولات اغتيال وتفجير وغيرها لمنتقدين لشخصه ولنظامه سواء كانوا ليبيين أو أجانب.

الثورة التي لم يكن بالإمكان استمرارها في النهج السلمي الذي طبع سابقاتها في تونس ومصر، انجرفت للعنف منذ أيامها الأولى، وبعد صراع مرير نجحت الثورة في الإطاحة بالقذافي، إلا أن البلاد دخلت في دوامة أخرى من العنف والصراع على السلطة.

بعد سقوط نظام القذافي، بدأت مرحلة جديدة من العنف والصراع على السلطة بين الفصائل المختلفة في ليبيا، تعددت الأطراف المتصارعة، بما في ذلك الميليشيات المسلحة والجماعات الإرهابية والحكومات المتنافسة في طرابلس وطبرق وبنغازي، كل يسعى لفرض أجندته ورؤيته، وشيطنة خصومه بغرض تجييش الرأي العام ضدهم وبالتالي إقصائهم والانفراد بالسلطة، هذا الصراع أدى إلى حالة من الفوضى وعدم الاستقرار السياسي الذي بدوره تسبب في هزات اقتصادية أرهقت المواطن وشغلته أكثر عن السياسة وعنفها؛ بمحاولة تحصيل لقمة العيش (واللي بيحكم يحكم).

ورغم انشغال المواطنين عن السياسة وما تؤدي إليه من عنف بسبب انشغالهم بحياتهم اليومية؛ إلا أنهم هم الضحايا المباشرون لأعمال العنف التي تنشأ بين الفرقاء السياسيين، فأبناؤهم هم وقود الحرب التي تدور رحاها في مناطق سكناهم، فتتدمر مساكنهم ومصادر أرزاقهم وتتوقف حياتهم ويضطر كثير منهم للنزوح واللجوء، فطوال السنوات الماضية كان للعنف تأثير مدمر على المدنيين في ليبيا، فقدت العديد من الأسر منازلها وأفرادها، وتعرضت البلاد لأزمات إنسانية واقتصادية حادة، لم تتمكن من التعافي منها حتى الآن.

وخلال السنوات الثلاثة عشرة الماضية شهدت البلاد الكثير من أعمال العنف، أغلبها كانت محركاته ودوافعه سياسية، بعضها كانت مدعومة من دول أخرى تسعى لرسم أجندة معينة لها في ليبيا والمنطقة من خلال تمكين نظام حكم موال لها، مما زاد من حدة الصراع وساهم في استمراره، ورغم تحقيق بعض الانتصارات المؤقتة لهذا الطرف أو لذاك، إلا أن هذا العنف لم يسهم في تحقيق السلام الدائم ولم يستطع أي طرف بسط سيطرته المطلقة وإقصاء كل خصومه.

ومع استمرار المساعي المسلحة، والحشد المتواصل حتى يومنا هذا؛ لا زالت المحاولات السياسية مستمرة أيضا علها تجد طريقا لتحقيق المصالحة والسلام، بما في ذلك الاتفاقات السياسية مثل اتفاق الصخيرات واتفاق وقف إطلاق النار في 2020 وملتقى جينيف في نفس العام، إلا أن هذه المحاولات أيضا لم تؤد إلى الاستقرار الدائم، بل قادت بشكل مباشر إلى نشوء أجسام متنافسة جديدة وصعود لاعبين أساسيين جدد قد يصعب إنزالهم من المسرح في المستقبل القريب.

تظهر الحالة الليبية بوضوح صحة مقولة مارتن لوثر كينج، الانتصارات المؤقتة التي تحققت بالعنف لم تجلب السلام الدائم، بل على العكس، أدت إلى مزيد من الفوضى والمعاناة، وزادت الحاجة إلحاحا لتحقيق تسوية سلمية شاملة تعيد بناء الدولة وتضمن استقرارها، لأن السلام الحقيقي لن يتحقق إلا من خلال الحوار والمصالحة، وليس عبر العنف والصراع المسلح.

ولكن من يفترض أن يقود جهود الحوار والمصالحة، هل المجالس المختلفة التي لا تستطيع حتى أن تحمي أعضاءها من العنف قادرة على تحقيق السلام، أم أن الحكومات المنبثقة عن هذه المجالس هي من يجب أن تتولى هذه المهمة؟

الحقيقة أن المجالس ليست إلا واجهات براقة ببدل وربطات عنق تخفي بها مليشيات الشرق والغرب بدلها العسكرية الملطخة بالدماء، والحقيقة أيضا أن الحكومات في الشرق والغرب ليست إلا أدوات لنفس القوى للولوغ في ثروات الشعب واستنزافها، ولن تستطيع لا المجالس ولا الحكومات عقد اتفاقات سلام ملزمة لأنها لا تملك السيطرة على من يملك السلاح، بل هي واقعة تحت سيطرة من يملك السلاح.

السلام الحقيقي سيتحقق عندما يتأكد من يملك اللجوء للعنف أن العنف ليس وسيلة لتحقيق السلام، وأن السلام يتطلب شجاعة تزيد عن شجاعة اتخاذ قرار الحرب، وسيتطلب من حملة السلاح –حكام البلاد الحقيقيين- الخروج من خلف الستارة ورمي الدمى التي يحركونها في سلال المهملات، والدخول في حوار حقيقي بوجوههم الحقيقية وأسمائهم وصفاتهم وبدلاتهم العسكرية، بنوايا حقيقية لتحقيق السلام والاستقرار لا المراوغة لإطالة أمد الصراع واستثماره لصالحهم كما تفعل بنا أدواتهم –المجالس والحكومات- اليوم.