يعتبر الطلاق في المجتمع الليبي موضوعاً حساساً ومعقداً، حيث يعاني العديد من النساء من تحديات كبيرة بعد الانفصال. يهدف هذا التحقيق الذي أنجزه فريق "علاش" إلى استقصاء حياة المطلقة بعد الطلاق في ليبيا، مع التركيز على الجوانب الاجتماعية، الاقتصادية، النفسية، والقانونية. سنتناول هذا الموضوع من خلال شهادات حية ودراسات ميدانية، بالإضافة إلى إحصائيات وثوقة للإجابة عن جملة من الأسئلة حول حياة المطلقة في ليبيا.
الإحصائيات والدراسات:-
بيانات حول المطلقات في ليبيا
وفقًا للبيانات الواردة من مصلحة الأحوال المدنية، الهيئة الوطنية للمعلومات والتوثيق، مصلحة الإحصاء والتعداد، والتقرير الوطني للتنمية البشرية لسنة 2022:
- عدد المطلقات: في عام 2022، بلغ عدد المطلقات في ليبيا حوالي 95,000 مطلقة.
- التوزيع الجغرافي: تتوزع المطلقات في مختلف المناطق الجغرافية في ليبيا، مع تركز أكبر في المدن الرئيسية مثل طرابلس وبنغازي ومصراتة.
- الشريحة العمرية: تتراوح أعمار المطلقات بين 18 و50 عامًا، مع نسبة كبيرة منهن في الفئة العمرية من 25 إلى 35 عامًا.
كيف تُغتال المرأة اجتماعيًا بعد الطلاق في ليبيا؟
وصمة الطلاق :
في ليبيا، يُنظر إلى الطلاق بشكل سلبي في معظم الأوساط الاجتماعية، مما يؤدي إلى ما يُعرف بالاغتيال الاجتماعي. تواجه المرأة المطلقة وصمًا اجتماعيًا قويًا، يُعرّف على أنه تصنيف اجتماعي سلبي يؤدي إلى التهميش والعزلةويتم تصنيفها في قوالب نمطية ، هذه القوالب التي تجعل المرأة المطلقة في العقل الجمعي للمجتمع مستباحة ، هذا الأمر يجعلها دائما في دائرة الشك ، ويفرض عليها ان تبذل جهدا مضاعفا لكسر هذه الصورة ، حريصة على كل لفظ يخرج منها ، أو تصرف تقوم به ، الجميع يتابعها بدقة ، والجميع يفسر ويؤول تصرفاتها وكلامها بشكل سلبي في الغالب ، هذه الحالة تجعلها امرأة محاطة بألف كاميرة مراقبة في الدقيقة ؟
ناهيك عن الضغوط النفسية الوصم الاجتماعي يؤثر بشكل كبير على الصحة النفسية للمطلقة، مما يزيد من مشاعر القلق والاكتئاب بعد الطلاق، غالبًا ما تواجه المرأة نظرات الاستهجان والتعليقات السلبية، حتى من أقرب المقربين لها، مما يعمق من جروحها النفسية.
ليلى مرت بهذه التجربة وتحكي لنا تفاصيل هذه المشاعر
بعد الطلاق، عُدت للعيش مع أهلي ، كنتُ أتوقع الدعم والحنان، إلا أنني واجهت واقعًا مختلفًا. تعامل معي إخوتي ببرود وانتقاد، حيث اعتبروني فشلت في الحفاظ على زواجي. المجتمع لم يكن أرحم، حيث تعرضتُ لنظرات الاستهجان والهمسات في كل مكان أذهب إليه، مما جعلني أشعر بالذنب وعدم الأمان.
ما المصير المنتظر للمطلقة بعد الطلاق ؟
الاستقرار الاقتصادي :
تواجه المرأة المطلقة صعوبات مالية بسبب فقدان الدعم المادي أو انخفاض الدخل. هذه الصعوبات تجعل من الصعب على المطلقة توفير حياة كريمة لأطفالها وتلبية احتياجاتها الأساسية ، الأمر الذي يثقل كاهلها بشكل كبير جدا ، خاصة في حالة انها لم تكن امرأة عاملة ، حيث تعاني المطلقة من صعوبة في العثور على فرص عمل جيدة بسبب الوصم الاجتماعي ، تكون فرص العمل محدودة ونظرة الشك تلاحقها في كل مقابلة عمل حيث قد يتحفظ أرباب العمل عن توظيف المطلقات، وهذا يعتبر إستمرارلفكرة الإستباحة التي كنا قد ذكرناها سلفا ، حيث تقول ليلى في هذا الامر
لم أكن أعمل أثناء زواجي، لذا كان من الصعب عليا إيجاد وظيفة أعيل بها أطفالي ، حاولت البحث عن عمل في عدة أماكن، لكن الفرص كانت قليلة، ونظرة الشك كانت تلاحقني في كل مقابلة عمل.
وهذا يزداد او ينقص على حسب عمر المرأة المطلقة ، ناهيك على رفض العائلة أحيانا عمل إبنتهم ، وتحديد وظائف معينة للعمل من خلالها ، هذه الوظائف آحيانا لا تعود بالعائد المالي الذي يجعلها تغطي نفقاتها ونفقات أبنائها ، وهذا ما يزيد من حجم الضغط النفسي عليها ، ويشعرها بنوع من العجز ، وأنها أصبحت ( عالة ) على محيطها .
- المستوى التعليمي: تتنوع مستويات التعليم بين المطلقات؛ حوالي 40% منهن لم يكملن التعليم الثانوي، بينما 30% حاصلات على شهادات جامعية. ( تصميم )
- الوظائف: تتنوع وظائف المطلقات بين العاطلات عن العمل (حوالي 50%)، والموظفات الحكوميات (30%)، والنساء العاملات في القطاع الخاص (20%).
الطلاق: انطلاق أم انحطاط داخل المجتمع؟
نظرة المجتمع:
في ليبيا، يُنظر إلى الطلاق غالبًا على أنه نوع من أنواع الإنحطاط الاجتماعي، خصوصًا في حال كانت المرأة صغيرة في العمر ، يعتبر الطلاق عارًا في كثير من الأحيان، مما يؤدي إلى تهميش المرأة المطلقة، والتعامل معها كونها حالة يجب إخفائها ، وعدم الحديث عنها ، ومُداراتها عن أعين الناس بينما بشكل أخر يمكن أن يُعتبر الطلاق انطلاقًا للمرأة لإعادة بناء حياتها من جديد
تقول فاطمة هنا عن حالة طلاقها وما شعرت به :
"بعد الطلاق، شعرت وكأنني فقدت جزءًا من هويتي. المجتمع ينظر إليّ بنظرة مختلفة، وكأنني السبب الوحيد في فشل الزواج."
ليلى أيضا في هذا الجانب تقول :
"الطلاق كان صدمة كبيرة لي، لكن الأصعب كان التعامل مع نظرة المجتمع. كنت أعمل موظفة حكومية، ولكن بعد الطلاق أصبحت أواجه تحديات كبيرة في العمل بسبب التمييز والتحيز."
الزواج مرة أخرى: تحديات وخيارات
صعوبة الزواج مرة أخرى
قد يكون الزواج مرة أخرى صعبًا بسبب الوصم الاجتماعي، حيث تواجه المطلقة صعوبة في العثور على شريك مستعد لقبول وضعها. قد يكون هذا الخيار مفروضًا عليها نتيجة الظروف الاجتماعية والاقتصادية.
تقول حنان عن هذا الأمر :
عمري 35 عامًا، تزوجت مرة ثانية على أمل أن أجد شريك حياة يوفر لي الاستقرار والدعم. واجهتُ رفضًا شديدًا من قبل عائلتي والمجتمع، وتعرضتُ للانتقادات والإشاعات التي شككت في أخلاقي ونيات الزوج الجديد. في النهاية، قررت إنهاء زواجي الثاني للحفاظ على سلامة عائلتي وراحة أطفالي.
حيث هنا تعتبر المرأة التي تفكر في الزواج أمام امرين :- الأول هو عدم قبول المجتمع ان يكون هناك رجل أخر في حياتها وهي أم لأطفال ، لأن الجميع يرى أنها يجب ان تسخر حياتها بالكامل لأطفالها ، وانها أخذت نصيبها من الزواج وكفى ، خاصة وان الأطفال في حال انها تزوجت لن يبقوا معها ، وذلك لإعتبارات متعلقة بالدين والعرف ورفض الأب ( الزوج السابق هذا الأمر ) فتجد نفسها في حقيقة الأمر أمام خيارين أحلاهما مر ، إما ان تختار حياتها ومستقبلها وحقها في ان تبدأ حياة جديدة ، وإما ان تستجيب لنداء الأمومة الذي يفرض عليها التمسك بأبنائها والتخلي عن حياتها ، ويبدوا انه في أغلب الحالات تتغلب الأمومة ،
اما الأمر الثاني فيتمثل في رفض المجتمع على سبيل المثال قبول فكرة ان يتزوج رجل ( عزري ) بإمرأة مطلقة ، حيث تستمع حينها إلى ذلك الوصم الذي يحمل حكما قطعيا بالإعدام ( انت شن ناقصك باش تاخد وحدة مطلقة ) في هذا المقام تُعامل المرأة انها إرتكبت خطيئة باعتبارها قد طُلقت ، وأنها مسؤولة عن هذا الفشل ، او قد تسمع كلمة أكثر حدة في هذا المقام مفادها ( ان هذه المرأة مستعملة ؟! ) رغم ان هذه الأفكار في واقعها تتعارض مع الدين الإسلامي وأعرافنا قبل خمسون سنة ، التي كانت فيها المرأة المطلقة مرغوبة أكثر كونها أكثر وعيا ودراية بفكرة الزواج وأعبائه ، وستجد في كل شارع من شوارع ليبيا ان هناك عجوزة كانت قد تجوزت أكثر من رجل ، وكان صحابة رسول الله يتسابقون على الزواج بالمطلقات والأرامل ، دون وجود وصم وتمييز لهم ، بل نبينا الكريم تزوج مطلقة وهي ( أمنا زينب بنت جحش ) لهذا نسأل هنا
من أين جاءتنا هذه الأفكار ؟
مصير أطفال المطلقة :
الحضانة والرعاية
قد تواجه المرأة صعوبات في الاحتفاظ بحضانة أطفالها بعد الزواج، وذلك حسب القوانين المحلية والإجراءات القانونية. إذا تزوجت مرة أخرى، قد يُطلب منها التنازل عن بعض حقوق حضانة الأطفال.
- الوضع العائلي للمطلقة: تختلف الأوضاع العائلية بين مطلقة بدون أطفال (حوالي 20%)، ومطلقة تعول أطفالًا (80%).
تقول سعاد في هذا الموضوع
تزوجت بعد وفاة زوجي الأول، وكان لدي طفل من هذا الزواج. واجهت مشاكل في إقناع زوجي الجديد بقبول الطفل الأول، مما أدى بي في النهاية إلى اتخاذ قرار صعب بالتخلي عن طفلي لضمان استقرار حياتي الزوجية الجديدة
هذا ناهيك عن مسألة تربية الأطفال في بيت أهل المطلقة بعد الطلاق، قد تتعرض الأم لضغوط كبيرة من أهلها بشأن تربية الأطفال، مما يؤدي إلى توتر وصراع داخل الأسرة ، وكونها مطلقة فكل العائلة هي طرفا في تربية الأبناء ، الأمر الذي تراه العديد من النساء المطلقات حالة تشتيت لتربية أبنائهم .
تقول مريم هنا .
بعد طلاقي عدتُ إلى بيت أهلي لأكون قريبة من دعمهم العائلي. وجدت أن عائلتي تدعمني بشكل كبير، ولكن هذا الدعم جاء مع تدخل كبير في كيفية تربية أطفالي ، هذا التباين أدى إلى صراعات داخلية وشعور الأطفال بعدم الاستقرار.
الحقوق القانونية للمطلقة
التحديات القانونية
بموجب القانون الليبي، تمتلك المرأة المطلقة حقوقًا في الحضانة والنفقة في حال كان لديها أطفال ، لكن هذه الحقوق قد تكون معقدة حسب الظروف الفردية والتفسيرات القانونية.
تقول سعاد عن تجربتها مع النفقة
"بعد الطلاق، قضيت سنوات في المحاكم للحصول على نفقة لأطفالي. النظام القانوني معقد وبطيء، وكان عليّ أن أواجه الكثير من العقبات للحصول على حقوق أبنائي."
ناهيك عن تعمد بعض الأزواج رفض فكرة النفقة ، حيث أحيانا بعد المرور بكل الإجراءات المطلوبة للحصول على النفقة تكون قيمة النفقة المُقررة لا تتكافئ مع الوضع الاقتصادي ، وإحتياجات الأطفال ، كما ان إستمرار تدفق النفقة بإنتظام في العادة غير ممكن ، حيث يلجئ بعض الأزواج إلى إيقاف النفقة لأشهر ، الأمر الذي يجعل المطلقة تدخل من جديد في دوامة الإجراءات لتطلب من القضاء حبس الزوج لتأخره عن أداء النفقة ، يستجيب الزوج لفترة ، ويعيد الكرة من جديد مرة بعد مرة ، الأمر الذي ينعدم معه استمرار تدفق النفقة التي من الأصل هي غير كافية في قيمتها لسد متطلبات الأطفال ، حيث القانون لم يُعدل في هذه المسألة ليتماشى مع التغيير الحاصل في الوضع الاقتصادي الذي تمر به البلد .
شهادات رجال مطلقين في ليبيا حول المرأة المطلقة
1. سامي (40 عامًا)
"المرأة المطلقة تواجه ظلمًا كبيرًا من المجتمع. يعتبرونها سبب فشل الزواج ويتعاملون معها كأنها ارتكبت خطأً لا يُغتفر. هذا غير عادل."
2. أحمد (45 عامًا)
"النظرة التقليدية تجاه المرأة المطلقة في ليبيا يجب أن تتغير. المجتمع ينظر إلى المرأة المطلقة على أنها ناقصة، وهذا ليس صحيحًا."
3. محمود (38 عامًا)
"بعد طلاقي، لاحظت كيف يعامل المجتمع المرأة المطلقة بازدراء. يعتقد الكثيرون أنها مسؤولة عن فشل الزواج، وهذا يؤثر بشكل كبير على حياتها النفسية والاجتماعية."
4. خالد (50 عامًا)
"المرأة المطلقة في ليبيا تعاني من نظرات الاتهام والشائعات. المجتمع يعتقد أنها متاحة للجميع وهذا خطأ."
5. يوسف (43 عامًا)
"يجب على المجتمع أن يدرك أن الطلاق هو قرار شخصي يمكن أن يكون الأفضل لكلا الطرفين. المرأة المطلقة يجب أن تُعامل كأي شخص آخر."
يعتبر الطلاق في ليبيا تجربة معقدة مليئة بالتحديات النفسية والاجتماعية والاقتصادية والقانونية. يتطلب تحسين وضع المطلقات تعزيز الدعم النفسي والاجتماعي، وتحسين القوانين المتعلقة بحقوق المرأة، وزيادة برامج الدعم الاقتصادي والتدريب المهني. من الضروري أن يتكاتف المجتمع المدني والحكومة لتوفير بيئة أكثر دعمًا للنساء المطلقات وأطفالهن.
بهذا التحقيق الاستقصائي، نأمل أن نكون قد سلطنا الضوء على جزء من معاناة المرأة المطلقة في ليبيا، وأن يكون هذا خطوة نحو تغيير النظرة الاجتماعية وتحسين ظروفهن.