الأقتصادي

رفع الدعم عن الوقود ( الدواعي والتداعيات )

رفع الدعم عن الوقود ( الدواعي والتداعيات )

رفع الدعم عن الوقود ( الدواعي والتداعيات )

 

كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن رفع دعم الحكومة عن الوقود، وأكد رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة في أكثر من مناسبة أن رفع الدعم عن الوقود قادم لا محالة، وأنه مسألة وقت لا أكثر، وأن القرار في هذا الصدد قد اتخذ ولا رجعة فيه، ليعود بعد موجة رفض محلية؛ شعبية ورسمية ليعلن أن رفع الدعم لن يتم إلا بعد استفتاء شعبي، وخلال مشاركته في القمة العالمية للحكومات في دبي خلال فبراير 2024 قال الدبيبة في تصريح لقناة (CNBC عربية) (1) إنه يتوقع أن يرفع الدعم عن الوقود في منتصف هذا العام أو نهايته على أبعد تقدير، وذلك بعد إقناع الشعب حسب تعبيره؛ فما هو الدعم وما أهميته وما الدواعي الملحة لرفعه وما هي تداعيات ذلك؟

ما هو الدعم الحكومي؟

تعرف موسوعة ويكيبيديا الدعم الحكومي بأنه (إمدادات مادية تقدّم من الحكومة لتخفيض أسعار السلع إما لصالح صناعة وإما لصالح المواطن. ويعتبر في مجتمعات عديدة من التابوهات، ويهدد غيابها أو تقليصها باشتعال الشارع. ومن أهم السلع المدعومة الدقيق والسكر والحليب والسكن والكهرباء والمحروقات)(2).

بهذا المعنى فإن الدعم الحكومي لسلع معينة يهدف بالأساس لتوفير السلع المدعومة التي تبلغ أسعارها الحقيقية قيما ليست في متناول فئات من المجتمع؛ وجعلها في متناول الجميع، مع قيام الدولة  -عبر صندوق مخصص لذلك أو عبر إدراجها في الموازنة العامة- بسد الثغرة بين سعر البيع والسعر الحقيقي للسلع.

ومع أن الدعم الحكومي يظهر بشكل أكبر في المجتمعات التي يكثر فيها الفقر، أو المجتمعات التي تتبع أنظمة اقتصادية قريبة من النظام الاشتراكي أو بعيدة عن النظام الرأسمالي، إلا أنه ليس حكرا عليها، وقد لجأت أنظمة رأسمالية كبيرة وعريقة في اقتصاد السوق الحر ورأس المال إلى الدعم الحكومي لإنقاذ قطاعات تعتبرها الدولة حيوية لضمان استمرارها، حيث لجأت الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا ودول أوروبية أخرى لدعم القطاع المصرفي وقطاع صناعة السيارات وقطاع العقارات والاستثمار العقاري وأنقذت شركة ومصانع ومصارف كبيرة من الإفلاس، لأن إفلاس هذه المؤسسات كان سيهدد بتداعيات كبيرة على الدولة ككل.

كما قد يكون الدعم الحكومي سياسيا في بعض الأحيان، فتستعمله الدولة كنوع من أنواع "الرشوة السياسية"، حيث تلجأ إلى خفض أسعار سلع معينة، أو تحافظ عليها وتحميها من تقلبات السوق لتصريف حالة احتقان قائمة أو محتملة، وهو ما يسميه بعض الاقتصاديين "شراء السلم الاجتماعي".

دواعي رفع الدعم في الحالة الليبية

في الحالة الليبية؛ بدأت مسيرة الدعم مع إنشاء المؤسسة الوطنية للسلع التموينية في عام 1971 لمساعدة الليبيين الذين كان معظمهم يعيش تحت خط الفقر؛ في توفير السلع الأساسية بأسعار في متناولهم، ولكن الدعم زاد في السنوات اللاحقة ولم يتوقف على السلع الأساسية وحدها، بل اتسع ليشمل المحروقات وقطع غيار السيارات والأثاث والملابس والأحذية وحتى السجائر.

ورغم دعم الدولة بنظامها الاشتراكي لكل السلع من الإبرة إلى الشاحنة، إلا أن فاتورة الدعم لم تكن باهظة، فأسعار الوقود عالميا لم تبدأ في تحقيق طفرات كبيرة إلا في منتصف العقد الأول من القرن الجديد، ولم تكن ميزانية دعم الوقود مثلا لتتجاوز بضع مئات من ملايين الدينارات، وهي قيمة بسيطة بالنسبة لدولة تنتج أكثر من مليون برميل نفط يوميا، أما اليوم فقد بلغت قيمة ما تدفعه الدولة كفاتورة للدعم قيما ضخمة تستوجب التوقف عندها ومناقشتها مناقشة جادة، ففي ميزانية سنة 2023 (3) مثلا رصدت الحكومة قيمة (18,950,000,000 دينار) حوالي 19 مليار دينار للدعم، ويتوزع هذا الدعم وفقا لمشروع الميزانية على عدة بنود هي: دعم الأدوية والمستلزمات الطبية بقيمة 2,500,000,000 ودعم الكهرباء والإنارة العامة بقيمة 840,000,000 ودعم النظافة العامة بقيمة 400,000,000 ودعم المياه والصرف الصحي والتحلية بقيمة 460,000,000 ، ودعم المحروقات بقيمة 7,000,000,000 ، ودعم علاوة الزوجة والابناء بقيمة 4,200,000,000 ، ودعم برنامج الأمن الغذائي بقيمة 1,000,000,000 ودعم التغذية المدرسية بقيمة 200,000,000 ، ودعم الأعلاف 600,000,000 ، وأخيرا دعم المعاشات الأساسية بقيمة 1,750,000,000.

بجميع المقاييس تعتبر هذه الأرقام مخيفة، فبأي مقياس تدفع الدولة دعما مقداره مليارين ونصف المليار من الدينارات لدعم الأدوية والمستلزمات الطبية بينما يشتري معظم الليبيين أدويتهم وعلاجهم من المصحات والصيدليات الخاصة، وحتى المحظوظ منهم الذي يتمكن من دخول المستشفيات العامة؛ يطلب منه إحضار الأدوية والمستلزمات الطبية لعمليته وعلاجه لأنها غير متوفرة، فأين تذهب هذه الأموال؟

مائتي مليون دينار لدعم التغذية المدرسية، هل سمعت يوما في حياتك بهذا المصطلح في ليبيا؟ هل تغذي المدارس أبناءنا ونحن لا نعلم؟ للأسف مدارسنا لا تغذي أطفالنا حتى بالعلم الذي هو مهمتها الأساسية، فما بالك بغيره، فإذا كانت المدارس لا تقدم برامج التغذية التي تدعمها الحكومة بأموالنا فأين ذهبت هذه الأموال؟

ستمائة مليون دينار لدعم الأعلاف، نعم دولتنا الموقرة تدعم فئة من الناس هم مربو المواشي والأغنام والدواجن بأكثر من نصف مليار دينار لتوفير الأعلاف لحيواناتهم، فهل يراعون ذلك عند تقدير أسعار مواشيهم ولحومها التي باتت ضيف شرف على موائدنا؟ لماذا تدعم الدولة بأموالنا من يمارس نشاطا لحساب نفسه؟

أكثر من أربعة مليارات من الدينارات أنفقتها الحكومة تحت بند دعم الزواج عام 2023، لن أتحدث كثيرا عن هذا الموضوع فعدم استمراره هو أكبر دليل على فشله، لم يكن موضوعا مدروسا ولا خطة استراتيجية بقدر ما كان مناورة حكومية لـ "شراء السلم الاجتماعي".

نعلم جميعا أن معظم هذه المليارات تذهب إلى جيوب المتنفذين والسماسرة والمسؤولين والمهربين، وتوجيهها إلى مشاريع التنمية والإعمار والتأهيل والتعليم كان أجدى وأنفع وأصلح، ومع ذلك فإن ما ذكرناه سابقا لا يساوي شيئا أمام الهدر والفساد والسرقة في بند دعم المحروقات الذي بلغت قيمته في ميزانية سنة 2023؛ 7 مليار دينار.

7 مليار دينار هو رقم ضخم جدا مقارنة بعدد سكان ليبيا، فإذا اعتمدنا تقديرات مصلحة الإحصاء والتعداد التابعة لوزارة التخطيط في حكومة الوحدة الوطنية بشأن التعداد السكاني في ليبيا لسنة 2023م فإن عدد سكان ليبيا هو سبعة ملايين ومائة ألف نسمة، وبقسمة قيمة الدعم على عدد السكان فإن الناتج هو ألف دينار سنويا لكل مواطن.

أي أن الدولة تدعم كل مواطن ( رجل أو امرأة- كبير أو صغير) بقيمة ألف دينار سنويا لمواجهة ارتفاع أسعار الوقود، علما أن كثيرا من الليبيين لا يملكون سيارات أصلا، ومعظم العائلات الليبية تمتلك سيارة واحدة لكل أسرة قد تتكون من خمسة أو ستة أفراد، وهؤلاء يحسبون في الدعم تماما كما يحسب الأثرياء الذين يملكون عشرات السيارات والدراجات النارية والقوارب البحرية وغيرها، فهل معدل الأثرياء من الإنفاق يساوي معدل بقية الشعب حتى يتساوون في الدعم؟ أضف إلى ذلك أن أسعار الوقود الحالية يستفيد منها الأجانب المقيمون في ليبيا، ويستفيد منها أصحاب الشركات والمصانع الخاصة الذين يملكون أساطيل من السيارات والشاحنات التي يملؤونها يوميا بوقود دفع ثمنه من قوت أبنائك.

كل هذا قبل الحديث عن التهريب وسوقه الرائجة في تشاد والنيجر وتونس وحتى دول أوروبا، في فترة من الفترات كانت ناقلات الوقود ترسو بكل ثقة في بعض موانئ البلاد لتملأ خزاناتها من وقود تم استيراده من قبل حكومتك لحسابك وبأموالك، ثم تصب الأموال في جيوب المهربين وحساباتهم بينما أقف أنا وأنت في طوابير محطات الوقود لساعات للحصول على (فل تنك) من البنزين المدعوم.

ناقلات الوقود التي تهرب وقودك في شرق البلاد وغربها قد توقفت، أو تناقصت إلى حد كبير، ولكن أساطيل الصهاريج الممتلئة بالوقود التي تغادر البلاد جنوبا وغربا ما زالت نشطة وسوقها رائجة، وما زالت تذر الملايين على جيوب المهربين، وما زال إخواننا في الجنوب يعاني أحدهم الأمرين في الحصول على وقود لسيارته لإنقاذ حياة أحد أفراد عائلته ربما.

يوم سبعة فبراير 2024 نشرت وكالة بلومبيرغ الأمريكية (4) تحقيقًا قالت فيه إن ما يقارب 40% من الوقود الذي يتم استيراده إلى البلاد يتسرب من خلال التجارة غير المشروعة عن طريق التهريب أي بقيمة مالية تقدر بـخمسة مليارات دولار سنويًّا (طبعا حسابات الوكالة هي بأسعار البيع لا بأسعار التكلفة).

وكشف التحقيق الذي أجرته الوكالة أن سفينة تحمل اسم ماجدة كوين، أبحرت في شهر سبتمبر من عام 2022 من ميناء بنغازي محملة بما قيمته 2 مليون دولار من زيت الغاز متجهة نحو بورتو رومانو في ألبانيا، مستندة في ذلك على شهادة القبطان في أن الإبحار كان بوثائق رسمية توضح أن الوقود جاء من شركة البريقة موقعة وتحمل أختام الشركة.

وأشارت السلطات الألبانية إلى أنها تحصلت على معلومات تفيد بأنها كانت تبحر بوثائق مزورة، واشتبهوا في أن الوقود، لو دخل ألبانيا، كان سيتم بيعه محليًا في محطات الوقود وربما إعادة تصديره إلى دول أخرى وفق الوكالة.

واحتجزت السلطات الألبانية السفينة بعد أربعة أيام من اعتراضها وأثناء دخولها المياه الإقليمية الألبانية، وطاقمها المكون من عشرة أفراد، لحملها أوراقًا مزورة تدل على أن الحمولة تابعة لشركة كاستراتي للعمليات النفطية.

ومن جانبها ردت المؤسسة الوطنية للنفط على هذه الاتهامات ببيان (5) أشارت فيه إلى أنها قامت يوم 10/5/2022 بتقديم بلاغ للنائب العام عن ناقلات تنفذ عمليات شحن بحرية خارج إطار عمل المؤسسة الوطنية للنفط وشركة البريقة لتسويق النفط (إحدى الشركات التابعة للمؤسسة) والمسؤولة عن توريد المحروقات للجهات العامة وشركات التوزيع ، ومن بين هذه الناقلات كانت الناقلة ماجدة كوين التي ذكرها تقرير الوكالة الأمريكية.

بيان المؤسسة لم يزد على كونه دفاعا عن نفسها وعن شركة البريقة التي تتبعها، ونفيا لتهمة التهريب عنهما، ولكنه لم يتحدث عن القيمة المرعبة التي ذكرها تقرير بلومبيرغ كقيمة سوقية للوقود الليبي المهرب ( خمسة مليار دولار)، لم ينف بيان المؤسسة هذه القيمة، وعدم النفي يعتبر وجها من وجوه الإثبات.

وإذا سلمنا بهذه القيمة؛ أو حتى افترضنا أنها أقل من ذلك بقليل، فإننا حتما نتحدث عن سوق بمليارات الدينارات تصب في حسابات بارونات التهريب الذين هم غالبا من المتنفذين في الدولة –شرقا وغربا- أو ممن هم على علاقة وثيقة بهم، ولن يرضى هؤلاء قطعا برفع الدعم لأنه مصدر دخلهم وبالتالي هو مصدر قوّتهم، فمنه ينفقون على ميليشياتهم التي تحمي مناصبهم وتتيح لهم فرص التوسع في النفوذ، والحضور الدائم على مائدة تقسيم السلطة كلما استدعى الأمر ذلك.

أضف إلى كل ما ذكر من عيوب سياسة الدعم ودواعي رفعه؛ ما يتسبب فيه رخص أسعار الوقود من ازدحام أصبح لا يطاق في المدن الكبيرة وخاصة طرابلس وبنغازي، ملايين السيارات تتحرك في نفس الوقت، ما جعل قضاء مصلحة يفترض أن يستغرق بضع دقائق؛ يصل إلى ساعات من التوقف واستنشاق عوادم السيارات التي تنفث البنزين الرخيص في رئات المستفيدين من لعنة أسعار الوقود التي تقل حتى عن سعر الماء.

كما أوصى خبراء الاقتصاد في صندوق النقد الدولي منذ سنة 2006 وربما حتى قبلها بضرورة رفع الدعم وتحرير الاقتصاد من ربقة هذه السياسة التي يعتبرها الصندوق غير ذات جدوى وغير قابلة للاستدامة، وبدأ النظام السابق فعليا سنة 2010 في رفع تدريجي لأسعار الوقود حتى يصل إلى مرحلة رفع الدعم، حيث زاد سعر اللتر من الوقود (البنزين والديزل) سنة 2010 بقيمة 50 درهما ليصبح مائتي درهم (عشرين قرش) للتر الواحد، على أن تتم الزيادة تدريجيا حلى الوصول إلى سعر معقول، ولكن مع قيام ثورة 17 فبراير وتوقف كل جوانب الحياة تقريبا وشلل تام لمشاريع التنمية؛ توقف مشروع رفع الدعم، بل حتى الزيادة التي فرضت في السعر تم رفعها من قبل المجلس الوطني الانتقالي من باب دغدغة مشاعر المواطنين واستخدامها كسلاح في الحرب ضد رأس النظام السابق.

تداعيات رفع الدعم عن الوقود

شهدت أواخر سنة 2014 بداية الانخفاض الحاد في سعر صرف الدينار الليبي أمام العملات الأجنبية، ولأسباب معلومة للجميع وليس هنا محل شرحها؛ استمر انخفاض سعر صرف الدينار الليبي حتى وصل إلى عشرة دينار مقابل الدولار الواحد في السوق الموازية، ومع ارتفاع الأسعار وشح السيولة وحالة ضيق شديدة عانى منها المواطنون، لجأ مصرف ليبيا المركزي وحكومة الوفاق الوطني إلى وضع سعر وسطي بين سعر الصرف الرسمي وسعر الصرف في السوق الموازية، مع بيع العملة الأجنبية مباشرة للمواطنين عن طريق بطاقات الفيزا، وساهم ذلك في انخفاض نسبي في الأسعار وحل ناجع لأزمة شح السيولة، ولكن ما علاقة هذا الأمر بموضوع رفع الدعم عن الوقود؟ علاقة سعر الصرف برفع الدعم تأتي بعد حساب سعر التكلفة وهو سعر متغير من مكان لآخر وتحكمه عوامل الجودة وسهول النقل وبعد المسافة ما إلى ذلك، وعلى كل حال فقد قدر المكتب الوطني للإحصاءات في بريطانيا (Office for National Statistics) في تقرير أصدره مؤخرا (6) سعر تكلفة الوقود  بنسبة تقل عن 72% من سعر البيع، وإذا افترضنا أن سعر التكلفة بالنسبة لليبيا وهي دولة منتجة للنفط وتعتمد منذ حوالي أربع أو خمس سنوات على مبدأ المقايضة؛ هو 65% من سعر البيع في إحدى دول أوروبا التي يباع فيها لتر البنزين بيورو واحد مثلا، فإن سعر التكلفة سيكون 65 سنت لكل لتر، وبضرب هذه القيمة في السعر الرسمي الحالي في مصرف ليبيا المركزي حاليا سيكون سر التكلفة للتر الواحد هو ثلاثة دنانير وربع، وبإضافة أسعار المناولة والنقل وهامش ربح بسيط لشركات التوزيع فإن لتر الوقود سيباع بحوالي أربعة دنانير (قدره بعض خبراء الاقتصاد الليبيين بين أربعة دنانير ونصف وخمسة دنانير)، أي أن تكلفة ملء خزان متوسط لسيارة صغيرة سيقفز من خمسة دنانير إلى حوالي 140 دينارا، وهذا سيسبب حتما زيادة مهولة في أسعار الخدمات كالنقل والركوبة العامة وغيرها، وبزيادة أسعار النقل ستزيد أسعار السلع بنسب متفاوتة قد تصل إلى 30%، وهو ما سيرهق كاهل المواطن المثقل أصلا، وأي حديث من الدولة عن تحويل قيمة الدعم إلى قيمة مادية تعطى للمواطن مباشرة ما هو إلا ذر للرماد في العيون، فالدولة لم تف بالتزاماتها التي تعهدت بها من دفع علاوات للأبناء والزوجة والبنات فوق سن الثامنة عشرة، وما زالت مستحقات المواطنين عن السنوات التي تلت إقرار القوانين المتعلقة بهذه العلاوات معلقة حتى الساعة ولم تتمكن الدولة من الإيفاء بها حتى الآن، ناهيك عن العلاوات المستحقة عل السنوات الحالية والتي لا تدفعها الدولة إلى كل ثلاثة أشهر أو نحو ذلك مع التأخير، فهل ستفي الدولة بالتزام دفع قيم أكبر من قيم العلاوات في وقتها أم أنها مجرد ورقة لإسكات الشارع ثم تركه يواجه مصيره أمام تغول الأسعار؟

كما أن الحديث عن إصدار بطاقات حصص للمواطنين لشراء قيم محددة من الوقود بسعر الدعم، ومع نهايتها واستيفاء حصته ينتقل المواطن لشراء الوقود بالسعر الرسمي، مع التعامل بالسعر الرسمي مع الأجانب والشركات وغيرها، هو مجرد تمويه للدعم لا رفعه، فالدعم ما زال موجودا ولكن بطريقة أكثر اشتراكية من ذي قبل، كما أن أمرا كهذا سيستحيل السيطرة عليه في بلد تحارب التكنولوجيا والرقمنة وما زالت تتعامل بالبيروقراطية الورقية في كل جوانبها، وسيفتح هذا الأمر بابا جديدا للفساد، وسيزدهر سوق تزوير الأرقام الوطنية من جديد لإصدار بطاقات دعم مزورة تباع في السوق السوداء، وسيخلق طبقة جديدة من الأثرياء الذين سيستفيدون من الفجوة الكبيرة بين سعر الوقود المدعوم وسعر السوق الرسمي.

خلاصة

رفع الدعم عن الوقود هو أمر حتمي ولا بد منه، سواء لكف الفاسدين الذين أثروا منه وأرهقوا المجتمع بتبعاته، أو لتخفيف التلوث والازدحام الذي بات كابوسا محدقا يهدد جودة الحياة بالنسبة لكل سكان المدن الكبيرة بدون استثناء، أو لتحرير الاقتصاد وإزالة ما مقداره حوالي ربع الميزانية العامة للدولة والذي يذهب معظمه للتهريب والفساد.

وسواء قررت الدولة استبدال الدعم العيني بدعم نقدي يدفع للمواطن مباشرة أو إصدار بطاقات حصص للمواطنين، فإن قرار رفع الدعم يجب أن يكون مسبوقا بعدة إصلاحات اقتصادية، ورفع يد الدولة عن الاقتصاد وتحريره، وإلزام الشركات الخاصة بدفع رواتب مجزية للمواطنين لتحسين دخلهم ورفع مستواهم المعيشي، ويجب أن يسبقه كذلك تحرير الدينار الليبي من الإجراءات التي فرضت عليه والتي قيل عنها في وقتها إنها مؤقتة ولكنها استمرت لما يزيد عن خمس سنوات وما زالت مستمرة ولا حديث عن رفعها أو حتى عن تعديل سعر الصرف، فلو نجحت الدولة في إرجاع سعر الصرف الأصلي، (دينار وربع للدولار الواحد)، فإن سعر لتر الوقود –بعد رفع الدعم- قد يزيد عن دينار واحد بقليل وهو سعر يكاد يكون في المتناول، ومع توفير دعم نقدي بديل؛ فإن المواطن سيحس بأن رفع الدعم كان أفضل بالنسبة له من وجوده، وأخيرا فإن قرارا استراتيجيا ويراه البعض مصيريا من الأفضل أن يترك لحكومة منتخبة، تتمتع بشرعية دستورية، لا لحكومة مؤقتة مهمتها تسيير الأعمال وتيسير الانتخابات، وكل قراراتها عرضة للطعن أمام القضاء، وآخرها حكم محكمة استئناف طرابلس بإلغاء مذكرة التفاهم بي الحكومة وتركيا بشأن التعاون في مجال الهيدروكربونات المبرمة في العام 2022 (7).

 

المصادر

1- https://shorturl.at/nouU3

2- https://shorturl.at/ijnV6 

3- https://shorturl.at/gpxJP 

4- https://www.bloomberg.com/news/newsletters/2024-02-07/libya-s-5-billion-smuggled-fuel-trade-benefits-russia-big-take 

5- https://shorturl.at/ioJPT