شن هي قيم المجتمع اللي تحبسوا في الناس عليها؟
بينلي حقي وكوله هو مثل شعبي يضرب لمن يستطيل في أعراض الناس وأموالهم وأرزاقهم ويستولي عليها بغير وجه حق، وهو لا يكتفي بذلك بل يدعي أحقيته في الاستيلاء على ما استولى عليه ويدعي بأنه يمثل الحق والعدل والقانون، فيقول له المظلوم بينلي حقي وكوله؛ أي أن قوتك قد مكنتك من اغتصاب حقي فلا تحرمني على الأقل من حقي في أن أقول إنه لي وإنه اغتصب مني، لا تحرمني من حقي في أن أقول إنك ظالم غاصب وإن لبست أثواب العدل والفضيلة.
لا يكاد يمر علينا يوم في بلادنا دون أن نسمع باعتقال ممثل أو مدون أو صانع محتوى أو غير ذلك على يد قوة الحق والقانون والعدالة، معظم حالات الاعتقال تتم بلا جريمة ولا تهمة، وبعد الاعتقال تعلن القوة القاهرة أنها تنفذ تعليمات النائب العام وأنها تنظف المجتمع من أدران الرذيلة والفساد الأخلاقي، وأنها تتهم من اعتقلتهم بنشر محتوى يتعارض مع قيم المجتمع الليبي!!
لست هنا في مجال التشكيك في قيم المجتمع الليبي، ولكني حقيقة أريد أن أعرفها، فأنا ليبي أعيش على هذه الأرض وأساكن وأخالط وأعاشر هؤلاء القوم –الليبيين- وأريد أن أحيط معرفة بقيم المجتمع حتى لا أخالفها يوما فأجد نفسي في سجن القوة.
تدعي القوة في كل مرة أنها تنفذ تعليمات النائب العام، وكمواطن ليبي يفترض بالنائب العام أن يحمي حقوقي؛ أطالبه بأن يخرج في مؤتمر صحفي ليبين لنا حدود قيم المجتمع، وماهي المناطق السوداء التي يعتبر تخطيها جريمة، والمناطق الرمادية التي يستوجب تخطيها الحذر، والمناطق البيضاء التي نتحرك فيها بأريحية في نطاق قيم المجتمع.
وأطلب منه كذلك أن يحدد لنا السند القانوني والشرعي الذي حددت على أساسه قيم المجتمع ومن الذي حددها ومن الذي أوكل إليه مسؤولية تحديدها ومن الذي يملك الحق في ذلك.
إن تبرير اعتقال الناس وتقييد حرياتهم بمصطلح فضفاض مثل مخالفة قيم المجتمع ما هو إلا خدعة يراد بها إقناع باقي الشعب أن هذه التصرفات هي لحماية قيمهم والدفاع عن أخلاقهم والذود عن أعراضهم ممن يرغبون في إفساد أبنائهم وبناتهم، إن القوة هنا تمثلكم وتحمي قيم مجتمعكم فقفوا معها وساندوها في حربها المقدسة ضد الفساد والمفسدين.
يعيش في هذه البلاد أكثر من سبعة ملايين إنسان، تختلف مناطقهم وأصولهم ومذاهبهم وأعراقهم وألوانهم، وبالتالي تختلف مرجعياتهم الفكرية والاجتماعية وقيمهم السلوكية والأخلاقية، وما هو عيب في عرفك قد لا يكون كذلك في عرف غيرك، وما تراه سلوكا عاديا لا يستوجب الوقوف عنده؛ قد يراه غيرك جريمة تستوجب التعزير، فبأي مقياس نقيس عندما نحدد قيم المجتمع؟ ألا يعتبر إجحافا وظلما أن نحاكم من فعل شيئا ترى بيئته أنه أمر عادي بمقياس من يراه عيبا؟ ألم يمر كل منا بموقف محرج بعد تلفظه بلفظ عادي في لهجته ليكتشف أنه معيب في لهجة غيره؟ من يملك الحق في تحديد العيب؟
الشرع يملك الحق في تحديد الحرام، القانون يملك الحق في تحديد الجريمة، فمن يحدد العيب؟
إن امتلاك جهة معينة الحق في فرض قيمها على المجتمع هو أمر خطير، وتمهيد لدكتاتورية قادمة قد تكون أخطر من سابقتها، وإن تأييدك اليوم للاعتقال بدون سند قانوني في حق بعض ممن لا يعجبك المحتوى الذي يقدمونه، سيحرمك من حقك في الدفاع عن نفسك إذا وقعت يوما في دائرة ما تعتبره القوة المعتقِلة مخالفا لقيم المجتمع، ولنكن صريحا مع أنفسنا فنحن لا نعلم حدود ذلك، وما تعبره القوة مخالفا لقيم المجتمع يتغير بتغير الزمان والمكان والأشخاص.
من حقك أن لا تتفق مع ما نكتبه، أو مع ما نقوله أو نقدمه، ومن حقك أن تعترض على ذلك، ومن حقك كذلك أن تصنفنا وتنسبنا وتحسبنا على أعدائك وخصومك، ولكن ليس من حقك ولا من حق غيرك أن يصادر حقنا في أن نقول أو نكتب أو نقدم إلا بسند قانوني، وهنا نقول (بينلي حقي وكوله) أبرز لي السند القانوني الذي يبرر مصادرة حقي ثم صادره.
ألا قد أكلت يوم أكل الثور الأبيض!!
نعرف جميعا قصة الثور الأبيض الذي ضحى به زميلاه –الثور الأسود والثور الأحمر- ظنا منهما أنهما بذلك سيحميان نفسيهما من الأسد، وعندما جاع الأسد أكلهما كذلك، ليعرف آخرهما –الثور الأحمر- أنه قد أُكل يوم أن سمح للأسد بالتهام زميله، وأن مصيره قد ختم في اليوم الذي لم يقف فيه للدفاع عن الثور الأبيض، ليس حبا فيه ولكن حماية لنفسه من تغول الأسد، وتغول الأسد قادم لا محالة.
إن دفاعك اليوم عن من لا تتفق معه في الأفكار والمبادئ من تغول السلطة هو في الحقيقة حماية لنفسك من تغول السلطة، وإن لم ترتكب اليوم ما يستفز هذا التغول فقد ترتكبه غدا ولا تجد من يقف معك، وتذكر أنك لست محصنا من مخالفة قيم المجتمع فأنا وأنت لا نعرفها على وجه التحديد ولسنا من يحددها، ومن يحددها قد يوسعها أو يضيقها فيشملنا غدا فيما ظننا اليوم أننا محصنون منه، وحينها فقط سندرك أن وسيلتنا الوحيدة للحماية من تغول السلطة هي أن لا تمتلك السلطة الحق والقدرة على التغول أصلا، وأن دعمنا اليوم –ولو بكلمة- لمن اعتقل بدون سند قانوني، هو ملاذنا الوحيد لأن لا نجد أنفسنا في ذلك الموقع، وتذكر يوم اعتقالك على يد حراس الفضيلة أنك أكلت يوم أكل الثور الأبيض.