السياسي

بن قدارة أقيل أم استقال؟ وهل انهارت ترتيبات حفتر-الدبيبة

بن قدارة أقيل أم استقال؟ وهل انهارت ترتيبات حفتر-الدبيبة

بن قدارة أقيل أم استقال؟ وهل انهارت ترتيبات حفتر-الدبيبة

 

في تحول لافت ومفاجئ بالنسبة للكثيرين على الساحة الليبية، أعلنت المؤسسة الوطنية للنفط أن رئيسها فرحات بن قدارة تقدم باستقالته لرئيس حكومة الوحدة الوطنية الذي قبل هذه الاستقالة وعين بدلا عنه رئيسا مؤقتا للمؤسسة، وبهذا الإعلان المفاجئ يترك بن قدارة خلفه مشهدا سياسيا معقدا يعج بالتحديات والتحولات، هذه الاستقالة، التي تمت الموافقة عليها من قبل رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، تحمل في طياتها مؤشرات على تغييرات مهمة قد تطرأ في قطاع النفط الحيوي في البلاد.

تأتي استقالة بن قدارة بعد أكثر من عامين من وجوده في منصبه، إذ كانت قد بدأت مسيرته في يوليو 2022 بعد اتفاق غير معلن بين معسكر الدبيبات ومعسكر حفتر ممثلا في ابنه صدام، والذي تم بموجبه تعيين بن قدارة عقب إقالة الرئيس السابق للمؤسسة مصطفى صنع الله.

 ومع الإعلان المفاجئ للاستقالة وقبولها ليل الخميس وقبل أقل من 48 ساعة من افتتاح الدورة الثالثة لمنتدى ليبيا للطاقة والاقتصاد؛ يتردد السؤال الذي لا بد منه؛ هل أقيل فرحات بن قدارة أن استقال؟ وهل أصيب بهذه الوعكة الصحية فجأة وقبل يومين فقط من عقد منتدى اقتصادي ونفطي كبير قد يوفر فرصة استثنائية لـ(الفري)؟

تتضارب الأنباء في للإجابة عن هذا السؤال، فمن قائل أن الدبيبة أقال بن قدارة رفضا منه لبعض توجهاته، وأن الدبيبة سيشكل مجلس إدارة جديدا في وقت لاحق، وبين من يؤكد أن بن قدارة استقال فعلا ولكن ليس لأسباب صحية كما ذكر بيان المؤسسة الوطنية للنفط، ولكن لأن الرجل عجز فعلا عن الإيفاء بمتطلبات اتفاق العائلتين الحاكمتين شرقا وغربا، وأن الاستقالة جاءت نتيجة ضغوطات وصعوبات واجهها بن قدارة، في ظل حالة عدم التوازن بين توجيهات الدبيبة وطلبات حفتر.

كما أن الضغوط على بن قادرة لم تأت فقط من الشخصيات الليبية المتفقة المختلفة؛ بل إنه يتعرض أيضا لضغوط دولية خاصة من دولة الإمارات التي تقول الأخبار إنه يحمل جنسيتها، وهي التي رعت الاتفاق غير المعلن بين الدبيبة وحفتر الذي أفضى إلى تمكين فرحات من المنصب الذي يشرف على نفط ليبيا وأموالها.

ومع دخول عام 2025، بدأت أزمة الإيرادات تتفاقم مجددا، فرغم الزيادة الملحوظة لكميات إنتاج النفط في البلاد والتي بلغت مؤخرا إلى 1.417 مليون برميل يوميا، إلا أن هذه الزيادة في الإنتاج لم تنعكس على الإيرادات المالية التي انخفضت رغم الثبات النسبي للأسعار، حيث حصلت البلاد إيرادات أقل بنحو 6.4 مليار دولار مقارنة بعام 2023، ومع الأخذ في الاعتبار الإغلاقات ونقص الإنتاج في بعض المراحل، إلا أن نقص الإيرادات قد شكل سؤالا ملحا لم تقدم مؤسسة النفط جوابا مقنعا عليه.

والآن ومع تغيير بن قدارة، تبرز تساؤلات جادة حول مستقبل إدارة المؤسسة الوطنية للنفط، هل يمكن للدبيبة وحفتر التوصل إلى اتفاق جديد ينظم هذا القطاع الحيوي؟ السيناريو الأكثر تفاؤلا هو تحقيق توافق سياسي يفضي إلى إدارة أكثر استقرارا للموارد النفطية، ولكن هذه الرؤية تتطلب مرونة سياسية ونزعة للمصالحة بين المعسكرات المتصارعة، وهو أمر لا يتوقع وجوده، فما قاد إلى الاتفاق السابق هو النزعة الفردية والمصلحة الشخصية للمعسكرين، فإيرادات النفط تمثل المصدر الوحيد والمستمر لضخ الأموال لجيوبهم وجيوب أتباعهم ووكلائهم.

من جهة أخرى، هناك مخاوف حقيقية من أن يقرر رئيس حكومة الوحدة الوطنية الاستبداد بالقرار وتشكيل مجلس إدارة جديد بمباركة المجلس الرئاسي، هذا الأمر سيؤدي حتما لانهيار الاتفاق والترتيب السابق بين المعسكرين؛ والذي سيؤدي حتما أيضا إلى إغلاق نفطي جديد، مما سيزيد من معاناة الشعب الليبي ويزيد من تعقيد الوضع الاقتصادي بشكل أكبر.

الأيام القادمة ستجيب عن هذه الأسئلة، وستكشف عن إذا ما كان رحيل بن قدارة هو حقا استقالة جاءت لعجزه عن التوفيق بين نزوات المعسكرين، أم هي نكوص عن الاتفاق من جانب واحد وبداية لانهيار صفقة أدت لاستقرار نسبي لأهم قطاعات البلاد لحوالي عامين ونصف.

 

في الختام، فإنه من المؤكد أن استقالة فرحات بن قدارة لن تكون مجرد حدث عابر، بل هي لحظة محورية قد تعيد تشكيل المشهد النفطي والاقتصادي في ليبيا، ورغم قتامة المشهد والتهديد الفعلي بإغلاق نفطي قد يشل البلاد مجددا؛ ورغم أن ارتهان البلاد ومصدر دخلها الوحيد لنزوات عائلتين هو صفعة في وجه الأمة الليبية ستعيرنا بها الأجيال القادمة؛ إلا أن الأمل معقود على قدرة العائلتين الحكيمتين على تجاوز خلافاتهما العميقة وإيجاد صيغة توافقية يقتسمان بموجبها ثروات البلاد ويتركان لنا الفتات لنتمكن به كما اعتدنا طوال العقود السابقة من توفير لقمة العيش لأبنائنا آملين أن يخرج يوما من أصلابهم جيل لا يرضى بهذه المهانة.