السياسي

طرابلس: المدينة التي نسيت كيف سقطت بغداد !

طرابلس: المدينة التي نسيت كيف سقطت بغداد !

طرابلس: المدينة التي نسيت كيف سقطت بغداد !

 

لم يكن سقوط بغداد على يد هولاكو سنة 656هـ حدثًا مفاجئًا ولا ضربة واحدة هدمت دولة مترامية الأطراف، بل كان خاتمةً طبيعيةً لسنوات طويلة من الوهن الداخلي والانقسام وصراع النفوذ داخل البيت العباسي نفسه. فقبل أن يطرق التتار أبواب المدينة، كانت الدولة غارقة في صراعات الوزراء والقادة، وبرزت خيانة الوزير ابن العلقمي الذي أضعف الجيش بحجة الإصلاح، وأطفأ ما تبقى من هيبة الخلافة.

وفي الوقت نفسه، كان التتار يزحفون من الشرق، يسقطون مدنًا تلو أخرى: سمرقند، بخارى، الري، همدان؛ حتى وصلت جيوشهم إلى بغداد التي صارت بلا شوكة ولا جيش. وعندما حاصر هولاكو المدينة، لم تعد هناك دولة تدافع عنها، فاستسلم الخليفة ودخل التتار العاصمة، فحدث المشهد الذي هزّ العالم الإسلامي: مجازر جماعية، وحرق الأسواق والمكتبات، وإلقاء آلاف الكتب في دجلة حتى تغيّر لون الماء.

ورغم أن العباسيين أسسوا دولة قائمة بذاتها حكمت العالم، وأنا هنا أعلم أنه من الإجحاف أن أشبهها بما يحدث في المنطقة الغربية في ليبيا، إلا أننا نستحضر هذا الإسقاط للتذكير أكثر من رغبتنا بالتشبيه، فقد اقتنعنا منذ سنوات أن سكان هذه المنطقة يعشقون تكرار أخطائهم بنفس الترتيب! 

يعلم الكثير من المطلعين والمتابعين أن لواء 444 وقوة الردع الخاصة لن يصلوا إلى اتفاق سلام واستقرار بينهم، وحالة فرض النفوذ في طرابلس وكسب أرض جديدة بينهم هي حالة طبيعية ومستمرة، حيث في الوقت الذي يسعى فيه لواء 444 إلى بسط سيطرته على كل بلدية عين زارة وصولًا إلى جزيرة الفرناج وأخذ كل منطقة السبعة الملاصقة لبلدية سوق الجمعة معقل قوة الردع الخاصة، لن تقبل الأخيرة الموافقة على هذا التمدد، حيث تعتبر بلدية عين زارة هي العمق الاستراتيجي المهم للقوة، وأي اشتباك قد يحدث في قادم الأيام سيضعها في موقف صعب عسكريًا لو قبلت بهذا التمدد.

وفي ظل تمسّك لواء 444 بأخذ كل عين زارة تنفيذًا للترتيبات الأمنية التي تضعها لجنة فضّ النزاع، ورفض قوة الردع هذا التمدد وتمسّكها بكل مقراتها المنتشرة في عين زارة، يبدو أن شبه الاشتباكات العسكرية قادمة في هذه المنطقة. 

من جهة أخرى، يحاول جهاز الأمن العام المسيطر على المنطقة الممتدة من جزيرة سوق الثلاثاء في مدخل بلدية حي الأندلس وصولًا إلى جزيرة الغيران المطلة على بلدية جنزور، لملمة حالة الانفلات الأمني التي تمر بها هذه المنطقة، حيث يستيقظ سكان العاصمة طرابلس يوميًا على حالات قتل وتصفية في الشوارع وجرائم سطو مسلح على المحال والسيارات. ويبدو أن قيادة الأمن العام ومن ورائها وزير الداخلية الذي يقول إن هذه المنطقة هي الوحيدة الخاضعة لسيطرته وسيُطبق فيها "خطة وزارة الداخلية" للتأمين عاجزون عن ضبط سلوك أفرادهم، وهذا ما يبدو أنه سيعجّل بما يراه العديد من المتابعين خطة إعادة تفريغ العاصمة من التشكيلات المسلحة التي تشرف عليها لواء 444 ولواء 111، اللذان يحاولان بسط سيطرتهما على أغلب مناطق طرابلس، وما يقوم به أفراد جهاز الأمن العام سيسهّل عليهم تنفيذ هجومهم الذي يراه العديد من المتابعين مسألة وقت فحسب. 

الكتيبة 55 بأمرة معمر الضاوي المتمركزة في ورشفانة التي تطوق طرابلس من الغرب، يبدو أنها لن تكون ضمن التشكيلات التي ستكمل وجودها في الفترة القادمة، حيث يرى العديد من المتابعين أن اللواء 111 يحاول بسط سيطرته على المنطقة بالكامل، وبدأت مؤشرات هذه الإزاحة تظهر في الاشتباكات التي اندلعت الفترة الماضية بين الكتيبة 55 وقوة محسوبة على رمزي اللفع الذي كان يدير تشكيلًا مسلحًا يرى العديدون أنه كان مدعومًا من اللواء 111، وبعد اغتياله من قبل أفراد قيل إنهم أبناء عمومته، رجعت قوته لتهاجم قوات الكتيبة 55، ولم تتوقف الاشتباكات حتى تدخلت قوات من اللواء 111 لإيقاف الاشتباكات ، ورغبة اللواء في السيطرة على هذه المنطقة منطقية جدًا حيث تشترك معهم في حدود مشتركة لمناطق النفوذ بينهما، أيضًا تدخل هذه الحالة في إطار إعادة ترتيب تواجد التشكيلات المسلحة في طرابلس وطوقها، والتي بدأت بإنهاء قوات جهاز دعم الاستقرار وقائدها غنيوة الككلي، ومحاولة إنهاء قوة الردع التي باءت بالفشل، وإعادة ترتيب الخطة من جديد.

هذا كله يحدث في المنطقة الغربية، والتمدد الناعم لمشروع الرجمة وعائلة حفتر في المنطقة الغربية يستمر، حيث شهدت الأسابيع الماضية سعي العديد من مناطق المنطقة الغربية لتقديم قرابين الولاء عن طريق مشائخها للمشير خليفة حفتر من الزنتان وصولًا إلى الزاوية ومدن الساحل الغربي وبني وليد وغيرها، حيث يبدو أن المرة القادمة سيكون دخول طرابلس أسهل وأهدأ من المحاولة السابقة، في ظل فقد القوة العسكرية المسيطرة في الغرب الليبي لتصور موحّد، وانغماسها في صراعاتها الداخلية، وعدم تمكنها من توحيد صفوفها لما هو قادم من الشرق، وتمكن مشروع الرجمة من تقديم نفسه لليبيين على أنه قادر على فرض الأمن والاستقرار، وشعور المواطنين في المنطقة الغربية بالإرهاق من حالة الفوضى الأمنية التي أصبحت حالة يومية تنغّص عليهم ما تبقى من حياتهم وحياة أبنائهم. 

 

كل المؤشرات تقول إن الانهيار الكامل للمنظومة الأمنية قادم لا محالة في المنطقة، لكن وهم السيطرة هو ما يجعل بصيرة من يقودها اليوم لا تعمل، كما كانت بصيرة الخليفة المستعصم في بغداد لا يرى تقدم المغول باتجاه بغداد، حتى حدثت الكارثة !!