تعيين صدام حفتر: هل هو رهان على خلافة والده؟
يشاع أن لخليفة حفتر سبعة أبناء ذكور وبنت، ثلاثة من أبنائه الذكور يتصاعد نفوذهم باستمرار في مملكة والدهم، ويبدو أن لكل واحد منهم طموحا لخلافة والده في عرش برقة التي يملكها الآن، ولم لا في عرش ليبيا الذي يسعى جاهدا لتوليه، هذا التوصيف يعكس مصير حكم عائلي حول الجيش إلى إمبراطورية خاصة استولى من خلالها على كل ما هنالك.
وأبناء حفتر المتنازعون هم:
صدام (قائد القوات البرية سابقا، ونائب القائد العام حاليا).
خالد (رئيس أركان الوحدات الأمنية).
بلقاسم (مدير صندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا).
وبشكل أقل يظهر اسم الابن الأكبر (الصديق) الي يرأس المجلس الأعلى للمصالحة الوطنية في المنطقة الشرقية، فرغم طموحه الذي لا يخفى إلا أنه يعتبر أحد أقل أبناء حفتر تأثيرا شعبيا وحظوة لدى والده.
ورغم الخلاف الظاهر بين الأشقاء وسعي كل منهم لخلافة والده؛ إلا أن الوالد يبدو أنه قد حزم أمره واختار وريثه المفضل، حيث أقدم في 11 أغسطس على خطوة جريئة بدت كأنها ترتيب مسبق لليوم التالي لغيابه، هذه الخطوة الجريئة والمتوقعة كانت تعيين ابنه "الفريق أول" صدام خليفة حفتر نائبا له كقائد عام للقوات المسلحة الليبية.
هذه الخطوة لم تكن مجرد ترقية عسكرية روتينية، بل تحمل في طياتها دلالات عميقة تشير بوضوح إلى أن صدام هو الوريث الشرعي لقيادة الجيش، ولأن الجيش في برقة هو عماد السلطة وخليفة حفتر هو الحاكم المطلق؛ فوراثة صدام له في جيشه هي وراثة له في ملكه.
حكاية حفتر مع السعي للسلطة قديمة تعود إلى بداية عودته للبلاد في 2011 وتأسيسه لمجموعة مسلحة أطلق عليها –من جانب واحد- اسم الجيش الوطني الليبي، وانقلابه على المؤتمر الوطني العام في 2012 وإعلانه تجميد الإعلان الدستوري وتولي مقاليد الحكم، ولكن هذا الإعلان مات قبل أن يولد، واضطر حفتر للفرار من طرابلس باتجاه بنغازي حيث بدأ في حشد المجاميع القبلية لتأسيس نواة لقوة عسكرية أعلن من خلالها ما سماه عملية الكرامة عام 2014، ليحصل بعدها على مباركة مجلس النواب ويسميه عقيلة صالح قائدا عاما للجيش الليبي مع احتفاظ مجلس النواب بصفة القائد الأعلى رمزيا.
وفي عام 2015 تم توقيع الاتفاق السياسي في الصخيرات والذي نص على حمل المجلس الرئاسي لصفة القائد الأعلى، هذا الأمر لم يرق لحفتر الذي وإن لم يعلن تمردا صريحا، إلا أنه لم يدن يوما بالولاء لغير نفسه، بل إنه بدأ في توسيع نفوذ عائلته وأقاربه، واستبعاد البرقاويين الذي أسس بهم جيشه، ليتحول الجيش فعليا إلى ملكية عائلية يحصل فيها الأبناء والأصهار المدنيون على أعلى الرتب العسكرية مع أن أحدهم لم يمر في حياته بجانب كلية عسكرية فضلا عن أن يتخرج منها.
ولكن في خلفية الوحدة العائلية الظاهرة في إدارة مؤسسة الجيش العائلي، كانت عائلة حفتر تعيش توترات مكتومة بشأن الخلافة، فلم يكن صدام هو المرشح الوحيد، بل ينافسه خالد على النفوذ العسكري، وينافسهما بلقاسم بسلطته المدنية الواسعة، وفي آخر المشهد يبدو الصديق بشعره وشاعريته، لكن الأب حسم الخلاف أخيرا لصالح ابنه الأصغر لعدة أسباب.
القبول الدولي، فصدام نجح في إبراز نفسه كشخصية قابلة للتعامل في المعادلة الليبية المعقدة، ونجح في بناء شبكة علاقات مع موسكو وأنقرة والقاهرة، وحتى واشنطن، جعلته يبدو شريكا موثوقا على المستوى الدولي.
الولاء المطلق للعائلة ومصالحها، حيث برز في القتال في قوات والده منذ تأسيس مجموعته المسلحة في 2012، وكان يسعى لتقويتها وتوسيع نفوذها من خلال عدة عمليات (سطو) للحصول على الأموال، فمن عملية مصرف الأمان في طرابلس، إلى مصرف ليبيا المركزي في بنغازي، إلى عمليات الاغتيال والمداهمات والإعدامات الميدانية، كل ذلك، جعله الأكثر التصاقا بمصالح العائلة.
كما أن صدام نجح في تلفيق شرعية وهمية لصعوده الصاروخي في المؤسسة العسكرية، فكيف لمدني أن يحصل على رتبة عسكرية، ناهيك عن أن تكون رتبة فريق التي لا يصل إليها 99% من العسكريين الحقيقيين، ولكن صدام نجح في الحصول على دورات عسكرية في الأردن والإمارات وتحصل على شهادة أكاديمية في العلوم العسكرية من مصر جعلته يضفي غلافا شرعيا على رتبته العسكرية الوهمية.
ولكن المفارقة أن حفتر، الذي عانى من جلطات دماغية سابقا، وعولج في الأردن وفرنسا وغيرها، ويسارع لتوريث أبنائه خشية انهيار مشروعه، قد يكون خاطر بانهيار هذا المشروع بتولية أحد أبنائه لعدة اعتبارات؛ منها الرفض الشعبي الخفي لحكم العائلة وعملياتها القمعية منذ ظهورها في بنغازي عام 2014، فعمليات الاعتقال والاغتيال والمداهمات المتكررة، والحروب في بنغازي ودرنة وسبها ومرزق وطرابلس وما صاحبها من جرائم مروعة؛ كرست مشاعر كراهية لن تختفي بغياب الأب.
أضف إلى ذلك الانقسام العائلي، فتعيين صدام قد يغذي صراعا خفيا مع شقيقه خالد، الذي يكبره سنا ويساويه في الرتبة العسكرية، والخلاف بينهما يشاع منذ فترة طويلة، ويحاول الأخوان تغطيته بتبادل الزيارات وفرش السجاد الأحمر وتبادل الهدايا التذكارية والدروع، فهل تعيين حفتر لصدام تم باتفاق عائلي على تقاسم السلطة؟ أم هي مجرد تقديرات حفترية مبنية على قراءة خاصة؟
وأيا كان الأمر؛ فبهذا التعيين يوجه حفتر رسالة مفادها أن غيابه المحتمل لن يخلق فراغا، بل سيملأه ابنه، في المقابل، يعتبر المجلس الرئاسي في طرابلس (القائد الأعلى للجيش الليبي) هذه الخطوة تعقد معادلة السلام الهشة، كونها تتجاوز صلاحية المجلس في الترقية والتعيين لمناصب عسكرية حساسة.
وبعيدا عن كل التحليلات والتخمينات والتوقعات؛ يظل تعيين صدام لمنصبه الجديد ترسيخا لنموذج الحكم العائلي الذي يحول الجيش إلى مليشيا خاصة، وقد علمنا التاريخ أن الجيوش التي تقوم على الولاء للفرد والعائلة وليس للدولة، مصيرها الانهيار حين يرحل الأب المؤسس، فليبيا، التي عانت من مثل هذه الحالة سابقا في 2011، لا تحتاج إلى وريث عرش، بل إلى جيش وطني يوحد لا يقسم، وصدام ابن أبيه لن يكون عمادا لجيش وطني حقيقي، ولن يزيد عن كونه حارسا لإرث أبيه قبل أن يتحول إلى غبار.