السياسي

لماذا يتبنى الليبيون الخرافات؟ (الجني المظلوم)

لماذا يتبنى الليبيون الخرافات؟ (الجني المظلوم)

لماذا يتبنى الليبيون الخرافات؟ (الجني المظلوم)  

قال الله تعالى في محكم تنزيله بعد بسم الله الرحمن الرحيم (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ۖ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ، إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ، فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم ۖ مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُم بِمُصْرِخِيَّ ۖ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ ۗ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) رغم قراءة العديد منا لهذه الآية، وادعائنا باستمرار أننا نخضع لله وأوامره، ونؤمن بما يقوله لنا جلّ في عُلاه، إلا أننا نقوم بسلوكيات جمعية تخالف ما نقول إننا نعتقد به.  

رغم إقرار الشيطان بأنه لا يملك سلطاناً حقيقياً على التأثير في الإنسان بشكل مادي، وأنه لا يملك غير (الوسوسة) ليوجه الإنسان إلى الطريق المخالف لطريق الحق، إلا أن نقاش مقدرة الشيطان، وهذا الجان على السيطرة على سلوك الإنسان ما زالت محل نقاش وخلاف لأكثر من ألف سنة، ولا يوجد إجماع بين أهل السنة والجماعة على مقدرة الجان ان يتلبس الإنسان بالمعنى المادي، هناك تفسيرات عديدة في هذا الشأن، ولن نطيل في هذا الأمر، وسنحيلك عزيزي القارئ إذا كنت تحتاج إلى هذا التفصيل الفقهي إلى مقطع فيديو للشيخ الدكتورعثمان خميس تحت عنوان (هل يتلبس الجن الإنس 366) وقد أسهب في شرح هذا الخلاف.  

بالتالي: ما أصل إيمان جُل الليبيين بهذه الحالة؟  

لا تنفك أي حالة مجتمعية في ليبيا عن الظروف السياسية التي مر بها هذا الشعب العظيم، ومن كان يدير شأنهم، حيث تعتمد وتحب وتتبنى السلطة الحاكمة الجائرة المتسلطة الخرافات وتدعمها، حيث تعتبرها أحد أسلحتها الناعمة في إقناع جموع الناس ان ما بهم من ضنك العيش، وضيق الرزق، وقلة الحيلة، ليس سببه عجزها عن إدارة شأنهم وتطوير حياتهم، وإيقاف حالة النهب الممنهجة لأموالهم، وتبديدها في غير مساراتها المفيدة، بل كون هناك جنياً تفرغ لهم لينغص عليهم حياتهم. 

ولتتحول حالة العجز والعوز هذه التي يشعر بها المواطن لحالة شخصية ذاتية غير عامة، ينغمس فيها كل مواطن وحده، حيث يخوض هذه المعركة مع جني ما، لا يراه، ويعتقد أنه تخصص في جعل حياته بهذه السوء،  

وقد يسأل أحدهم: كيف يمكن ان يكون للسلطة الحاكمة دور في هذا الموضوع؟  

ونقول هنا أن السلطة الحاكمة لا تملك سرداباً مليئاً بالجان توزعهم ليلياً على مواطنيها، لكن تجد يدها واضحة في هذا المجال بإصدارها مثلا لقانون السحر والشعوذة، وتعزز بهذا تلك الأفكار الموجودة أساسا في المجتمع، وتجعل مأموري الضبط القضائي يهرولون في الشوارع بحثا عن أي جان يحاول اختراق أجساد المواطنين، ويبحثون وراء كل رائحة بخار ظنا منهم كونها نِتاج (بخور) من ساحر يحاول ان تتواصل مع عالم الجان.  

من جهة أخرى أيضا تجد يد السلطة في هذه الحالة على هيئة لجنة تُشكل من هيئة الأوقاف تتفقد المرضى المصابين بأمراض خطيرة مثل السرطانات أو الفشل الكلوي بحثا عن وجود جان تسبب لهم في هذا المرض، وإيهام الناس ان سبب تدهور حالتهم الصحية ليس كون منظومة الصحة في ليبيا منهارة، ويعشش فيها الفساد، لا، بل هذا التدهور في حالتهم نتيجة وجود قوة خفية وخارجة عن قدرات البشر أطلقت قوتها من أجل ان تضرب صحة هؤلاء المواطنين القاطنين على أرض الوهم.  

قد يعتبرني البعض مبالغاً في هذا التحليل، بس ما يقوله لنا التاريخ وما شاهدناه ان السلطة الحاكمة في منطقتنا ليست بريئة، وهي تتعمد إيصال الناس إلى مرحلة اليأس، الذي سينتج بطبيعة الحال جملة من الأسئلة لا يجب ان يتحصل المواطن على  إجاباتها الصحيحة، بالتالي نصنع له إجابات تتماشى مع ما نريده، ونقول له، ان هناك جنياً ترك كل ما يملك وحياته، وتخصص ان ينغص عليك حياتك، وأننا كلنا كوننا بشر محدودين القدرات لا نملك له قوة ولا حيلة.  

لهذا طالما صديقنا الجني لا يستطيع ان يدافع عن نفسه، ستستمر السلطة الحاكمة في استخدامه، وللنجاة، تمسك بعقلك، فقد خاطب الله عقلك من فوق سبع سموات، ووجه غضبك بعيدا عن ذلك الجني المظلوم، وصديقه الساحر الذي تمكن ان يبقى في بيت عائلة لمدة أسبوع، ولم  يتمكنوا من كشفه؟؟!!!